(مرسي، وشفيق) أم الجماعة والنظام؟
عبد المنعم الشحات
ينبغي أن نحذر مِن أن أنصار بعض المرشحين قد يدعون الحياد، ثم يتبنون خطابًا يدعو إلى المقاطعة، ويكون في المقام الأول موجهًا إلى كتلة تصويتية محتملة للمرشح المنافس...
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي حوار للفريق (أحمد شفيق) سئِل فيه عن موقفه مِن تطبيق الشريعة فقال: "إن أصحاب الشأن الآن يقرون بأهمية التدرج في تطبيق الشريعة، وعندما سئل: مَن هم أصحاب الشأن؟ قال: السلفيون والإخوان".
وعلى الرغم مِن أننا نؤكد أننا نتمنى أن يأتي اليوم الذي يعتبر فيه كل مسلم نفسه صاحب الشأن في قضية تطبيق الشريعة وفق القواعد الشرعية الصحيحة التي تضبط كل ما يختص بعملية التطبيق، ومنها:
قضية التدرج: إلا أن هذا التصريح يدل بوضوح على أن كل الناس -بما فيهم الفريق شفيق نفسه- يضعون الإخوان والسلفيين في معسكر واحد عنوانه: (مرجعية الشريعة).
ونحن نزعم أن معنا في الإيمان بهذه المرجعية للشريعة الغالبية الساحقة مِن الشعب المصري، ومِن ثَمَّ فقد حصرنا اختيارنا في المرشحِين الذين يؤمنون بهذه المرجعية في الجولة الأولى مِن انتخابات الرئاسة، أما وإذ أسفرت نتائجها عن الإعادة بيْن رجلَيْن، عدَّ أحدُهما الآخر هو وجماعته وحزبه مع السلفيين أصحاب الشأن المتعلق بالشريعة دونه هو ومناصريه..! فالقضية هنا في غاية الوضوح، والخيار محسوم بالنسبة لمن يسعى إلى تثبيت هذه المرجعية.
ولا علاقة لهذا بما يُسمى في التاريخ: (بالدولة الدينية) كما حاول الفريق شفيق أن يصوِّر أيضًا في مؤتمراته! بل نحن نريد ما نصت عليه وثيقة الأزهر: "دولة دستورية حديثة مرجعيتها الشريعة الإسلامية". بخلاف الفريق شفيق الذي جاء في سياق حواره المشار إليه أنه لا يتوقع أنه سوف يمكن التطبيق الكامل للشريعة في يوم مِن الأيام!
إذًا: فمن هذه الزاوية فالمقارنة واضحة وصريحة وحاسمة، ومبنيَّة على مواقف ثابتة لكل مِن الدكتور مرسي وجماعته وحزبه مِن ناحية، والفريق شفيق والنظام من ناحية أخرى، وهذا يقودنا إلى جزئية في غاية الأهمية فيما يتعلق بالمقارنة بيْن الدكتور مرسي والفريق أحمد شفيق؛ حيث تتم مغالطة كبيرة مِن قِبَل الكثيرين -غفلة من البعض وتغافلاً مِن البعض الآخر- وهي: إجراء المقارنة بين الفريق شفيق كفرد وبين الدكتور مرسي كجماعة، فيُحمَّل الدكتور مرسي كل أخطاء الإخوان -وكثير منها مما تختلف فيه الآراء- بينما يستل الفريق شفيق مِن جماعته كما تسل الشعرة من العجين، والعدل والإنصاف يقتضي أن نقارن بين الرجلين كفردين أو نقارن بين المجموعتين التي ينتميان إليهما.
وقد لا يكون لهذه التفرقة أثر كبير في قضية الشريعة التي بدأنا بها حيث الدكتور مرسي كشخص وجماعة يدعوان إلى مرجعية الشريعة، والفريق شفيق والنظام الذي أفرزه لا يؤمن بالتطبيق الشامل للشريعة لا الآن، ولا في أي وقت آخر، ويرى أن القدر المُطبَّق منها الآن هو غاية المُنى، ولكن عندما نتجاوز هذه النقطة نجد أن الدكتور مرسي والفريق شفيق يشتركان في أن لكل منهما مجال دراسة وعمل محدود يُحتِّم عليه إذا صار رئيسًا أن يستعين بفريق كبير من المتخصصين.
وإني أعجب مِن الفريق شفيق الذي دائمًا ما يلمز أستاذ الهندسة بأنه محدود العلم والخبرة في مجاله، وأستاذ السياسة بأنه محدود في مادة سياسية واحدة، والناشط الإغاثي أن غاية جهده أن يحمل البطاطين، بينما يقول عن نفسه: "إنه درس كل العلوم اللازمة لإدارة الدولة" دون أن يحدثنا عن تلك العلوم، وأين؟ ومتى درسها؟!
وإذا كان الأمر كذلك.. فلماذا دافع عن نفسه في لقاء علاء الأسواني الشهير بأنه غير مسؤول عن فساد وزراء مبارك رغم أنه واحد منهم؛ لأن وزارته وزارة إدارية حتى إنه تردد في توصيف منصب الوزير: هل هو سياسي أم إداري؟! وانتهى إلى أن وزارة الطيران المدني على وجه الخصوص أشبه بالمنصب الإداري وليس السياسي، إذًا فكل من الرجلين له مجال دراسة أكاديمي، ومجال خبرة عملية في مجاله.
كما أن الدكتور مرسي اشترك في المكتب السياسي للإخوان، ثم ترأس حزب الحرية والعدالة، وهو أكبر مساحة سياسية كان النظام الذي ينتمي إليه الفريق شفيق ينتجه للمعارضين، وفي المقابل: فإن الفريق شفيق شارك في وزارة ذات طابع إداري -على حد تعبيره- مما يجعلهما متقاربين جدًا في هذه الناحية.
فإذا فرغنا مِن ذلك واتجهنا إلى المقارنة الأكثر سخونة، وهي: المقارنة بين الكيانين، وفي الواقع فإن تسمية هذا الأمر بالمقارنة هو مِن باب ما ينبغي أن يكون؛ وإلا فإن الكائن إعلاميًّا بالفعل هو تحميل الدكتور مرسي أخطاء الإخوان دون تحميل الفريق شفيق أخطاء النظام، وكأن الفريق شفيق قد هبط علينا من السماء فجأة وليس له انتماء، ولا مجموعة سياسية نشأ وسطها حتى صار رئيسًا للوزراء مِن خلالها!
وفي الواقع: إن الإنصاف يقتضي تبرئة كل منهما مِن أخطاء جماعته أو تحميل كل منهما أخطاء جماعته، والخيار الثاني هو الأصوب شرعًا وقانونًا، فأما الشرع: فلقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» (رواه مسلم). ومِن ثَمَّ فالفرد في الجماعة لا بد أن ينكر ما وقعتْ فيه الجماعة مِن أخطاء، وربما اقتضى الأمر البراءة والمفاصلة بينه وبينهم، وقد ذم الله أصحاب السبت ولم يستثنِ إلا الذين نَهوا عن المنكر، مع أن غالبية أهل القرية لم يفعلوا المنكر، ولكنهم لم ينكروا على فاعليه، بل ذم الله اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأفعال أسلافهم؛ لأنهم ارتضوها ونافحوا عنها وإن لم يفعلوها، بل لم يحضروها.
ومِن الناحية السياسية: فإن هناك مسئولية تضامنية بيْن أفراد الحكومة؛ لا سيما في قضايا الفساد أو الإهمال الجسيم، وهي أمور لو زعمنا عدم تلبس حكومة مبارك بها؛ لكانت الثورة غير مبررة بالمرة، وأما إذا اتفقنا على تلبس الحكومة بأمور تتراوح بين الفساد والإهمال الجسيم، فسوف نتأكد أن الثورة مبررة، ولعل تردُّد الفريق شفيق في بعض حواراته حول ما أسماه حينئذٍ بـموجة الغضب، هل هي مبررة أم غير مبررة؟ راجع إلى نظرته إلى أداء زملائه في الحكومة، هل تراوح بين الفساد والإهمال الجسيم، أم لم يرقَ إلى هذا ولا ذاك؟!
وليت الأمر يقتصر على الماضي فإن المؤشرات كلها تتجه إلى أن الفريق شفيق حال وصوله إلى الحكم سوف يكون مدينًا بالدعم والتأييد والحشد لكثير مِن رموز الفساد، ولن أتحدث هنا عن تقارير مسربة تتحدث عن دور فلان أو علان، أو دور قنوات فضائية تضم كوكبة من رجال مبارك الذين ارتدوا رداء الثورة فجأة يوم التنحي، واستمروا على ذلك فترة ثم ألقوه عن عاتقهم في حركة سينمائية ترشحهم أن يقفوا أمام الكاميرا في أفلام الأكشن بدلاً مِن برامج التوك شو..!
لن أتحدث عن ذلك... ولكن سأتحدث عن مؤتمرات حاشدة حضرها بعص هؤلاء، ومنهم: عبد الرحيم الغول الذي شرَّف نفسه بلقب (أبو الفلول) في مصر وهذا الرجل يقسم للنصارى -أغلظ الأيمان- أنه مدبر حادث الاعتداء على كنيسة قنا في ليلة عيد قبل الثورة بعام، ولا أدري: كيف يؤيد معظم نصارى مصر الفريق شفيق وهذا الرجل أحد أنصاره؟!
إذًا: فنحن أمام مستقبل يخشى أن يكون صورة طبق الأصل مِن الماضي متى وصل الفريق شفيق للحكم، ومع هذا فتبقى المقارنة في كل الأحوال بين جماعة الإخوان وجماعة النظام البائد في صالح جماعة الإخوان؛ حتى لو أخذتَ في نقد الإخوان أعنف المذاهب وأشدها، فماذا يقولون عن الإخوان؟!
- "الإخوان سوف يكوشون على السلطة": وهذا اتهام مبني على ظن أنهم سوف يفعلون، ولكن جماعة النظام البائد كوشت وما زالت... وستكون أكثر تكويشًا على السلطة، وقدرتها على التكويش أعلى وخبرتها أكبر، ولن تحتاج إلى كبير عناء، ويكفي فقط أن يصدر الرئيس القادم -إذا كان مِن النظام- أوامره -التي أصدرها بالفعل قبل أن يصل!- ببقاء الحال على ما هو عليه، وأما تكويش الإخوان فمخاوف أظن أنها تلاشت أو كادت بعد الالتزامات الأخيرة من الدكتور مرسي، ثم إن هذا التكويش الإخواني عند مَن لم تطمئنه تصريحات الدكتور مرسي لن يصل في أسوأ أحواله إلى عشر تكويش النظام السابق، الذي يحاول الآن الاصطفاف حول الفريق شفيق.
- وبالطبع البعض يردد: "إن تعهدات الإخوان لا تعدو أن تكون من جنس تعهدات أخرى قالوها وتراجعوا عنها". وفي الواقع: إن السياق مختلف تمامًا، فوعود الإخوان الأخرى كانت أشبه بخطاب نوايا إعلامية ليس فيه التزامات مع أطراف أخرى، وطال الزمان عليها وتغيرت أوضاع اقتضت مِن وجهة نظر جماعة الإخوان تغيير الاجتهاد، وإن لم تقرهم على ذلك القوى الأخرى، ولكن الآن يوجد التزامات واضحة تتعلق باللحظة الراهنة، ولا يمكن لفصيل سياسي ذي مرجعية إسلامية أن يتنصل منها، والديانة والسياسة كلاهما يحتمان عليه الوفاء بها؛ وإلا حكم على نفسه بالعزلة التامة المبكرة.
- ومما يقولونه: "إن الدكتور مرسي سوف يتبع المرشد".
ومرة ثانية: فإن هذه المخاوف قد تناقصت كثيرًا بعد الالتزامات الأخيرة للدكتور مرسي، ولكن: هل يظن مَن يعوِّل على هذا التخوف أن الفريق شفيق لن يكون له بطانة ومستشارون تحت مسميات مختلفة؟! ألم نسمع بخبر ترشيح توفيق عكاشة لوزارة الإعلام حال فوز الفريق شفيق؟ وهو خبر أذاعه عكاشة ولم ينفهِ الفريق شفيق، بل قد يعضده تكرر استضافة عكاشة لـشفيق.
الحاصل: إن المقارنة الأهم بين المرشحَيْن مِن حيثية الكيان السياسي والاجتماعي الذي أفرز كلاً منهما سوف تكون محسومة تمامًا للدكتور محمد مرسي مِن وجهة نظري؛ حيث إنه مرشح لجماعة إسلامية وطنية عارضت النظام السابق، ودفعت فاتورة معارضتها له، وحمت الثورة بشهادة الفريق شفيق نفسه! حتى وإن كان لي أو لك أو لغيرنا مآخذ عليها تزيد أو تنقص، بينما الفريق شفيق بغض النظر عن شخصه هو نتاج النظام الذي انتفض الشعب ضده، وقدَّم شهداءً من أجل تغييره.
فإذا انحصر الاختيار بين هذين، فمن تختار؟! مع الأخذ في الاعتبار أنه ما ثَمَّ خيار ثالث بما في ذلك: إبطال الصوت أو المقاطعة؛ لأن هذا الاختيار لن يغير من واقع الأمر شيئًا مِن أن أحد هذين الرجلين سوف يفوز في الانتخابات، ومع كل منهما نحو ستة ملايين صوت أخذها في الجولة الأولى، فلو خرج هؤلاء فقط في الجولة الثانية؛ فلن تسقط شرعية الانتخابات، فلا يستفيد المقاطع إلا أن يُفقد نفسه ومَن يستجيب إلى دعوته الفرصة لاختيار الأقرب إلى أفكاره وطموحاته.
إن خيار المقاطعة لا يكون خيارًا صحيحًا إلا لمن يستوي عنده المرشحان تمامًا حُسنًا أو سُوءًا، ومِن ثَمَّ فقد كان مستغربًا أن يعلن الأستاذ (حمدين صباحي) عدم انحيازه إلى أي مِن المرشحين، ثم ينفي أن ذلك يعتبر تسوية بينهما، وفي الواقع: إن الذي يجد أي فرق بين المرشحين -ولو طفيفًا- عليه أن ينحاز إلى الأقرب إليه منهما.
- ومِن عجيب ما تسمع: نصيحة رمز كبير لحزب سياسي قديم للناخب: ألا ينتخب إلا المرشح الذي يرتضيه تمامًا! وهذا الشرط لا يكاد يوجد في انتخابات الجولة الأولى؛ فكيف بانتخابات الإعادة؟! ولا أدري: هل يدرك هذا الرجل وغيره ماذا تعني الإعادة أصلاً، وما هي فلسفتها؟!
إن النظم الديمقراطية وضعت هذا الشرط عند فشل أي مرشح في الحصول على نسبة الخمسين في المائة أن تتم الإعادة بيْن أعلى اثنين؛ ليقرر الناخبون الذين خرج مرشحهم الذي اختاروه ابتداءً، أي المرشحين أقرب إليهم؟
وأظن أن في حالتنا تلك فإن كل مَن اختار الدكتور أبو الفتوح أو الدكتور العوا باعتبارهما إسلاميان يلزمه أن يختار في الإعادة الدكتور محمد مرسي، وكذلك مَن انتخب الدكتور أبو الفتوح والأستاذ حمدين -أو غيرهما- باعتبارهما ممثلين للثورة؛ فسيجد أن الدكتور محمد مرسي أقرب إليه من الفريق شفيق.
وينبغي أن نحذر مِن أن أنصار بعض المرشحين قد يدعون الحياد، ثم يتبنون خطابًا يدعو إلى المقاطعة، ويكون في المقام الأول موجهًا إلى كتلة تصويتية محتملة للمرشح المنافس، ويجب أن يعي الجميع أنه في الانتخابات -لا سيما انتخابات الإعادة- التي تكون بين اثنين لا يمكن أن يوجد حياد إلا عند تساوي المرشحَيْن تمامًا حُسنًا أو سوءًا.
وأما فيما عدا ذلك: فاضمم إلى دعائك: اللهم ولِّ علينا خيارنا... اجتهادك في مناصرة مَن ترى أنه أقرب إلى الخير، وإقناع كل مَن تستطيع إقناعهم بذلك.
والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.