القرآن للذين آمنوا هدى وشفاء

صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى، عظموا الله عظموا أمر الله عظموا نهي الله لتكن الدنيا في قلوبكم حقيرة، ولتكن الآخرة في قلوبكم عظيمة فإن حقارة الدنيا وعظم الآخرة في قلب العبد المؤمن سبب السعادة في الدنيا والآخرة.

أيها المؤمنون قال الله جل وعلا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].

وقال جل وعلا في القرآن: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]. فإن الله جل جلاله جعل هذا القرآن هدى للمؤمنين، وجعل فيه الشفاء.

قال العلماء: الشفاء في القرآن ثلاثة أنواع:
فمنه الشفاء من أدواء الشبهات والشهوات التي من تسلطت عليه أضلته وصار ساعيًا في الظلمات، والله جل جلاله جعل هذا القرآن هاديًا للتي هي أقوم {إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. فمن أراد السلامة من أمراض الشهوات ومن أمراض الشبهات، فعليه بالقرآن، فهو للذين آمنوا هدى وهو للذين آمنوا شفاء.

النوع الثاني: أن القرآن شفاء لأمراض البدن بأنواعها. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "ما من داء إلا وفي القرآن شفاؤه، علمه من علمه وجهله من جهله، وآيات القرآن عند أهل العلم فيها من عجائب الاستطباب ومن عجائب التداوي بها ما لا يعلمه كثير من الناس".

فانظر مثلاً إلى ابن عباس رضي الله عنه كيف تلا على الذي كان به داء الرعاف الذي استطال به. كانت طريقة دواء ذلك الداء عند ابن عباس رضي الله عنه أنه كتب على جبينه آيات من القرآن وهي قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} [هود: 44]. فشفى الله جل وعلا ذلك المريض.

انظر إلى ذلك الرجل الذي أصيب بسمّ من بعض ذوات السموم. فأتاه بعض الصحابة فقرؤوا عليه القرآن، فأبطل الله جل وعلا ذلك السم وأثره وقام الرجل سليمًا يمشي بين الناس. [1]
وهكذا القرآن فيه شفاء للأمراض البدنية.

وقد عدّ العلماء من أنواع هجر القرآن التي تدخل في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]. عدوا من أنواع هذا الهجر، أن يهجر القرآن فلا يستشفي به.

والنوع الثالث من أنواع الشفاء بالقرآن الشفاء من الأمراض النفسية، ومن عين الإنس وعين الجن ومن السحر، ومن جميع تلك الأمراض، التي قد لا تكون من جنس الأمراض البدنية.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرقى بعض أولاد جعفر لما رأى فيهم من أثر العين. (أخرجه الترمذي [2059] وابن ماجه [3510] من حديث أسماء بنت عميس. وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني). وقد أمر عليه الصلاة والسلام بذلك، وقد رقى عليه الصلاة والسلام ورُقي أيضًا.

فالقرآن إذًا أيها المؤمنون شفاء، والرقية بالقرآن سنة ماضية فقد رقى جبريل عليه الصلاة والسلام نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام. (أخرجه مسلم [2185، 2186] من حديث عائشة ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما). وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الصحابة، والصحابة أيضًا رقى بعضهم بعضًا، وهذا امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه» (أخرجه مسلم [2199] من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما). فالرقية بالقرآن وبالأدعية النبوية الواردة، فيها الشفاء بإذن الله، فهي سبب ينفع الله جل وعلا به.

والقرآن فيه الشفاء للمؤمنين ولكن الظالمين لا يزيدهم إلا خسارًا.

أيها المؤمنون، لأجل هذا شاع في الناس بكثرة من يرقي الناس ومن يتلو عليهم القرآن وينفث عليهم طلبًا لشفائهم ورغبة في ذلك. وهؤلاء الذين يرقون الناس بالقرآن وبالأدعية النبوية هؤلاء محسنون.

لكن جملة من يرقي الناس على ثلاثة أصناف:

منهم من يرقيهم وهو عالم بأمر الله، عالم بشرعه عالم بمسألة الرقية وما تؤول إليه من الخير أو ما قد تؤول إليه من الشر.

والصنف الثاني: صنف جاهل لا يعلم أحكام الرقية ولا ما يرقي به الناس ولا ما تؤول إليه الرقية. إذا رقى تجده يخوض غمرة ذلك بجهله وإعراضه عن اتباع طريقة العلماء في ذلك.

والصنف الثالث: من هو مشعوذ يتبع أساليب المشعوذين في القراءة. يوهم أن قراءته بالقرآن وبالأدعية، وهو في الحقيقة يستخدم طرقًا غير مشروعة. منها أن يستخدم الجن في رقيته في إعلامه بحال هذا المريض. وفي إخباره ما حصل له ونحو ذلك. فتجده يبذل للجن بعض ما يُسرّ به الجن ويستمتعون به لقاء ما يخبره به الجن.

وهذا الصنف من الناس من صنف المشعوذين، من صنف الذين يرقون برقية محرمة، لأنهم في ذلك استخدموا طرقًا ليس عليها دليل من الكتاب والسنة، وقد انتشر القراء في هذا الزمان وكثروا جدًا، حيث إن الذين يرقون كانوا في الزمن الماضي زمن العلم والتوحيد، زمن انتشار نور العلم والسنة كان القراء قليلين ولا يرقي إلا الواحد بعد الواحد من قلتهم.

وفي هذا الزمان تجد الحدث من الشباب عهده في الفسق وعهده بالفجور عهده بذلك قريب. فما تراه بعد سنة إلا وقد أصبح من القراء المشهورين والناس يأتون إليه أسرابًا إثر أسراب يطلبون رقيته بذلك، وليس ذلك على الله بعزيز، إذ التوبة تجبُّ ما قبلها، لكن الرقية تحتاج إلى علم وتفتقر إلى السنة وليس ذلك الزمن القصير بكاف لتعلم ذلك، لهذا تسامح الناس من هؤلاء القراء بالعجب العجيب. ومن الرقية غير المشروعة ما يصفه بعضهم، يستقدم الجن ويزعم بأنه يستقدم مسلمي الجن فيما زعم وهذه البلاد طهرها الله جل وعلا بالتوحيد، طهرها الله جل وعلا بأن لا يُرى فيها الشرك، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب النبوات، قال: "إن نور العلم والإيمان والتوحيد إذا انتشر في أرض ضاق معه وجود الشيطان ووجود الجن الذين يستفيدون من الناس ويستفيد الناس منهم، فإن الرقية السبيل إلى ذلك، ولهذا نور العلم والإيمان، نور التوحيد إذا انتشر في بلاد الله كان مغنيًا عن ذلك، والجن والشياطين إنما ينتشرون في البلاد التي يضعف فيها نور القرآن والسنة".

واعتبر ذلك وانظر إليه في بلاد الله المختلفة تجد ذلك جليًا، وأكثر الناس طغيانًا فرعون كيف كانت أرضه ينتشر فيها السحرة الذين يستخدمون الجن كأعظم ما يكون من الاستخدام.

وعندما ضعف أمر التوحيد في قلوب الناس وضعفت حقيقة التوكل على الله. حتى غدا التوكل على الله وتفويض الأمر إليه والصبر على البلاء الذي أنزله حتى غدا في الناس ذلك. غدا ضعيفًا ظهر في الناس ما ظهر من أنواع الخروج عن العلم والسنة في باب الرقية.

انظر إلى حال كثير من البيوت كيف إذا ظهر في البيت شيء غريب ظن الناس أن هذا من الأمراض، فصار النساء يذهب بعضهن إلى كل من سمعت بأنه قارئ يقرأ سواء كان من أهل العلم المشهود لهم أو لم يكن.

المهم أنه يذكر اسمه وأنه قارئ، وبعض النساء يذهبن إلى كاهنات ومشعوذات. وبعض النساء يذهبن إلى مشعوذين وبعض أولئك القراء يرتكبون مع النساء محرمات. يتغيظ منها قلوب أهل الإيمان، والناس يظنون أن رقيته تلك تنفع وهو يرتكب حين يرقي من رؤية النساء ومن الخلوة بهن، ومن مسهن ومن إثارة الشهوة فيه بما يمسُ منهن ما تسامح الناس به.

ومع ذلك، وبسبب ضعف التوحيد في قلوب الناس. الرجل في بيته يتسامح بما تفعله زوجته بالذهاب إلى هؤلاء وبما تفعله بعض أقاربه من ذلك، وبما يفعله أهله بالصغار وهو في ذلك ساكتٌ وكأن الرجال ليسوا على قوامتهم مع النساء، الرجل يعلمُ ما لا تعلمه النساء خاصة في هذه الأمور، لأنه يسمع القرآن كثيرًا، في الخطب وفي المحاضرات وفي كلام أهل العلم وفيما ينشر من ذلك، فعليه أن يكون في ذلك ذا قوامة على أهله فكيف يأذن بأن يسعى أهله في تلك المنكرات، نعم الأمراض، أمراض النفس كثرت من العين ومن أمراض القلب، ومن أمراض الصدر من ضيق الصدر، ومما يفرقون به بين المرء وزوجه لكن علاج ذلك يكون بالقرآن.

وأيضًا انتشار تلك الأمراض له سبب، وسببه الشياطين التي خيمت بكثير من البيوت، قال عليه الصلاة والسلام: «إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلبٌ أو صورة». (أخرجه البخاري [5958] ومسلم [2106] من حديث أبي طلحة رضي الله عنه). فانظر إلى ما شاع في الناس من انتشار الصور المحرمة في بيوتهم ومن تعليق الصور على الجدران، وهو بإجماع العلماء من الكبائر، والملائكة ملائكة الحفظة ملائكة الرحمة تفر من البيت الذي فيه الصورة، وإذا فرت الملائكة دخلت الشياطين فعاثت بالناس، والله جل وعلا حمى الإنسان، حمى المؤمن بالخصوص والإنسان بعامة بالملائكة الحفظة قال جل وعلا: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} [الرعد: 11]. يعني الملائكة تحفظ ابن آدم مما قد يصيبه حتى إذا أتى قدر الله خلوا بينه وبين ذلك، انتشر ذلك فانتشرت الشياطين في البيوت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قلت أو ضعفت أو انعدمت تلاوة القرآن في البيوت، والشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، لأنه لا مكان له في مكان تقرأ فيه سورة البقرة. فكم تقرأ سورة البقرة فينا من بيت، الشيطان يفر من المؤمن الذي يديم الاستعاذة بالله، يديم الأوراد، يديم الذكر لأن القلب إذا خلا من ذكر الله تسلط عليه الشيطان وكان بيتًا للشيطان. وأما إذا عمر بذكر الله فرت الشياطين فإن الشيطان وسواس ولكنه خناس، قال المفسرون: "إذا ذكر الله خنس، وإذا غفل العبد أقبل". فكم منا من يتلو الأوراد ويستعيذ بالله من شر الشياطين عند إقبال الصباح وإقبال المساء، وهي فترات انتشار الشياطين.

إن الرقى مشروعة، وأكمل الرقى أن يرقي العبد نفسه متوكلا على الله عالمًا أنها سبب، وأن الله جل وعلا هو الذي أمر بهذا السبب، وأن القرآن شفاء، إذا أذن الله بذلك فليكن كل منا متوكلاً على الله راقيًا نفسه، راقيًا أهل بيته، ولا يجوز أن يتساهل الناس في هذا الأمر بأن يأذنوا لمن يرعونه بأن يذهبوا إلى من هب ودب ممن يرقون، لأن كثيرين منهم بل لأن الأكثرين منهم يرقون على خلاف السنة ويستخدمون ما جاءت السنة بإبطاله قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه النبوات: "أولياء الله مع الجن مثلهم كمثل الأنبياء مع الجن يأمرونهم بطاعة الله وينهونهم عن معصية الله ويأمرونهم بالتوحيد وينهونهم عن الشرك ويأمرونهم بطاعة الرسول وينهونهم عن مخالفة ذلك، وأما ما عدا ذلك فليس من صنيع أولياء الله" هذا معنى كلامه فتنبه لهذا.

والانتفاع بالرقية أكثر ما يكون من جراء أن يرقي أولياء الله {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 63]، وليحذر الناس في هذه البلاد أن ينتشر هذا الأمر من الذين يرقون على خلاف السنة ومن الذين يستخدمون الجن ومن الكهنة والمشعوذين والعرافين الذين يخبرون ببعض الأمر الغيبي الذي فات وكذلك من السحرة وأمثالهم ممن أتوا إلى هذه البلاد أو من أهل هذه البلاد الذين تعلموا على يدي أولئك فحمى الله جل وعلا هذه البلاد من شر أولئك زمنًا طويلاً، والآن نراها قد انتشر فيها، قد انتشرت فيها تلك الموبقات، وأولئك الذين مرقوا من الدين.

نسأل الله جل وعلا لنا السلامة وأن يحمي هذه البلاد بالتوحيد وأن يحمي أهلها من مسالك الشرك ووسائله، وطريقة المخرفين والمشعوذين، وأن يمن على الرجال بالقوامة. بالقوامة الحقة التي منَّ الله عليهم بها شرعًا إنه ولي ذلك وهو المسئول وعليه التكلان.

واسمعوا قول الله جل وعلا بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء: 9].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه حقًا، وتوبوا إليه صدقًا إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، وعليكم بلزوم التقوى في سركم وعلانيتكم، فإن بالتقوى رفعة مقامكم عند ربكم، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

أيها المؤمن اسمع لقول نبيك عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم ح (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه).

وقد قال عليه الصلاة والسلام أيضًا: «ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» (رواه مسلم ح (50) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه).

إن انتشار الذين يقرؤون على خلاف السنة، إن انتشار المشعوذين، إن انتشار الكهنة والعرافين والسحرة منكرٌ عظيم في بلاد المسلمين. فمن رأى شيئًا من ذلك أو علمه وتيقن منه فإنه يجب عليه أن يبلغ أهل المسؤولية بذلك ولا ينفك من العهدة، وليحذر أن يعاقب من جراء سكوته على تلك المنكرات التي هي وسيلة إلى أن يظهر الشرك في بلاد التوحيد في البلاد التي طهرها من مخالفة ومناقضة الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

فعلينا أيها المؤمنون القيام في ذلك الأمر بأن إذا سمعنا وتحققنا بوجود من خالف السنة بذلك، لو كان مشعوذًا أو كاهنًا أو ساحرًا لتبلغ عنه وذلك على سبيل الوجوب على أقل الأحوال إلا إن كان المؤمن لا يستطيع، فالإنكار بقلبه، الإنكار بقلبه ينجيه، ولكن في أحوالنا هذه ليس من عذر في عدم التبليغ لأن الحق أظهر من الباطل، ولأن الصولة في هذه البلاد ولله الحمد للحق، وأما الباطل فهو ذليل حقير وزاهق بإذن الله، فقوموا أيها المؤمنون بهذا الواجب وليحذر من لم يقم به العقوبة في نفسه أو في من يحب لأن أولئك يضرون المسلمين بما ينشرونه.

فاتقوا الله، اتقوا الله وخافوا يوم لقاه وقوموا في هذا الأمر أتم قيام لعلنا نكون من الممتثلين الناجين حقًا.

هذا واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله جل جلاله أثنى على الذين يتبعون أمره، وأمر أيضًا بالصلاة على نبيه فقال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

----------------------------------------
[1] يشير إلى حديث اللديغ الذي رقاه أحد الصحابة بفاتحة الكتاب، فجعلوا له قطيعًا من الغنم. فلما ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهمًا» (أخرجه البخاري [2156]، ومسلم [2201] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه).