دراسة لنتائج المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية، وكيف نتعامل معها (2)

هذا هو المقال الثاني في سلسلة مقالات دراسة لنتائج المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية وكيف نتعامل معها.
لقد تناولنا في المقال الأول الفئات المختلفة المصوتة (لشفيق) وكيف نتعامل معها، وفي هذا المقال نتناول المصوتين لباقي المرشحين بغية استقطابهم وعدم الترشيح لشفيق في جولة الإعادة، أو الامتناع عن التصويت.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

فهذا هو المقال الثاني في سلسلة مقالات دراسة لنتائج المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية وكيف نتعامل معها.
لقد تناولنا في المقال الأول الفئات المختلفة المصوتة (لشفيق) وكيف نتعامل معها، وفي هذا المقال نتناول المصوتين لباقي المرشحين بغية استقطابهم وعدم الترشيح لشفيق في جولة الإعادة، أو الامتناع عن التصويت.
وقد يكون من المناسب أن ينتظم الكلام على أساس القرب أو البعد في فكر المصوتين، وليس على عدد الأصوات، لذلك بعد الكلام عن المصوتين (لشفيق) سنتكلم إن شاء الله تعالى عن المصوتين (لموسى) ثم (حمدين) ثم (أبو الفتوح).

عند الكلام عن المصوتين لـ(عمرو موسى) نلاحظ أولا أن كثير من المحللين -وأنا منهم- كان يتوقع دخوله للإعادة ثم فوجئنا أنه أقل الخمسة الكبار (حوالي 11.1%)، وكمدخل لفهم الفئات المصوته له يجب أن نحلل، لماذا أخذ أصوات أقل من المتوقع؟ أي: لماذا انحازت بعض الأصوات المحسوبة له لغيره، ثم من الأصوات التي بقيت معه؟


أعتقد أن ما صرف الناس عنه هو اتباعه لأسلوب إمساك العصا من المنتصف في كثير من القضايا، ووجد كثير من الناخبين بغيتهم في مرشحين آخرين أكثر وضوحًا، فمن انحاز للنظام السابق وجد بغيته في (شفيق) الذي لا يخفي كرهه للثوار ولا ولاءه للنظام السابق، ومن أراد غير إسلامي وجد بغيته في (حمدين) الذي يجاهر بمعاداة الإخوان عمومًا، ومن أراد إسلاميًا ولكن غير خاضع للإخوان وجد بغيته في (أبو الفتوح) الذي سيضمن له عدم استئثار الإخوان بالمناصب وهكذا..

لذلك أظن أنه لم يبق مع موسى إلا فئة واحدة وهم من رأوه أكثر خبرة وأقدر على قيادة البلد، وافتقدوا الثقة في كل الوجوه الجديدة على الساحة في القدرة على إدارة البلد، وأعتقد أن هؤلاء المصوتين هم من الفئات العمرية الأكبر سناً، لذلك أقترح الآتي:

أن يعلن الإخوان من الآن عن ترشيحاتهم لشغل بعض الحقائب الوزارية، فمثلا -على سبيل التمثيل لا اقتراح الأشخاص- ترشيح د. (محمد غنيم) أستاذ الكلى المعروف والمنحاز للثورة لمنصب وزير الصحة، وبذلك نحقق أهداف عدة:

أولا: أنه من المحسوبين على الثورة مما سيلقى قبولا عند الثوار، ثانيا: أنه من أهل الكفاءة مما سيلقى قبولا عند القطاع الصحي، ثالثا: أنه من خارج التيار الإسلامي مما سيعطي مؤشر قوي مفاده أن الإخوان لا يسعون للسيطرة، ولن يقدموا أصحاب الولاء على أصحاب الكفاءة.

وبالمثل من الممكن الإعلان عن د. (نصر فريد واصل) مرشح لمنصب المفتي، وهكذا كلما تقدم الإخوان بقامات معروفة بالثقة والنزاهة والخبرة كلما زالت رهبة فريق المصوتين (لموسى) من أن تحكم البلد بقليلي أو معدومي الخبرة من وجهة نظرهم، وصاروا أكثر قربًا لترشيح مرسي.

وطبعا لا يفوتني أنه من الصعب الآن تحديد الترشيحات للحقائب الوزارية السيادية أو الهامة، لكن من الممكن اختيار 3 إلى 4 حقائب وزارية وتحديد بعض المرشحين فيها لتوصيل هذه الرسالة، وأظن أنه من المناسب التنسيق المسبق مع هذه الشخصيات قبل الإعلان عنها.


أما عند الكلام عن المصوتين لـ(حمدين صباحي) فيجب ملاحظة أنه أخذ نسبة تصويتية أعلى من المتوقع (20.7%) وهذه النسبة تزيد كثيرًا عن المتوقع للاتجاه الناصري أو اليساري عمومًا في مصر، كما إنها تفوق كثيرًا ما حصلت عليه الأحزاب اليسارية في البرلمان، ومادام من غير المنطقي أن نفترض أن خمس المصريين قد اقتنعوا بالفكر اليساري في ستة أشهر، إذًا هناك ما حمل الكثير من المصريين على التصويت لحمدين من غير اليساريين، ليس اقتناعا بالفكر الناصري أو اليساري ولكن هربا من شيء آخر.

لذلك أظن أن حمدين كان هو اختيار كل من هرب من الفلول والتيار الإسلامي، فالكثير ممن صوتوا للإسلاميين في مجلس الشعب غير راضين عن أدائهم، ولا تستسيغ نفوسهم ترشيح أحد الفلول، فوجدوا حمدين هو المخرج من كليهما، ولقد حاورت أحد المصوتين لحمدين -وهو من خارج التيار الإسلامي- فوجدته إنما اختاره هربًا من الإخوان، رغم أنه كان سيرشح حازم أبو إسماعيل سابقًا ولم يكن عنده مانع من تطبيق الشريعة، لكنه على حد قوله لا يثق في الإخوان.


إذًا فنحن نتعامل مع فئتين صوتوا لحمدين: فئة مقتنعة بالفكر الناصري اليساري، وفئة ثورية هربت من اختيار التيار الإسلامي وهم أغلبية المصوتين لحمدين، ولكل فئة حديث وأقترح الآتي:

- يجب أن نعترف أن في الأداء السياسي للتيار الإسلامي عمومًا أخطاء أجاد الإعلام تضخيمها وإبرازها، حتى كانت أداة لتنفير كثير من المصريين عن اختيار التيار الاسلامي (إجمالي المصوتين لمرسي وأبو الفتوح حوالي 45% مقارنة بأكثر من 70% في مجلس الشعب) لذا يجب تلافي هذه الأخطاء سريعًا لاستعادة ثقة الفئة التي انحازت لحمدين تخوفًا من التيار الإسلامي.

- أما الفئة اليسارية التي صوتت لحمدين فيجب التركيز على الجانب الثوري فيهم، فهناك الكثير من المحترمين الذين انبروا فورا محذرين من التصويت لشفيق أو مقاطعة الانتخابات، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر (جمال عيد) رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، الذي جعل موقعه على تويتر منبرًا للتحذير من خطر شفيق وله كثير من التغريدات المحترمة في هذا الاتجاه، فيجب إبراز آراء هؤلاء المحترمين الشرفاء ليكونوا قدوة لباقي التيار اليساري، وكذلك ممن انبرى للتحذير من شفيق من خارج التيار الإسلامي (الكاتب علاء الأسواني) ومن المفترض إبراز كلامه هذا إعلاميًا لأنه سيصل إلى فئات لن يصلها الصوت الإسلامي ولن تعبأ به.


- وختاما:
بعد التصريحات التي قالها حمدين بعد إعلان النتائج، لا أظن التواصل الشخصي معه سيفيد بأي شكل.
أما المصوتين لأبو الفتوح فهم إما تيار إسلامي هرب من سيطرة الإخوان مثل حزب النور، أو من تيارات أخرى يسارية وليبرالية ولكنهم رأوا في أبو الفتوح النموذج التوافقي الذي يستطيع تجميع التيارات المختلفة، ونقترح الآتي:

- الإسلاميين عمومًا والسلفيين خصوصًا قد انحازوا فورًا لمحمد مرسي دون اشتراطات مسبقة، لكن هذا لا يعني أن نغفل أسباب انحيازهم سابقًا ضد الإخوان، وأظن أن في مقدمتها -فيما أعلن- هو فشلهم في التوصل لتوزيع منصف للحقائب الوزارية في حالة نجاح مرسي رئيسًا، ورغم أن هذه القضية مؤجلة حاليا، ولكن يجب أن توضع في الحسبان حتى لا تكون أول عقبة في طريق مرسي هو فقدانه لحلفائه التقليدين في البرلمان (الأحزاب الإسلامية) في حالة نجاحه ثم عدم تمثيل مرضي لها في الحكومة.


- لقد ضم الفريق المؤيد لأبو الفتوح الكثير من القامات المحترمة، والتي من الخسارة التفريط فيها ويجب التواصل شخصيًا معهم وفهم وجهة نظرهم والسماع لهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر د. (هبة رؤوف عزت، ومعتز بالله عبد الفتاح) وغيرهم كثير، وسيمثل التواصل معهم تقريبا لوجهات النظر وتفهمًا: لماذا انصرف هؤلاء عن الإخوان؟ مما يعطي للإخوان بعدًا أكبر في فهم وجهات النظر المعارضة لهم، وكم أتمنى أن ينضم هؤلاء وغيرهم لفريق عمل الإخوان، وأن يكونوا من المرشحين لتولي مناصب في المرحلة المقبلة.

- أبو الفتوح هو أقرب المرشحين للإخوان والتواصل معه سيكون من أهم عوامل تفهم الشارع المعارض للإخوان، وأتمنى أن يصلوا إلى تفاهمات في هذا الشأن وليس شرطًا أن يكون من بينها تولي منصب معين، ولكن التواصل معه سيساعد في فهم فئة المصوتين له بشكل أكبر. ولكن يجب التنبه أنه ليس له سلطة مباشرة لتوجيه كل المصوتين له للتصويت لمرسي.

- وأخيرا: هناك فئة صوتت لأبو الفتوح نفورًا من أداء الإخوان وهو ما يجب تداركه سريعًا.




- وختامًا:
فإنه من باب النصح لإخواني من باب (المؤمنين نصحة والمنافقين غششة)، فإنه يجب الاعتراف بأن بعض السلبيات في الأداء السياسي كانت هي المنفر الرئيسي لكثير من قطاعات الشعب خاصة مع تركيز الإعلام عليها وتضخيمها، والله ولي التوفيق.



محمد الصيفي
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام