أبغض بغيضك هونا ما... عسي أن يكون رئيسك يوما ما
ها هم على ما أسروا في أنفسهم نادمين لأنهم ظنوا أن الغلبة لمن بيده قوة السلطان والعسكر والمال فانحازوا بغباء إلى معسكر الثورة المضادة يخشون أن تدور الدائرة على مصالحهم، ولكن الله أتى بفتح مبين ونصر عظيم للثورة ...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن من عظيم فضل الله علينا وعلى ثورتنا في هذه الأيام سقوط الأقنعة وتمايز الناس، وخاصة رجال الإعلام المضلِّل، وما يسمونهم النخبة وما هم بنخبة.
فقد سقطت أقنعة البراءة والوطنية وكشفت عن وجوه ذئاب كالحة مكشرة عن أنيابها، حاقدة معبأة بالغيظ مملوءة بالحقد، ووجوه ثعابين وحيات أخذت تبث سمومها في الفضائيات ليل نهار، صباح مساء، تشوه صورة كل ما هو إسلامي وما يبدو فيه رائحة الإسلام، ولكن الله خيّب ظنهم، وجعل سعيهم هباء منثورا، ورد كيدهم في نحورهم.
وها هم على ما أسروا في أنفسهم نادمين لأنهم ظنوا أن الغلبة لمن بيده قوة السلطان والعسكر والمال فانحازوا بغباء إلى معسكر الثورة المضادة يخشون أن تدور الدائرة على مصالحهم، ولكن الله أتى بفتح مبين ونصر عظيم للثورة المباركة بنجاح مرشح الثورة الدكتور محمد مرسي، وكأن آيات القرآن تتنزل الآن فتصوِّر هذا المشهد في وضوح وجلاء فيقول ربنا عز وجل: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52].
إن هذا القرآن يربي الفرد المسلم على أساس إخلاص ولائه للحق -وربنا الحق سبحانه وتعالى-، ولرسول الحق صلى الله عليه وسلم، وعلى ضرورة المفاصلة الكاملة بين الصف الذي يقف فيه وكل صف آخر لا يرفع راية الحق، ولا يتبع قيادة رسول الحق؛ ولا ينضم إلى الجماعة التي تمثل الحزب الباحث عن الحق.
ويربي القرآن أفراده على الشعور بالتبعية والمسئولية يوم أن اختاره الله ليكون خليفة في الأرض يرفع راية الحق فيكون ستاراً لقدرته، وأداة لتحقيق قدره في حياة البشر وفي وقائع التاريخ، وأن القعود عن نصرة الحق فضلا عن مجابهته معناه التخلي عن خلافة الله له في أرضه، والنكول عن هذا الاختيار العظيم، والتخلي عن هذا التفضل الجميل.
ويوم من الأيام قبل سقوط الأقنعة كانوا يتغنون بالوطنية والشرف والنزاهة، وانتشر ظاهر العكاشيات وهم كثر ولكن بأشكال وألوان مختلفة، ولقد جاء الله بالفتح وحصحص الحق وحبطت أعمال وخسرت فئات وماتت زعامات كان الناس يتوهمونهم زعماء.
ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح كلما استمسكنا بعروة الله وحده؛ وكلما أخلصنا الولاء لله وحده، وكلما وعينا منهج الله وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا، وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه فلم نتخذ لنا وليا إلا الله ورسوله والذين آمنوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 54، 55].
وواجب الوقت: التوبة وتكفير السيئات ونحن مقبلون على شهر كريم نسأل الله أن يبلغنا رمضان، لعل الله أن يتجاوز عن المسيء فإنه رحيم غفور، والإخلاص لأمتنا ووطننا وأن نترك الأنانية والأثرة ونعمل لمستقبلنا ولآخرتنا حتى لا يصيبنا الندم؛ لأن من يعمل بأنانية وخبث مصيره الندم والحسرة.
وكفانا لعبا في المنتصف مع الفريق الرائج، وكفانا تباطؤا عن نصرة الحق وكفانا تضليلا للناس وتثبيطا للهمم وكفانا تفرقنا وتنازعا: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ على إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا . وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء: 72، 73].
ولنتمثل قول الحق تبارك وتعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
وها قد أصيب القوم بجهالة؛ فرئيسنا حفظه الله ووفقه قيل عنه الكثير كذبا وزورا وبهتانا أنه: (استبن، وأنه مريض بورم في المخ، وأنه سيبيع قناة السويس و...) عفا الله عمن أشاع ذلك، وها هو الندم بدا واضحا على ما قدمت الأيدي ونطقت الأفواه وسجل التاريخ.
ولنستحضر دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا» (رواه الترمذي وصححه الألباني).
وأنا أقول أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون رئيسك يوما ما وها قد كان، فما شعورك وما إحساسك؟!
ولنتعلم من الأحداث ولنعتبر بالتاريخ فقد روى علماء السير أن عثمان بن طلحة قال: "لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، فدعاني إلى الإسلام فقلت: يا محمد العجب لك حيث تطمع أن أتبعك، وقد خالفتَ دين قومك وجئتَ بدين محدث، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية الاثنين والخميس، فأقبل يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت عليه ونلت منه، فحلم عني".
ثم قال: «يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت»، فقلت: "لقد هلكت قريش وذلت". قال: «بل عمرت يومئذ وعزت»، ودخل الكعبة، فوقعت كلمته مني موقعا فظننت أن الأمر سيصير كما قال، فأردت الإسلام فإذا قومي يزبرونني زبرا شديدا، فلما كان يوم الفتح قال لي: «يا عثمان ائت بالمفتاح» فأتيته به، فأخذه مني، ثم دفعه إليّ وقال: «خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف»، فلما وليت ناداني، فرجعت إليه، فقال: «ألم يكن الذي قلت لك؟»، فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة: «لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت»، فقلت: بلى" (سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي).
وذكر ابن كثير في قوله تعالي: {إِنّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. قال: "نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، فدخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان إليه، فدفع إليه المفتاح" (تفسير ابن كثير).
ولقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة قائلاً له: «هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء، خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم». وهكذا لم يشأ النبي صلى الله عليه وسلم أن يستبد بمفتاح الكعبة، بل لم يشأ أن يضعه في أحد من بني هاشم، وقد تطاول لأخذه رجال منهم، لما في ذلك من الإثارة أولاً، ولما به من مظاهر السيطرة وبسط النفوذ، وليست هذه من مهام النبوة بإطلاق، هذا مفهوم الفتح الأعظم في شرعة رسول الله صلى الله عليه وسلم البر والوفاء حتى للذين غدروا ومكروا، وتطاولوا (السيرة النبوية دروس وعبر في تربية الأمة وبناء الدولة على الصلابي).
أيها المصريون لنجعل هذه الأيام أيام بر بمصرنا ووطننا، ووفاء للحق والخير ليس إلا، ولنغلِّب العقل والمصلحة، ولنتحد فقوتنا في وحدتنا، ولننبذ الخلافات ولنترك الماضي بحلاوته ومرارته، وهيا إلى بناء نهضة مصرية لنصطف بين الدول المتقدمة، ولنكن معول بناء لا معول هدم.
والله الموفِق وهو المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عبد الوهاب عمارة
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام