علمتني الأحداث الأخيرة..

أدرك الملك فيصل رحمه الله -وهو مؤسس الخارجية- أن دعوات الناصرية والقومية تكتسح الشارع العربي، ففطن -رحمه الله- أن لا بديل عن إقامة وتمتين العلاقة مع الشعوب، فأنشأ رابطة العالم الإسلامي كمنظمة شعبية إسلامية تتجاوز الحكومات لتنفذ إلى قلوب الشعوب..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

رغم سوء وبشاعة الأحداث الأخيرة إلا أنني أتقدم لها بالشكر الجزيل.. لماذا؟
1- لأنها كشفت لنا أن علاقتنا بالشعوب سيئة أو منعدمة، فقد استعضنا عنها بالعلاقات مع الحكومات، وأهملنا تماماً مد وتطوير علاقتنا بالشعوب، إن ضخ المليارات لخزائن الحكومات ثبت فشله تماماً، فقد أغدقنا المليارات على صدام حسين حتى لا يسقط العراق فريسة لإيران، لكننا تجاهلنا تماماً العلاقة مع الشعب العراقي.

فعندما قلب لنا صدام ظهر المجن اكتشفنا أننا لم يكن لنا من نافذة مع العراق إلا نافذة (أبوعدي)، وكان غزوه للكويت درساً لنا من العيار الثقيل، فقد أشتعل الشارع العربي ضدنا من المغرب حتى صنعاء، وتعرضنا لأقذى الاتهامات، وجرى تصويرنا على أننا أعراب نحوم حول آبار النفط التي تحرسها حراب الغربيين، وتم تجاهل الحقيقة الساطعة أن صدام هو المعتدي وهو الذي يهدد المملكة.

2- الأحداث الأخيرة وضعتنا أمام الحقيقة المرة أننا لا نملك سياسة خارجية تجمع حولنا الأفئدة، وتلتئم علينا القلوب وتجعل من الشعوب الإسلامية امتداداً لنا وعمقاً لدورنا، سياسة خارجية نابعة من خصوصيتنا الإسلامية كمهبط الوحي وقبلة المسلمين.

وقد أدرك الملك فيصل رحمه الله -وهو مؤسس الخارجية- أن دعوات الناصرية والقومية تكتسح الشارع العربي، ففطن -رحمه الله- أن لا بديل عن إقامة وتمتين العلاقة مع الشعوب، فأنشأ رابطة العالم الإسلامي كمنظمة شعبية إسلامية تتجاوز الحكومات لتنفذ إلى قلوب الشعوب، وحققت الرابطة نجاحات باهرة وصدت الطوفان الناصري..
لكن أين هي الرابطة الآن؟

الرابطة الآن بدل أن تنشط ويفعل دورها الشعبي نجدها تئن من القيود، وهي غير قادرة على الحفاظ على مراكزها وهيئاتها في الخارج، بعد أن منعت من إجراء التحويلات المالية البنكية، وأصبحت كثير من مراكزها وجامعاتها وهيئاتها في الخارج في حالة شلل تام، فاضمحل دورها، وتلاشى أثرها، وحتى الأيتام الذين كفلتهم مؤسسات الرابطة تخلت عنهم بفعل المنع المالي، ولا تسل عن حالة بقية مؤسساتنا السعودية الخيرية والإغاثية والتعليمية في الخارج.

3- الأحداث الأخيرة وضعتنا أمام الحقيقة المرة أننا لم نهيئ لرجال المملكة وعلمائها البيئة المناسبة والمحفزة لينطلقوا في أصقاع المعمورة، يقيمون العلاقات مع الفعاليات الشعبية ويتواصلون مع الرموز، وينشرون اسم المملكة ومنهجها الدعوي، ويقيمون الأعمال الخيرية والإغاثية والتعليمية، بل إن الكثير منهم يتحاشون كل ذلك خشية المسائلة فالثقة فيهم ليست كاملة وفاقد الشيء لا يعطيه.

4- الأحداث الأخيرة كشفت لنا أن الإعلاميين الذين دفعت لهم قنواتنا الهابطة مبالغ طائلة وشهرتهم وجعلتهم نجوماً إعلامية لنشر المجون كانوا هم أول الشاتمين لنا وصدارة الناعقين علينا، وطليعة المهيجين ضدنا.

5- الأحداث الأخيرة كشفت لنا أن العلماء في كل بلد هم الطليعة التي دافعت عن المملكة، وهم الذين صدعوا بكلمة الحق ولم يكترثوا بغضب الجماهير، ولا بالهجمة الإعلامية الشرسة ضدنا، في وقت وزنت الأحزاب السياسية موقفها وفقاً لهتاف الجماهير: "لا لمبادئ الأخوة الإسلامية".

6- الأحداث الأخيرة كشفت لنا أن الأحزاب السلفية هي الأقرب لنا، وهم القوة التي نستطيع أن نعول عليها لترجح كفتنا داخل الشعوب، وأن لا مناص عن التحالف معها فهم امتدادنا ونحن عمقهم..

7- الأحداث الأخيرة كشفت لنا أن إيران (قناصة ماهرة)، وأنها استقطبت أطيافاً من الشعوب، بعضهم تحول لمذهبها وبعضهم أغدقت عليهم من أموال (الخمس) فكسبت ولاءهم، ووثقت علاقتها بالإعلاميين والساسة ورموز المجتمع، وجعلت الملحق الديني في سفارات طهران بأهمية السفير، وجعلت بعض سفرائها آيات معممة.
فيما نحن أغلقنا وبالشمع الأحمر الملاحق الدينية في سفاراتنا، ورفضنا تبديل أو تعيين أي ملحق ديني انتهت مدته، واستكثرنا عليهم حتى حمل جوازات سفر دبلوماسية!

8- الأحداث الأخيرة كشفت أن القضاء شرف الأمة، فإذا انتقصت كرامته أو مس مقامه فإن ذلك أول علامات الانهيار، فكيف نطلب من الآخرين أن يحترموا قضاءنا وصحافتنا لا تترك شاردة ولا واردة إلا وألصقتها بالقضاء، وحتى أقيمت دعاوي على رموز المملكة مستندة على قصاصات من صحفنا..!


كيف أطلب من الآخرين أن يحترموا قضاءنا، ومعالي وزير العدل يخاطب القضاة بأسلوب لا يليق بطلبة الابتدائية، ويعقد المؤتمرات ناهراً وزاجراً ومتوعداً؟

كيف أطلب من الآخرين أن يحترموا قضاءنا، ومجلسه تلاشى وأصبح هيئة إدارية؟ ولا تسل عن: مليارات التطوير كيف لم تقض على المباني المستأجرة للمحاكم، وكتابات العدل، ولم تحل مشكلة الدور المتقادمة، ولم تستر العجز الناطق في الموظفين؟

كيف أطلب من الآخرين أن يحترموا قضاءنا، والقضاة الذين أفنوا جل عمرهم يحكمون في الرقاب والدماء والأعراض -إذا كتب أحدهم مقالاً ينتقد معاليه- أحيلوا إلى التحقيق وجرت مساءلتهم عبرة لغيرهم؟!
ولا تسل عن منعهم من الظهور بوسائل الإعلام، وهم مفخرة لكل ذي لب وشرف لكل ذي بصيرة.

لكل ما سبق الأحداث الأخيرة عسى أن نفطن لعيوبنا فنبادر بإصلاحها.


عبد الرحمن أبو منصور