نداء إلى أبناء الصحوة الإسلامية

من بعد غربة السنين، أشعر أننا كأصحاب موسى بعد أن نجاهم الله من فرعون مصر، دخلنا التيه مثلهم بخطايانا وبما كسبت أيدينا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وبإحجام البعض عن العمل جميعًا وكأننا جزر منفصلة عن الآخرين.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


من بعد غربة السنين، أشعر أننا كأصحاب موسى بعد أن نجاهم الله من فرعون مصر، دخلنا التيه مثلهم بخطايانا وبما كسبت أيدينا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وبإحجام البعض عن العمل جميعًا وكأننا جزر منفصلة عن الآخرين.

بالرغم أن الأصل فى السياسة اختلاف الآراء وتشعب الأفكار، إلا أننا رأينا بعض الدعاة والعلماء يتمسك كل منهم برأيه الشخصي في المسائل السياسية، التى يسعنا فيها الخلاف وكأنه رأيه هو الرأي الأوحد، بل لا يحترم للآخرين آراءهم، عمومًا حتى تُكوِّن رأيًّا سياسيًّا، لابد أن يكون عندك الخبر الصادق والمعلومة الحقيقية، وهذا لن يتأتَّى إلا بأن تكون أنت صانع القرار أو في دائرة قريبة من صناعته، وهذا لا يتوافر لكل أحد، لذلك تختلف الآراء في المسألة الواحدة بقدر ما وصلك من معلومات، مع الاعتراف أن الله قد حبا كل فرد بعقل وعلم وفهم يختلف عن الآخرين في تحليل نفس الأمر واستنباط الفوائد والعبر بل والحكم على الأشخاص والمواقف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (صححه الألباني).


أيضًا مع الاعتراف بالتقصير وانشغال كل منَّا بدنياه الجديدة بعيدًا عن المصحف والدرس والقراءة، يجب أن يتنازل كل منَّا عن رأيه لصالح الجماعة ولنعلم أن قوتنا فى تجمعنا، وليس في انعزالنا أو تفردنا، وأن كثرة الخلاف وتعدد الجماعات هو مرض يجب أن نتداوى منه، وداء يحتاج إلى علاج وورم يحتاج إلى استئصال، وخطيئة يجب أن نتوب إلى الله منها، وعلامة ضعف وانهزام مبكِّر، ولما تبدأ المعركة بعد، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِ‌يحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُ‌وا} [الأنفال:64].


ونحن نبدأ صفحة جديدة ونريد أن نشيِّد بنيانًا راسخًا يتحمل الأعاصير القادمة، التى لا يعلم حجمها ومداها إلا الذي يخلقها، نحتاج إلى كثرة الدعاء، قال تعالى: {وَقَالَ رَ‌بُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، ونحتاج إلى الاستغفار، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُ‌ونَ} [الأنفال:33] ، ونحتاج إلى الصلاة والصبر، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ‌ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45]، ونحتاج إلى التمسك بما آتانا الله بقوة كما قال تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} [البقرة:63]، مع الدعوة لأن يحكمنا المنهج والشرع الذى ارتضاه الله لهذه الأمة الخاتمة، فقد قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَ‌اةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّ‌بِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْ‌جُلِهِم} [المائدة:66]، ونحتاج إلى تجديد التوبة إلى الله، فقد قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]، ونحتاج إلى التواضع وعدم الكبر والتنازل للآخرين فى مواضع المجادلة وحب الاعتداد بالرأي.


احرص على تشابك الأيدى والعودة إلى العمل جميعًا حتى نصل إلى خط النهاية كصف واحد وكعدد مكتمل، إياك والفرقة والكبر والاعتداد بالرأي، واعلم أن من أعظم الأوامر، التي ذكرها الله لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ‌ لَهُمْ وَشَاوِرْ‌هُمْ فِي الْأَمْرِ}‌ [آل عمران:71].

بارك الله فيكم من أمة عاملة تائبة مخلصة لربها مطيعة عابدة، سيُباهي النبي صلى الله عليه وسلم بكم الأمم، وسينصركم ربكم على عدوكم، وسيعيد لكم مجدكم وعزكم ورفعتكم على الأمم، ولكم ماذا قدمت أنت لهذا الدين.


د. يسري حماد

03 مايو 2012 م
 

المصدر: موقع جريدة المصريون