هل أفادت الميديا الجديدة مسلمي سوريا وأراكان؟!

إنه وإن كان للإعلام الجديد مزية النشر بلا حساب؛ فإن موازين القوى والحسابات السياسية تحكم ردات الفعل؛ حيث الفارق أن العالم قد بات "مستمتعاً" برؤية الجرائم على الهواء مباشرة، وبكل الوسائل المتاحة دون أن يرق له جفن، ولئن فعل العكس فليس لأجل عيون الضحايا.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


قبل عقدين من الزمان، أطل عصر الفضاءات المفتوحة، وانطلقت معه عشرات ثم مئات من القنوات الفضائية، ومنها الإخبارية، التي تمتعت بمساحة حرية أوسع من القنوات الأرضية، وفي تلك الآونة قدر بعض الخبراء أن سطوة الكاميرا ستمنع أو على الأقل ستحد من المذابح التي كانت تحصل مع الحروب وحملات التطهير العرقي أو الديني في العالم، وستفتح آفاقاً أوسع للحوار وحرية الرأي والتعبير في العالم العربي.


اعتاد الناس أن تستهدف معظم المذابح والحروب المسلمين، وأن تقع غالبية المظالم عليهم وحدهم، لم يختلف الأمر كثيراً، غير أن سلطة الكاميرا نجحت إلى حد ما في تقليل بعض الجرائم، تلك التي كان يخاف أصحابها من الملاحقة ممن لم يأمنوا جانب الغرب في جمع الأدلة للابتزاز، وتسليط الضوء لاستصدار بعض القرارات حين تتعارض مصالحه مع المجرمين، الذين إن لم يكونوا منه؛ فغالباً ما يكونون من حلفائه، غير أن سلطة الكاميرا ظلت محكومة بموازنات سياسية واقتصادية واجتماعية توجه عدساتها بشكل انتقائي.
لكن عندما ظهر الإعلام الجديد المتمثل في مواقع التواصل الجديدة، المعززة بتطور هائل في تقنية الأجهزة الإلكترونية من جوالات بأجيالها وكمبيوترات محمولة وكاميرات دقيقة وغيرها، استبشر كثيرون خيراً بأن كل جريمة ستجد طريقها للإعلام بأي ثمن، وإن حجبتها الفضائيات المغرضة ستوفرها مواقع التواصل التي ينشط بها الملايين.


بالفعل، واكب الإعلام الجديد ثورات هائلة في منطقتنا عرفت بالربيع العربي، واستخدمت فيه كافة أنواع التقنية لنقل الصور، وحشد الرأي العام ضد الأنظمة الشمولية، إلا أن ذلك، وإن حد من المجازر والجرائم فإنه لم يمنعها، فقط اقتصر دور تلك المواقع في الحقيقة على التأريخ والتدوين، ورفع الصوت والصورة، ونقلهما، غير أن ذلك لم يكن كافياً لمنع المذابح، فسجلت الكاميرات مذابح في سوريا وليبيا واليمن وجرائم في مصر وتونس وغيرها، وفي الحوض الإسلامي كانت أحداث تركستان المحتلة من الصين ومذابح بورما وغيرهما، ولم تستطع الكاميرات أن تحول دون المجرمين وارتكاب جرائمهم.


الشيئان الأكيدان فيما تقدم، أن الميديا الجديد استطاعت في بعض الأحيان أن تحول دون اتساع رقعة الجرائم، وأن بعض ما تم تقليصه من إجراءات قمعية إنما كان لأسباب موضوعية أخرى بعيداً عن تأثير الكاميرا، ولنأخذ آخر الجرائم للتمثيل:

في بورما، صحيح أن الجرائم على بشاعتها دون ما كانت تنفذه بورما من قبل ضد المسلمين، وصحيح أن النشطاء "الإسلاميين" نجحوا للمرة الأولى في تتبع تلك الجرائم، والحد منها، وإيقاظ الغافلين للحد الذي أقام مظاهرات في القاهرة والكويت برغم ما تتعرضان له من مشكلات داخلية سياسية، وبرغم بعد الاهتمام النسبي والجغرافي والسياسي لأحداث مسلمي أراكان، وهي فعاليات جعلت بورما تعمل على تقديم تفسيرات وتحاول أن تنأى بنفسها عن تلك المذابح وتراجع نفسها "نسبياً"، إلا أننا لا يمكننا أن نهمل أن بورما تخشى من استغلال واشنطن لأحداث أراكان من أجل فرض مزيد من الضغوط على نايبيدو من أجل إقامة نظام ديمقراطي تريده واشنطن لتحقيق مصالحها الرأسمالية في المنطقة، وحيث اضطر النظام العسكري الحاكم في بورما إلى الإفراج عن زعيمة المعارضة البورمية وإجراء انتخابات لأول مرة؛ فإنه يخشى أن تقف الولايات المتحدة يوماً مطالبة باستقلال أراكان أو منحها حق تقرير المصير أو الحكم الذاتي نكاية في الصين لا حباً في المسلمين.


أما في سوريا، فصحيح أيضاً أن نظامها مرتعد من قوة الثورة السورية المسلحة والسلمية، ومن هبوب رياح الحرية عليه، إلا أن اطمئنانه النسبي إلى تقديم نفسه للغرب ولـ"إسرائيل" كحام للأخيرة، ومحققاً لمصالح الأول، جعلته لا يبالي باستمرار المذابح..
وللدلالة على ذلك؛ فإن ما فعله الأب حافظ وسط تعتيم إعلامي شديد في أوائل الثمانينات وفي مدة زمنية صغيرة، كرره الابن في وضح النهار، والفضائيات والميديا الجديدة، وفي مدة أطول، حيث أوشك أن يحصد عدد الأرواح نفسها بين مجزرتي حماة وحمص في الماضي، وكلاهما قتل أكثر من ثلاثين ألفاً من السنة السوريين.


إذن، فإنه وإن كان للإعلام الجديد مزية النشر بلا حساب؛ فإن موازين القوى والحسابات السياسية تحكم ردات الفعل؛ حيث الفارق أن العالم قد بات "مستمتعاً" برؤية الجرائم على الهواء مباشرة، وبكل الوسائل المتاحة دون أن يرق له جفن، ولئن فعل العكس فليس لأجل عيون الضحايا.


14/8/1433 هـ