صائمون ولكن !
على كل صائم يرجو قبول صيامه أن يبادر إلى عرض حاله في هذا الشهر العظيم على ميزان الشرع ومعيار سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فضعف فهم بعض المسلمين لجوانب هذه الشعيرة العظيمة جعل لهذه الأخطاء رواجاَ في واقع المسلمين..
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
ننتظر كلنا رمضان فنجد في قلوبنا فرحة بقدومه، إنها لأيام معدودات تهب بنفحاتها العطرة على المؤمن..
وحياة القلب بالإيمان هي الهدف وقد خلقنا الله تعالى وأسكننا تلك الأرض لنقوم بمهمة عظيمة وهي: عبوديته سبحانه على الأرض {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وهذه العبودية لا بد أن تظهر آثارها على الإنسان في سلوكه وتعاملاته، فالمؤمن في رمضان وغيره يخاف الله تعالى لكنه ينتظر تلك الأيام ليبدأ عهدا جديدا مع ربه فيستغفره لما سبق من تقصير وينهض بكل ما يستطيع من الصيام والقيام وتلاوة القرآن وفعل الصالحات ومساعدة المحتاج وإطعام الطعام، عسى أن يتقبله ربه تعالى في هذا الشهر العظيم وأن يبلغه رمضان فيرزقه بالرحمة في أوله والمغفرة في أوسطه ويجعله من عتقائه من النار في آخره.
لكننا على الوجه الآخر نجد بعض الأخطاء -المتفشية والواضحة في واقع الصائمين- جديرة بإلقاء الضوء عليها، وتشخيص أسبابها التي كان أولها قلة البصيرة لشرع الله تعالى، وضعف الارتباط بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم..
وعلى كل صائم يرجو قبول صيامه أن يبادر إلى عرض حاله في هذا الشهر العظيم على ميزان الشرع ومعيار سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فضعف فهم بعض المسلمين لجوانب هذه الشعيرة العظيمة جعل لهذه الأخطاء رواجاَ في واقع المسلمين..
فقد نجد بعض المسلمين الذين شهدوا بالوحدانية يدخل رمضان عليهم وكأنه شهر الصوم فقط فما هو إلا امتناع عن الطعام والشراب تاركين صلاتهم، فتجد أحدهم يصوم ولا يصلي أو يهمل الصلاة ويتكاسل فيها فيجمع الظهر بالعصر أو المغرب بالعشاء أو ينام عن صلاة الفجر فلا يصليها إلا عند الظهيرة ! أفلا يعلم قدر هذه الفريضة التي يضيعها ؟! وبالأخص في رمضان فالفريضة بأجر سبعين فريضة!
والبعض يصوم رمضان ويقيم الليل على أكمل وجه ولكنهم بعد انتهاء رمضان يهجرون الصلاة من جديد ويتكاسلون فيها ويسهون عن إقامتها في وقتها فقد نسوا ما توعدهم الله تعالى في كتابه حيث قال {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
والحقيقة أننا نجد الكثيرين من الفتية والفتيات لا يشعرون بقدر تلك العبودية التي هي أساس وعماد الدين حتى في رمضان فتجد التفريط فيها وسبب ذلك طول الغفلة عبر وسائل الغفلة من فضائيات وإنترنت وما ينتج عنهما من منتوج سلبي سيء من سهر ولهو وما يتعلق بهم، ثم تراهم سهرانين طوال الليل ونائمين طوال النهار مضيعين الصلوات غافلين عنها.
وصنف آخر من الصائمين يشعرون بفرحة رمضان ويعلمون قدر أيامة فتجدهم من أول يوم قائمين بالصيام والصلاة ويتسابقون مع غيرهم في الطاعات وفي ختم القران لكن بعد انتهاء رمضان يظل المصحف على الرف فيتناثر عليه التراب من هجره فلا أدري: هل شهر القرآن هو رمضان فقط؟! وتظل الآيات الكريمات شاهدات على قبح فعلهم قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30].
وصنف من الناس صام بطنه عن الطعام، لكن لسانه لم يصم بل قد اعتاد الفحش والكذب، فنجده لا يستطيع أن يكف عن تلك العادة فيعتبر ذلك الكذب كما يقول البعض: "كذبة بيضاء" ويعتبر الفحش تعودا، ويعتبر البذاء صغيرة، بل يستصغر كل ذلك !
فما غرك أيها الإنسان بربك حتى تجرأت على معصيته وتعديت حدوده؟
هل يحدث ذلك نسيانا لرقابته وعظمته؟!
فلا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت، فلماذا تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك؟!
هذا رغم أن الكذب والفحش والبذاء لا يعد من صغائر المعاصي، وتجد ذلك واضحا عند كثير من التجار فلا مانع عنده من الحلفان الكذب بالله تعالى لترويج بضاعته لكسب أتفه الأموال وهو في نفس الوقت من الصائمين فقد انقطع عن الطعام والشراب فقط، فلم ينل من صيامه إلا الجوع والعطش كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» (صحيح الجامع: 3488).
ويتبعه أيضًا من يصوم النهار ولكن يقع بلسانه في القيل والقال وغيبة الخلق وذكر سيرة الناس، حتى يغره الشيطان فيوقعه في السوء فوقع تحت ما ذكره رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق من صوم البطن فحسب!
وصنف من الشباب الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، قد وقعوا في مخاطر الإدمان فتغير حالهم..
فبالأمس كانوا صائمين محافظين، لكن بعدما وقعوا فريسة لتلك المواد المخدرة نسوا أنفسهم وأصبحت كل أيامهم تشبه الأخرى فلا يستطيعون الآن الشعور بفرحة تلك الأيام فما زالوا تحت التخدير تاركين صيام رمضان، فإلى متى سيظلون هاربين من أنفسهم ولماذا اليوم لا يستطيعون محاسبة أنفسهم عما ضاع من أيامهم وأعمارهم ؟
هل آن الأوان أم لا؟ فإن لم يحاسبوا أنفسهم الآن فغدا سيكون الحساب في قبورهم ويكون الندم وحينها لا ينفع الندم.
فباب التوبة مفتوح، ليس في شهر رمضان فقط بل في كل شهور العام، والله تعالى يدعو عبده ليعود ويفرح بتوبته وقد يخيل للمرء أن ميلاده هو يوم خروجه من ظلمة رحم أمه إلى نور الدنيا، ربما ذلك يكون الميلاد المدون في السجلات، لكن ميلاده الحقيقي يوم أن يخرج من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة.
وصنف آخر من الصائمين وقد أخص هذه الطائفة الصائمة من طبقة المدخنين، فترك الطعام والشراب لا يهمهم بشيء لكن الذي يعذبهم في الصيام تركهم لذلك الدخان الذي لا يستطيعون فراقه، فعندما يطول عليهم نهار رمضان دون تعاطيهم لذلك الدخان تجد شرارة الغضب تنفذ من عيونهم، فلا يستطيعون تحمل أنفسهم أما من حولهم فالويل كل الويل لهم أو يستفزهم بفعل أو حركة.
وقد جاءتنا رسالة من بعض النساء المتزوجات تشكو زوجها المدخن تقول إنه يدفعها لترك بيتها طوال شهر رمضان لتذهب وتعيش عند أمها لأن زوجها مدخن فيكون نهار رمضان ثائراً، تقول: "فلا بد كل رمضان يقع بيننا شجار حتى أترك البيت غاضبة عند أهلي حتى ينتهي ذلك الشهر، فتلك الصورة الرمضانية لبعض المتزوجين الذين كان ينبغي عليهم الاجتماع على الطاعة في رمضان، والاجتماع على قراءة القرآن والذكر والقيام، فأبدلوا كل ذلك بالخلافات، فلماذا تستمر تلك الطائفة على ذلك؟ هل آن الأوان لكي تنتهي أم لا؟!
إن تلك الصور لصور حية من واقعنا اليوم، قد جاءنا ذلك الشهر ونحن في بدايته، فلا كسل ولا تسويف، فلنمتنع مجاهدين أنفسنا عن كل ما يغضب الله سبحانه، ونستمد العون من الله الكريم ونستعين به سبحانه وندعوه.. فيا لها من سعادة.. ويا لها من فرحة يفرح القلب بها ويسعد عندما يعود ويرجع إلى ربه نادما ويلحق بركب الصالحين، وقد جاءت البشرى للتائبين يقول تعالى {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68، 69].
وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: «يا ابن آدم إنك إن دعوتني وروجتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي...» (صحيح الجامع: 4338، حسن).
وقال صلى الله عليه وسلم « » (صحيح مسلم: 2759). فهل آن الأوان أم لا؟!
أميمة الجابر - 6/9/1433 هـ