حقيقة الجهاد في سوريا

ناصر بن سليمان العمر

إنّ الجهاد -كما نعلم- أبوابه كثيرةٌ، فليس قاصرًا على الجهاد بالسّيف، وإن كان هذا إذا دعا الداعي إليه أرفعَ درجات الجهاد، والجهاد بالسيف ضربان: جهاد الدفع، وجهاد الطَّلب...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -



الجهاد فريضةٌ ماضيةٌ إلى يوم القيامة، وهو ذروة سنام الإسلام، «وما ترك قومٌ الجهاد إلا عمَّهم اللهُ بالعذاب» (الترغيب والترهيب: 2/289)، ولعلّ هذا يُذكّرنا بما عانته الأمة المسلمة عامّةً، في مرحلة ما يُسمّى بالاستعمار الغربيّ، من الذُّلّ والهوان، والّذي استمرّت الأمّة ترزح فيه إلى عهدٍ قريب، بيد أنّا قد صرنا نسمعُ الآن كلمة الجهاد يُدوّي صداها في بلاد المسلمين، من حينٍ لآخر، هنا أو هناك، ولعلّ آخر نداءٍ سمعناه ينادي أن حيّ على الجهاد، هو ذلك النّداء الصادر عن إخواننا المستضعفين في سوريا، الّذي لقي صدىً لدى البعض، ولم يلق صدى لدى آخرين الّذين قامت في أذهان بعضهم بعضُ الأوهام.


إنّ الجهاد -كما نعلم- أبوابه كثيرةٌ، فليس قاصرًا على الجهاد بالسّيف، وإن كان هذا إذا دعا الداعي إليه أرفعَ درجات الجهاد، والجهاد بالسيف ضربان: جهاد الدفع، وجهاد الطَّلب، وقد أوقع الخلطُ بين هذين النّوعين، بعضَ الأفاضل في الخطأ الجسيم، فلبّسوا وخذّلوا من حيث لا يشعرون، إذ ظنّوا أنّ ما يلقاه إخوتُنا في سوريا من بطش النّظام النُّصيريّ، وسعيهم للدّفاع عن أنفسهم، وإعلان الجهاد على عدوّهم، يستلزمُ رفعَ رايةٍ إسلاميّةٍ جليّة، وإذنًا من وليِّ أمرٍ، أو من غيره، والواقع أنّ ما ذكروه يتعلّق بجهاد الطّلب، ليس بجهاد الدّفع.


إنّ مفهوم جهاد الطلب، يتمثّل في غزو الكفّار، من غير أصحاب العهد، وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية، ولا ريبَ أنّ هذا الجهادَ، ليس هو الواقع في سوريا اليومَ، وإنما الواقع جهاد الدّفع، وقد يُقالُ: ليس في سوريا عدوٌّ خارجيٌّ، حتّى يُصدّ ويُدفع عن أرض المسلمين! ونقول: نعم، ولكن ثمرة الوضع في سوريا كما تحصّلت تاريخيًّا قد تمثّلت واضحةً في كون أهل السنة في هذا البلد، قد صاروا أسرى ورهائنَ لنظامٍ نُصيريٍّ رافضيٍّ كافر، لا يرقُب فيهم إلًا ولا ذمّةَ، ويسومهم تعذيبًا وقتلًا.


إنَّ جهاد الدفع، كما يقول شيخ الإسلام ابن القيّم: "يُشبه باب دفع الصائل؛ ولهذا أُبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه، كما قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج:39]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد» (صحيح البخاري:2480)؛ لأنَّ دفع الصائل على الدّين جهادٌ وقُربة، ودفعُ الصَّائلِ على المال والنَّفس مباحٌ ورُخصة؛ فإن قُتِل فيه فهو شهيد، فقتالُ الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمُّ وجوبًا، ولهذا يتعيَّن على كلِّ أحد (أن يقوم) ويجاهدَ فيه: العبدُ بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق، فجهادُ الدفع يقصده كلُّ أحدٍ، ولا يرغب عنه إلا الجبانُ المذموم شرعًا وعقلًا!".


إذًاً، جهاد الدّفع والرّدّ على الاعتداء، وحماية الذّمار، لا يتطلّب ما ذكروه من الشروط، بل كلّ من يقدر على المشاركة فيه، فليُشارك، لأنّ الدفاع عن المال والعرض والشّرف مندوبٌ إليه، في كلّ الأحوال، إن لم يكن واجبًا، هذا إضافةً إلى أنّ من وقع عليه الاعتداء، ومسَّه الضُّرّ، ومسّته البأساء، هو أدرى بما ينبغي عليه أن يبذله من جهدٍ، في سبيل ردّ الاعتداء الحالّ الواقع عليه! وأمّا الموقف الشّرعيُّ للآخرين، فإنّنا مهما قدّرنا وجود خطأٍ ما، فلن يكون ذلك برافعٍ عن عواتقنا مسئوليّتنا الكبيرة عن نصرة المستضعفين من الأطفال والنِّساء والشيوخ.


ومن العجيب استدلالُ بعض هؤلاء، بما ورد من اعتزال بعض الصَّحابة للفتنة، كسعد بن أبي وقاص وأسامة وأبي بكرة رضي الله عنهم، وهذا قياسٌ مع الفارق الكبير، فالقتال ثمّةَ كان بين الصحابة رضي الله عنهم، بعضُهم في مواجهة بعضٍ، بينما تدور المواجهةُ الآنَ في أرض سوريا بين الطائفة النُّصيرية الكافرة وأهل السنة: فكيف يجعلون المسلمين كالمجرمين؟! مع أنهم -بالإضافة إلى ذلك- معتدون ظالمون!

ونحن نحسن الظّن، بهؤلاء الإخوة، فهم يُطلقون أبصارهم، نحو مواجهةٍ تقصم ظهر الكفر العالميّ، ويضعون شروطهم ومواصفاتهم، بناءً على ذلك، ولكنّا مُلزمون كذلك بالتّعامل مع الظرف الرّاهن حيث يُنتهك شرف الحرائر، وتُسفك دماءُ الأطفال والشيوخ، بيدَ أنّا كذلك ينبغي أن نكون متيقّظين لما يدور في الساحة العالمية، وأن نحاول بقدر الإمكان، أن لا تعمل القوى العالمية المتربّصة، على استغلال تداعيات الأوضاع في سوريا، وتوجيهها إلى الوجهة التي يُريدون.


نسأل الله أن يُقرّ أعيننا بنصر إخواننا في سوريا وغيرها من بلاد المسلمين، وأن يُرينا بطشه بالمجرمين الظالمين.