ماذا يريد العسكر من الرئيس؟
.. قد شاهدت بنفسي في الأيام الأخيرة قبل مذبحة العباسية بيوم واحد وعند باب أحد أقسام الشرطة القريبة من ميدان العباسية سيارة خاصة بالشرطة تقلُّ أفراداً يلبسون ثياباً مدنية فقلت في بادئ الأمر: إنهم مخبرون شرطة ولكن بالتدقيق في ملامحهم وما يرتدون من سلاسل ذهبية في رقابهم تبين لي أنهم من فئة البلطجية الذين يجمعونهم لأمر ما.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
«أكثر شخصية ذكية الآن في الشارع المصري هو المشير طنطاوي»
هذا تعليق سمدار بيري محررة الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، وتعلل الصحفية الإسرائيلية قولها هذا بأنه نجح حتى اليوم في إحراز الأهداف التي حددها لنفسه بحنكة كبيرة.
وأضافت بيري: أن ما يجري في مصر الآن يجعل قادة وخبراء الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد» أو غيرها من الأجهزة الأمنية يشعرون بالضياع قائلة: «إن جميع هؤلاء الخبراء لا يعرفون أو يتوقعون ما الذي سيجري في مصر الجديدة بعد تنحية مبارك ومحاكمته وتواصل الثورة بهذه الصورة في الشارع».
فهل نجح المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي في تحقيق الأهداف التي حددها لنفسه بالفعل كما تقول الصحيفة الاسرائيلية
أهداف المجلس العسكري:
لا يستطيع أحد أن يقول: إن المجلس العسكري يرغب في البقاء بالسلطة طمعاً فيها؛ وذلك من عدة اعتبارات:
أولاً: إن السلطة في مصر لم تعد مغنماً فالصعوبات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية والفورة الثورية التي تجتاح قِطاعات كبيرة من الغاضبين والمحبطين تجعل من حكم مصر أشبه بمن يريد الخوض في مستنقع لا يدري أيغرق به أم ينجو منه؟
ثانياً: إن المجموعة التي في قيادة المجلس العسكري ليست قيادات شبابية فمعظمها تخطى الستين، وليسوا كمجموعة يوليو 52 فقد كان متوسط أعمارهم في الثلاثينات والشباب له طموح ورغبات، وهذا مالا يتوافر في المجلس العسكري الحالي؛ بل غالبيتهم على وشك التقاعد ومَن في هذا العمر أقصى طموحاته هو تقاعد مريح يحتفظ فيه بما حققه قبل ذلك.
فإذا كان المجلس العسكري لا يرغب في البقاء في السلطة فماذا يريد إذاً؟
يقع المحلل الذي يحاول استنباط الأهداف الإستراتيجية للمجلس العسكري في حيرة بالغة؛ لقلة التصريحات التي تصدر عن قادة المجلس، وتعمدِّهم في نفس الوقت الإصرار على أنهم ماضون في طريق واحد لتسليم السلطة إلى المدنيين؛ ولكن في أثناء تصريحاتهم ومواقفهم والتسريبات المتعمدة عن المقربين منهم، ثم التقارير الغربية التي تتناول خفايا المجلس، وكذلك مقارنة أنموذجهم بنماذج شبيهة في بلدان أخرى يمكن تتبع ماذا يريد هؤلاء؟
ولكن الأمر لا يخلو من إرسال رسائل مباشرة على ندرتها:
من بينها التصريحات الخطيرة للواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية في مؤتمر صحفي غير مسبوق عقده في 27 مارس الماضي حيث كشف اللواء ولأول مرة أن حجم ميزانية القوات المسلحة لا تتعدى 5 % من ميزانية الدولة المصرية، وتحدث أيضاً عن النشاط الاقتصادي للجيش الذي يجعله مكتفيا ذاتياً ومعيشياً عن الدولة، والفائض يبيعه للمدنيين، وهذا الفائض هو الذي يخضع فقط لمراقبة الدولة ويدفع عنه الضرائب، واعترف بأن بعض القرارات طوال المرحلة الانتقالية لم تكن سليمة حيث إنها اتخذت في الوقت غير المناسب؛ ولكن أخطر ما قاله هو تأكيده على أن أموال الجيش ليست من أموال الدولة، ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها لأنها ستخربها وسنقاتل دفاعاً عن مشروعاتنا، وهذه معركة لن نتركها والعرق الذي ظللنا ٣٠ سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره، ولن نسمح لغيرنا أياً كان بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة.
هذا التصريح ينم عن بعض ما يصبو إليه المجلس العسكري وهو:
أن ميزانية الجيش ومشروعاته مستقلة، ولا يسمح بتدخل النظام السياسي الجديد في هذه الميزانية.
و يبرر المجلس ذلك بعدم الثقة في قدرات المدنيين على إدارة هذه الميزانية، وعلى الرغم من أن نسبة ال5% من ميزانية الدولة نسبة مختلف عليها، وربما كانت رداً على تقرير نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية قبل تصريحات اللواء نصر بيومين والذي ذُكر فيه أن الاستثمارات التي يقوم بها الجيش تبلغ من 10% إلى 40% تقريباً من الاقتصاد المصري.
بينما يفصل تقرير غربي آخر[1] حجم الاقتصاد الذي يشرف عليه الجيش ويقول: إنه وبموجب معاهدة كامب ديفيد كان على الجيش أن يقلص قواته. وبدلاً من تسريح مئات الآلاف من الرجال أقام الجيش مصانع لتوظيفهم. وتنتج هذه المصانع الآن كل شيء بدءاً من الذخيرة وانتهاء بقدور الطهي وطفايات الحريق وأدوات المائدة. ويدير الجيش أيضاً مصارف وعمليات سياحية ومزارع ومحطات لمعالجة المياه وسلسلة من محطات البنزين وشركات مقاولات وشركات استيراد. والشركات التي يملكها الجيش منفرداً معفاة من الضرائب، ويعمل بها المجندون الذين يتقاضى الواحد منهم ما بين 17 و28 دولاراً في الشهر؛ غير ان الجيش يتولى إطعامهم ويقدم لهم الرعاية الطبية.
و يؤكد لواء في الجيش المصري على عدم الثقة في كفاءة المدنيين إذا أداروا الشأن العسكري بقوله لوكالة الأنباء رويترز في 14 إبريل الماضي: إن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بالكفاءة الثابتة منذ فترة طويلة، والتي تستطيع الحفاظ على العلاقات الثنائية مع الدول الأخرى.
وهذه الجملة الأخيرة تنقلنا إلى الهدف الثاني والذي يسعى إليه المجلس العسكري وهو تحكُّمه في العلاقات الدولية؛ خشية أن تتأثر بتولي قيادة غير مقدرة لضرورات الأمن القومي.
وقد تحدثت بعض قيادات الإخوان عن أن قادة المجلس العسكري سألوا الجماعة عن رؤيتها للعلاقات مع إسرائيل.
فقيادة الجيش على ما يبدو لا تريد قيادة سياسية تورطها في أمور وتعقيدات قد تؤدي إلى حرب في غير وقتها أو مكانها، فمسألة الأمن القومي هي مسألة أساسية لدى المجلس العسكري، وممَّا يؤكد على هذه الرغبة مقاومة الجيش المصري محاولات الولايات المتحدة توظيفه في الإستراتيجيات الخاصة بها مثل مكافحة الإرهاب فتقول إحدى برقيات ويكيليكس المسربة التي تعود إلى ديسمبر 2008م: إن واشنطن قد سعت لإقناع القيادة المصرية بتوسيع مهمة الجيش بطريقة تعكس التهديدات الأمنية الإقليمية الجديدة مثل القرصنة وأمن الحدود ومكافحة الإرهاب، وأضافت الوثيقة أن القيادة المصرية قاومت جهودنا وهي راضية عن المضي فيما تقوم به منذ سنوات: التدرب على نزاع تتواجه فيه قوتان بمزيد من القوات البرية والمدرعات، وتقول الولايات المتحدة: إن المسؤول عن ذلك هو وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي الذي تصفه بأنه العقبة الأساسية لتحويل مهمة الجيش بحسب ويكليكس.
وتتجلى الحساسية في أن يراقب المدنيون الجيش أو أن يتحكموا في الترقيات والمناصب العسكرية، وفي رواية لقائد سابق للحرس الجمهوري[2] إن المشير باغته بعد العودة من اجتماع عاصف في مجلس الوزراء بعد فترة قصيرة من تولي أحمد نظيف رئاسته: هل يعقل أن أؤدي التحية العسكرية مستقبلاً لنظيف الذي بهدلته اليوم.
و بالرغم من أن أحمد نظيف وهو آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك يختلف عن رئيس وزراء أو رئيس جمهورية يجيء باختيار شعبي، ولكن هذا الأمر لم يتعود عليه ضباط الجيش في مصر من قبل.
و لكن ماذا يفعل المجلس العسكري لتحقيق تلك الأهداف؟
استند المجلس العسكري إلى تنفيذ أهدافه على ركيزتين أساسيتين: الدستور والرئيس.
فوضع الجيش في الدستور، وصلاحيات تنفيذية لرئيس موال للعسكر هما الضمانتان اللتان يراهما المجلس العسكري سبيلاً وحيداً لصون مصالحه.
كانت أول إشارة لوضع خاص للجيش في الدستور فيما سمي بوثيقة مبادئ حاكمة وفوق دستورية، ثم جاءت وثيقة السلمي والتي تحدثت لأول مرة عن مادتين في الدستور هما المادة 9 و10 وتنص المادة التاسعة على اختصاص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشؤون الخاصة بالقوات المسلحة، ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقم واحد في موازنة الدولة، كما يختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره، وهذا يضمن الهدف الأول للمجلس وهو الحفاظ على مصالحه الاقتصادية - وهذا ما قلناه سابقاً - بينما تنصُّ المادة العاشرة على إنشاء مجلس يسمى مجلس الدفاع الوطني يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويختص بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها وهذا يحقق الهدف الثاني الخاص بالأمن القومي.
و لكن أقوى إشارات جاءت في تصريحات صريحة للواء مختار الملا عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر حيث شدد في مقابلة مع صحفيي الجارديان وبعض وكالات الأنباء على بقاء ميزانية الجيش بعيداً عن الرقابة البرلمانية مؤكداً أن ذلك سببه الحال غير المستقرة للبلاد حالياً بالإضافة إلى أن البرلمان لا يمثل الشعب المصري كله، وأضاف أن المجلس العسكري سيحتفظ بصلاحيات كاملة على البرلمان المقبل والحكومة وعلى الرغم من أن المجلس العسكري تنصل من هذه التصريحات بعد صدامات شارع محمد محمود ومجلس الوزراء فقد كانت هذه التصريحات نقطة الانطلاق للصراع بين المجلس والإخوان.
وبعد احتجاجات وخوفاً من انفجار أزمة جديدة لا يحتملها الزمان والمكان صرَّح طنطاوي أن وضع الجيش في الدستور القادم لن يختلف عمَّا كان عليه في الدساتير السابقة.
و عند النظر في الدساتير السابقة نجد أنه منذ دستور 1954م وحتى آخر دستور في عام 1971م، قد نصت هذه الدساتير على وجود مجلس الدفاع الوطني، ولا تتكلم هذه الدساتير عن طبيعة هذا المجلس أو طريقة تشكيله أو كيفية اتخاذ القرار فيه، وما حجم المدنيين والعسكريين فيه؟ وما اختصاصاته؟ إلا إشارة في دستور 54 أنه دور استشاري ويختص باتخاذ التدابير الدفاعية وفي إعلان الحرب وعقد الصلح.
إذاً مجلس الدفاع الوطني أو مجلس الأمن القومي أو أياً كانت مسمياته هو ما يطمح له المجلس من خلال الدستور على أن تتوافر فيه شروط تخدم أهداف الجيش منها: أن يكون دوره تنفيذياً وليس استشارياً ضمن هيكلة الإدارة التنفيذية للدولة.
ثم تجيء قضية الرئيس القادم حيـــث ينقل الصحفي عبد الله السناوي عن قيادة عسكرية رفيعة أنه لا يصح أن نتسلم دولة بها دستور جرى تعطيله، ثم نسلِّمها لرئيس منتخب بلا دستور لن نترك البلد لفراغ دستوري، أو أن يتحول الرئيس إلى دمية في يد البرلمان وحزب الأكثرية فيه. هذا التصريح تواترت مفرداته من قائد عسكري لآخر بحسب السناوي.
وصرَّح بعض رؤساء الأحزاب في إحدى الاجتماعات التي عقدها معهم المشير طنطاوي في أعقاب انهيار الجمعية التأسيسية أنه أكد على أنه لا انتخابات رئاسية قبل الدستور.
ويؤكد على ذلك الرأي ما قاله عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط نقلاً عن رئيس الحزب أبو العلا ماضي من أن أحد أعضاء المجلس العسكري اتصل به داعياً الحزب إلى الحضور لتأجيل الانتخابات لحين كتابة الدستور، ثم حصلت مذبحة العباسية فتم الغاء الأمر.
وبالطبع فإن كتابة الدستور ووضع صلاحيات واسعة للرئيس فيه يضمن سيطرة للرئيس المتحالف مع المجلس العسكري أن يحقق الجيش أهدافه.
ويعتقد قائد بارز دوراً مؤثراً في المطبخ السياسي للمؤسسة العسكرية أن مصر في حاجة إلى فترة قد تطول إلى عشر سنوات على الأقل تترسخ خلالها التجربة الديمقراطية ويتراجع بعدها الدور السياسي للجيش.
وفي هذه الفترة الانتقالية ذات العشر سنوات يتم إسناد المهام التنفيذية لرئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة الذي يستند إلى أغلبية برلمانية على أن تبقى في يد الرئيس وحده المهام السيادية في الدفاع والأمن والخارجية والقضاء. هذا مقترح طرحه قضاة في المحكمة الدستورية على اللواء ممدوح شاهين مسؤول الشؤون القانونية في المجلس العسكري.
ولكي يحقق المجلس العسكري هاتين الركيزتين(وضعه في الدستور والرئيس الموالي)
بنى استراتيجيته على عدة عناصر أهمها:
- استخدام التيار الإسلامي وتطويعه.
- تبريد الحال الثورية.
- زرع الخلافات بين القوى السياسية.
- الأمن.
- الحال المعيشية.
كانت الأداة الرئيسة لتنفيذ تلك الإستراتيجية هي أجهزة المخابرات التابعة للدولة بدءاً من جهاز المخابرات العامة والمخابرات العسكرية وجهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً).
المشكلة الحقيقية هي أن أجهزة المخابرات تلك تحرك تنظيماً للبلطجية، وقد كشفتها الوثائق التي عثر عليها في أمن الدولة أخيراً فمع بداية تولي اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق المسؤولية عام 1997م اتجهت إدارتا مباحث أمن الدولة والمباحث العامة بوزارة الداخلية إلى اتباع سياسة تجنيد فئة من البلطجية والمسجلين - خطر - في نقل المعلومات عن حركة بيع المخدرات والأسلحة، وكذلك أماكن الفارين من الأحكام القضائية، وهم من عرفوا بين العامة باسم (المرشدين) ويكون المرشدون غالباً من المجرمين الذين يعملون في معاونة رجال المباحث مقابل غضِّ النظر عن تحركاتهم ومصالحهم الشخصية.
وقد شاهدت بنفسي في الأيام الأخيرة قبل مذبحة العباسية بيوم واحد وعند باب أحد أقسام الشرطة القريبة من ميدان العباسية سيارة خاصة بالشرطة تقلُّ أفراداً يلبسون ثياباً مدنية فقلت في بادئ الأمر: إنهم مخبرون شرطة ولكن بالتدقيق في ملامحهم وما يرتدون من سلاسل ذهبية في رقابهم تبين لي أنهم من فئة البلطجية الذين يجمعونهم لأمر ما.
والوضع في مصر الآن من تدبير الحرائق ومحاولات إسكات المدِّ الثوري بتدبير المذابح في ماسبيرو وشارع محمد محمود، وبورسعيد وتطور الأمر في العباسية عندما توجهت مجموعات من البلطجية التابعين لأجهزة المخابرات، وبعضهم يطلق لحيته لإطلاق النار على كل من سكان العباسية والشباب المعتصمين ممَّا تسبب في فتنة بينهم ظناً أن كل طرف يقوم بمهاجمة الطرف الآخر في أنموذج أشبه بما حدث في الجزائر في بداية التسعينات.
قد يجد المجلس العسكري وأدواته المخابراتية مبررات لهذه الأفعال خاصة عندما يتمادى المتظاهرون ويحاصرون مباني وزارات الداخلية والدفاع وهي منشآت حكومية، أو يقومون بتوجيه سباب لا يحتمله أحد إلى قيادات عسكرية؛ أو يحاولون فرض مرشح رئاسي مستبعد بأسباب قانونية؛ ولكن كل هذه المبررات لا تعطي صكاً لأحد لارتكاب مجازر أو نحر أو قتل في الشوارع بدون محاكمات قانونية وتفعيل لدولة القانون.
إرادة غربية:
بالتوازي مع الإرادة الداخلية للمجلس العسكري هناك نموذج تحلم به الدوائر الغربية - وعلى رأسها الولايات المتحدة - أن يطبق في مصر بعد الثورة وهذا النموذج شبيه بالنموذج التركي والباكستاني القائم على ركيزتين: العسكري المتخفي، والإسلامي المهادن وتختلف التفاصيل داخل كلِّ مشهد بحسب الظروف والبيئة في كلٍّ من تركيا وباكستان ولكن يبقى مضمون عام يشترك فيه كلٌّ من الدولتين، ولذلك في أعقاب الثورة عينت الولايات المتحدة سفيرة لها في القاهرة آن باترسون، وقد كانت تشغل لفترة طويلة سفيرة لأمريكا في باكستان وخاصة في ذروة الحرب غير المعلنة والتي كانت تشنُّها أمريكا على باكستان بالتوازي مع حربها في أفغانستان، وحتى المبعوث الأمريكي السيناتور جون كيري الذي كان على عَلاقة وثيقة بجنرالات باكستان ودائم الزيارة إليها أصبح منذ شهور نجم الساحة المصرية والذي يجتمع بجنرالات مصر وقادة الإخوان حتى كانت آخر زياراته في أوائل شهر مايو الحالي للقاهرة في قمة تصاعد التوتر بين العسكر والإخوان.
الخروج من هذا المأزق:
لابدَّ من ثلاث طرق يجب أن يسلكها التيار الإسلامي وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين باعتباره القوة الشعبية الأكبر وصاحب مشروع يتجاوز إطاره المحلي لكي ينهض بالأمة كلها:
أولاً: ضرورة إعادة اللحمة والالتئام بالقوى الثورية الشريفة مهما كانت اتجاهاتها الفكرية أو أفعالها المتهورة، والتي خاضت مع الاسلاميين غمار ثورة 25 يناير فكانوا كالجسد الواحد، ولن تتم هذه اللحمة إلا ببعض التنازلات التكتيكية من جانب الاسلاميين.
ثانياً: الحفاظ على الشعلة الثورية متقدة بالنزول إلى مليونيات أو غيرها من الوسائل الثورية طيلة الفترة القادمة حتى موعد تسليم السلطة في أواخر شهر يونيو القادم فالحال الثورية تلك تجعل المجلس العسكري تحت ضغط كبير.
ثالثاً: أن يسود منطق التفاوض والسياسة وتبادل الأوراق بين الطرفين القويين في مصر:الطرف الاسلامي والعسكريين فالصراع السياسي الآن صراع إرادات بين المجلس العسكري والقوى الاسلامية، وكل طرف يضع أوراقه ما ظهر منها وما بطن ويستعرضها استعداداً للحظة فارقة..لحظة تسليم السلطة والتي في الغالب لن تكون مكتملة؛ بل تتوقف على حنكة الإسلاميين في انتزاع أكبر قدر من التنازلات من الطرف الآخر؛ حتى لا تصل الأمور إلى لحظة صراع صفرية يكسب فيها الطرف الأقوى مادياً ويخرج منها الطرف الآخر خالي الوفاض.
ستجتاز مصر أزمتها... مصر الحائرة بين أي طريق تسلكها... مصر المترددة بين الواقعية والثورية... ولكن مصر الشباب الطاهر المؤمن هي القادرة على عبور كبوتها.
حسن الرشيدي
23/06/33 هـ
[1] رويترز 14/4/2012م.
[2] عبد الله السناوي-صحيفة العربي الناصري-23/4/2012