مرسي بعد مبارك.. التحلية بعد التخلية
كما زلزلوا النظام في ليلة (التخلي) ليسقط الرأس الأصلي بعد الهزة العنيفة، فها هم يزلزلون النظام الزلزلة القوية الثانية ليسقط الرأس البديل وتهتز الدولة العميقة، إيذانًا بقرب سقوط أركانها.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
يوم تاريخي آخر تحياه مصر يوازي في قيمته ورمزيته وربما تأثيره يوم تنحي الرئيس المخلوع مبارك.
قبل ليلة التنحي أو (التخلي) عاشت مصر أجواءً مشحونة بالتوتر والغضب، ووصل اليأس إلى قلوب الملايين بعد خطاب مبارك الشهير الذي تمسك فيه بالسلطة ورفض الرضوخ لمطالب الملايين ممن ثاروا ضده، وكانت أعداد الثائرين -كما الآن- تزداد والميادين تكتظ والحناجر تهتف وتهز أركان السلطة بشدة، مما أدى إلى تطاير رأسها.
هاج رأس السلطة وماج واحترقت أعصابه بعد أن سُدت أمامه جميع الطرق للمناورة والخداع، فلم يقوَ حتى على إلقاء خطاب التخلي، فألقاه عنه أحد كبار رجاله في ثوان معدودات.
واليوم بعد عام ونصف من المعاناة مع أركان هذا النظام ومع أجواء مشحونة بالإحباط والحذر والترقب أصر المصريون وفي مقدمتهم الثوار والقوى الوطنية والإسلامية على الثبات أمام عتو الدولة العميقة وأمام مراكز القوى العتيدة التي خاضت معركة من أقوى وأشرس وأخطر معاركها للإبقاء على أركان النظام وعلى جسده واستبدال الرأس برأس آخر مشابه له.
إلا أن الهزة الجماهيرية اليوم كانت أكثر عنفًا وأكثر إصرارًا وتحديًا، فسقط الرأس الثاني الذي سيكون من توابعه سقوط أركان قوية وعتيدة من نظام مبارك القديم.
الشعب المصري لم يُسقط اليوم فقط أحمد شفيق، إنما أسقط ما يمثله أحمد شفيق من بقايا ومخلفات مبارك وعهده من دولة رءوس الأموال الفاسدة والرأسمالية المتوحشة الظالمة، وتجبر وتغول دولة المخابرات والجاسوسية والأمن السري والمعتقلات واضطهاد المعارضين السياسيين، ودولة الخفة والبذخ على المظاهر الفارغة، وتلميع التافهين وتقديس أرباع الموهوبين وقتل المواهب والمخترعين والعباقرة، ودفن العقول الخلاقة من أصحاب المشاريع والرؤى البناءة.
الشعب لم يُسقط شفيق، إنما أسقط للمرة الألف فلول مبارك ورموز الحزب الوطني الفاسدين، الذين أعلنوا التحدي وقالوا: "إنّا عائدون كما كنّا وأقوى مما كنّا عليه أيام مبارك في ظل حكم شفيق".
الشعب أسقط مع شفيق دولة الظلم والقتل والتعذيب والطوارئ، الدولة التي لا تقدر على العيش والبقاء إلا بالوقيعة والفتن ودس المؤامرات بين أبناء الشعب الواحد، دولة لا يعرف المترفون شيئًا عن أوجاع وأنات المرضى والجوعى والفقراء، ولا يعرف القانون كيف يحاسب المسئولين وأبناء المسئولين ممن نهبوا وسرقوا واختلسوا، ولا يستطيع النابه والمتفوق من شباب مصر الحصول على المكان والوصول إلى المكانة التي يستحقها إلا بواسطة كبيرة تقبض الآلاف من عائلته التي ربما تكون فقيرة لا تجد قوت يومها.
الشعب أسقط فوضى التعليم وأمراض وميكروبات وكائنات الإعلام المتخلفة، وأسقط فساد الثقافة وسيطرة الشيوعيين على مفاصلها، وأسقط المؤامرة الممتدة عبر عقود على المرأة المصرية وعلى صحة المصريين وعافيتهم.
المصريون لم يُسقطوا شفيقًا فقط، إنما أسقطوا كل ذلك وأكثر من ذلك.
وكما زلزلوا النظام في ليلة (التخلي) ليسقط الرأس الأصلي بعد الهزة العنيفة، فها هم يزلزلون النظام الزلزلة القوية الثانية ليسقط الرأس البديل وتهتز الدولة العميقة، إيذانًا بقرب سقوط أركانها.
ليس من المنطقي أن يُجْبَر الشعب مبارك على التخلي، وبعدها يُحَلي بقرينه شفيق، فلا نستبدل مُرًا بِمُرٍ، كما يقول المنفلوطي: "كما أن النار لا تطفئ النار وشارب السم لا يُعالج بشربة مرة أخرى، ومقطوع اليد اليمنى لا يُعالج بقطع اليد اليسرى، كذلك الشر لا يُعالج بشر مثله، ولا يُعالج الشر بالشر ولا يُمحى الشقاء في هذه الدنيا بشقاء آخر".
ما فعله الشعب اليوم منطقي جدًا، من باب ما هو معروف عند المتصوفة: "التحلية بعد التخلية".
والتحلية لا تكون إلا بحلوٍ.
هشام النجار
المصدر: موقع جريدة المصريون