إلى الأحبة في سوريا..

محمد بن سليمان المحيسني

نُنَادِيْكُمْ وَنَحْنُ بِكُمْ أَحَقُّ *** وَبِالْصَّبْرِ الْجَمِيْلِ يُنَالُ حَقُّ
أَحِبَّتَنَا ظَلَامُ الْلَّيْلِ طَاغٍ *** إِذَا لَمْ تَصْبِرُوْا فَمَتَى يُشَقُّ؟

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

نُنَادِيْكُمْ وَنَحْنُ بِكُمْ أَحَقُّ *** وَبِالْصَّبْرِ الْجَمِيْلِ يُنَالُ حَقُّ
أَحِبَّتَنَا ظَلَامُ الْلَّيْلِ طَاغٍ *** إِذَا لَمْ تَصْبِرُوْا فَمَتَى يُشَقُّ؟
بِقُرْآنِيْ سَتَنْتَصِرُ الْثَّكَالَى *** فَرِبْحُ الْبَغْيِ خُسْرَانٌ وَمَحْق
وَمَوْعِدُ شَمْسِكُمْ أَضْحَى قَرِيْبًا *** إِذَا الْإِيْمَانُ شَدَّ عُرَاهُ صِدْق



نقول لإخوتنا في سوريا مرة أخرى: صبرًا يا أحفاد الصحابة، صبرًا أيها الأحبة، فالنصر آت لا ريب، والفرج قريب، وما تلقونه من العنت واللأواء ما هو إلا اختبار لصبركم، وتمحيص لإيمانكم، فلا بد لكم من الصبر والثبات.

صبرٌ على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على جهاد المشاقين، وصبر على كيد الكائدين، وصبر على تأخر النصر وبطئه، وصبر على بعد الشقة ومكابدة المشقة، وصبر على انتفاش الباطل، وصبر على قلة الناصر، وصبر على أشواك الطريق، لا بد لكم من الصبر على التواءات النفوس وضلال القلوب، وثقل العناد، وفضاضة الإعراض، لا بد لكم من مواجهة كل ذلك..

نقول لكم ذلك: خوفًا أن يضعف من عزمكم طولُ الأمد، وبعد الشقة، وكلال الجهد، فإذا لم يكن لكم زاد ومدد فسينضب معينكم، فعليكم بالصبر والصلاة، فهما المعين الذي لا ينضب، والزاد الذي لا ينفد، قد يدرككم التعب فلا تنسوا أن الله مع الصابرين، وقد يدرككم اليأس فلا تنسوا أن الله قد بشر الصابرين، ومفتاح الصبر هو الصلاة، فهي اللمسة الحانية لكل قلب متعب مكدود.


ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصلاة إذا حزبه أمر. ألم تعلموا أن الله حينما انتدبه لحمل الأمانة العظمى وشاء أن يلقي عليه القول الثقيل قال له: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2]. تذكروا دائمًا بأن الله مع الصابرين الذاكرين، يؤيدهم، ويثبتهم، ويقويهم، ويؤنسهم، لستم وحدكم ولو تخلى عنكم كل الناس، الله معكم وإخوانكم معكم، وهم كثير على امتداد بلاد الإسلام، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.

أخرج البخاري، وأبو داود، والنسائي عن خباب بن الأرت رضي الله عنه، قال: "شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه.. والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»" (صحيح البخاري). {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154].

فلا يفتن في عضدكم ما يسقط من الشهداء، فإن من خلصت نيته لله يتمنى أن يعود ليقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة عند ربه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة» (أخرجه مالك والشيخان).

«وما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جيء به يوم القيامة كهيئته يوم كلم، اللون لون الدم، والريح ريح المسك» (صحيح البخاري). فلا بد من الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، لكن البشارة للصابرين، فكونوا لله وحده، وسلموا أمركم إليه، مع بذل الجهد واستفراغ الوسع والأخذ بالأسباب..
التجئوا إلى الله وحده حين تهتز الأسناد، ولا تركنوا إلى أحد، فلا شيء إلا بأمره، ولا قوة إلا به، ولا حول إلا حوله، ولا ملجأ إلا إليه، وحينما تدركون من أنفسكم ذلك فثقوا بأن النصر صار قاب قوسين أو أدنى، وثقوا بأن البشارة قد حل أوانها، فسيروا على بركة الله، والله معكم، ونحن معكم بكل ما نستطيع.


قلوبنا معك يا دمشق ويا أهلها الطيبين، ومعك يا درعا الصمود، ويا حلب المجد، ويا حمص البطولة، ويا حماه الرجولة، ويا كل بلدة من بلاد الشام الجريحة المباركة..
 

خُذِيْ قَلْبِيْ فَأَنْتِ بِهِ أَحَقُّ *** وَقُوْلِي لِلزَّمَانِ أَنَا دِمَشْق
أَحِنُّ إِلَيْكِ يَا فَيْحَاءُ حَتَّى *** يُحَطِّمَ أَضْلُعِي وَلَهٌ وَعِشْق
كَتَبْتُ عَلَى جَبِيْنِ الْصُّبْحِ شِعْرِيْ *** فَلِلْآيَاتِ مِنْ شَفَتِيْ دِفْق
أَرَى وَطَنًا كَرِيْمًا مُسْتَبَاحًا *** وَشَعْبًا لِلْكَرَامَةِ يَسْتَحِقُّ
أُحِبُّكِ يَا بِلَادَ الْشَّامِ عُمْرِيْ *** وَأَعْرِفُ أَنَّكِ الْبَلَدُ الْأَحَقُّ



ذلك ما ترنم به شاعر من أقصى بلاد المغرب، وقد هزه ما يجري لإخوته في المشرق، وهو ما يقوله كل أبناء الأمة الشرفاء، الذين نوجه إليهم النداء: أن هبوا لنصر إخوانكم بما تستطيعون، ولا تنسوهم من دعائكم، واحمدوا الله على العافية، فما لأحد عذر إن تقاعس أو تأخر..

والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.