طفح الكيل!

..أود في هذا المقال أن ألقي الضوء على بعض الحقائق التي يقر بها قادة جحافل هذا المعسكر، أراها السبب الرئيس في الوصول إلى ما نحن فيه الآن، ولن أذكر إلا ما كان من قبيل التحرك أو التوجه العام للتيار العلماني.

  • التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -

الحمد لله وحده، وبعد..

شحنات من التوتر والاضطراب تملأ هواء مصر هذه الأيام، ما كان لها أن توجد لو تخلى المعسكر العلماني عن نزرٍ يسيرٍ من تلك المحاولات الالتفافية التي أدمنها، استخدم فيها كل ما أوتي من جاه ومال ونفوذ لعزل الشعب بالكلية -وخصومه الإسلاميين على وجه الخصوص- عن مشهد إعداد الدستور الذي ستسير عليه البلاد لفترة من الزمان لا يعلم مداها إلا الله.

أود في هذا المقال أن ألقي الضوء على بعض الحقائق التي يقر بها قادة جحافل هذا المعسكر، أراها السبب الرئيس في الوصول إلى ما نحن فيه الآن، ولن أذكر إلا ما كان من قبيل التحرك أو التوجه العام للتيار العلماني، دون الأخطاء الفردية لبعض رموزه في اللقاءات الإعلامية مثلا، فهذه لم يسلم منها الطرفان؛ الإسلامي والعلماني، وهي في النهاية ليس لها كبير أثر في أغلب الأحوال.

1- قامت ثورة يناير، وضم الميدان كل طوائف وتيارات المجتمع، وكان الهدف واحدا: (الشعب يريد إسقاط النظام)، شارك الإسلاميون وشارك العلمانيون وشاركت الأغلبية الصامتة ولم يكن ثمة ما يفرق، فكان النصر المؤزر.

2- سقط النظام، وبدأ كل تيار في الإفصاح عن نظرياته الإصلاحية، وحدث بعض التشاحن بين التيارات الإسلامية من جانب وبين التيارات العلمانية من جانب آخر، وكان أول صدام على أرض الواقع يوم دعت بعض الرموز العلمانية إلى إلغاء المادة الثانية، وكان ممن دعا بصراحة إلى إلغاء المادة الثانية: الدكتور أسامة الغزالي حرب -في خطاب إلى المجلس العسكري-، والملياردير نجيب ساويرس، الذي وعد بذلك أمام جموع الأقباط في اعتصام ماسبيرو.

3- أعلن المجلس العسكري عن إجراء استفتاء على تعديل ست مواد من الدستور، ليست بينهن المادة الثانية، وكانت المادة 189 من ضمن المواد المطروحة للتعديل، وكان نص التعديل المطروح: (تعديل المادة 189 و189 مكرر المتعلقتين بالوضع الحالي، وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، بحيث يجتمع النواب المنتخبون من هذين المجلسين ويشكلون لجنة تأسيسية من مائة عضو لإعداد دستور جديد للبلاد خلال 6 أشهر من انتخاب المجلسين، على أن يتم الاستفتاء على الدستور الجديد خلال ستة أشهر).

4- وافق الشعب بنسبة 77.2% على هذه التعديلات، ومقتضى ذلك أن تنعقد الانتخابات أولا ثم يشكل الأعضاء لجنة من مائة عضو يُكلفون بمهمة وضع الدستور الجديد.

5- كانت النبرة السائدة في الأيام الأولى بعد الاستفتاء من قبل المعسكر العلماني أنهم سيحترمون النتيجة ويرضخون لإرادة الشعب، وسعد الجميع بهذا الطرح، ولكن ما تمت الفرحة!

6- شرع رموز المعسكر العلماني في سلسلة من الممارسات غير الشرعية، ظلت تتصاعد بصورة ملحوظة، كلها في سياق الالتفاف على هذه النتيجة، والتي ساءتهم أيما إساءة، لا لشيء إلا لأن الإسلاميين -الأكثر تنظيما- من المتوقع أن يحصدوا نسبة أكبر من مقاعد البرلمان، وبالتالي يكون لهم تمثيل أكبر في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور.

7- كان من أبرز هذه الممارسات: (مؤتمر مصر الأول)، الذي دعا إليه الدكتور ممدوح حمزة، واعتبره الدكتور أسامة الغزالي حرب أنجح الحوارات الوطنية! بالرغم من كونه إحدى الممارسات الالتفافية بجدارة، التي تفتقر إلى أدنى مقدار من الشرعية، وذلك أنه:

-أنشئ (لإعلان)! مبادئ حاكمة للدستور، ولمطالبة الجيش بضمانات لحفظ أسس الدولة المدنية في حالة ما إذا وصلت (جماعة معينة) إلى سدة الحكم وحاولت المساس بتلك الأسس أو إظهار أي صورة من صور الدولة الدينية! صرح بذلك المستشار محمد نور فرحات -والذي اقترن اسمه باسم أسامة الغزالي مؤخرا- على قناة النيل، فتأمل كيف قام حوار (وطني) لا لشيء إلا لمحاربة مشروع إحدى الجماعات الوطنية؟

-أن القائمين عليه لم يخوّلهم مصري واحد للتحدث باسمه، فضلا عن أن يضع مبادئ تحكم دستوره، فضلا عن أن يطالب المجلس العسكري بها دون عرضها على الشعب.

-أن من أهدافه الصريحة التي أعلنها الدكتور ممدوح حمزة في اتصال له بقناة أون تي في: أن يتبنى القائمون عليه (رموز التيار العلماني) قائمة موحدة في الانتخابات القادمة حتى لا تستأثر بها جماعة معينة -من يقصد يا ترى؟!-، فهل هذا اجتماع لعقد تحالف بين الأحزاب العلمانية أم مؤتمر حوار و(وفاق)! (وطني)؟!

-أن هذا كله كان تحت شعار (الشعب يحمي ثورته)، ولو تأملت سنينا لعجز عقلك عن إيجاد علاقة بين عنوان المؤتمر وبين أهدافه المعلنة! لكنك تقطع على الفور أنهم أشد الناس إخلاصا وذبا عن مكتسبات الثورة!

وقد نالت المستشارة تهاني الجبالي شرف إعلان مبادئ (الإعلان الدستوري) للمؤتمر، وسط تصفيق الآلاف وهتافاتهم!

والمفارقة -وما أكثر مفارقات القوم- أنهم بمطالبتهم الجيش بحماية أسس الدولة المدنية يرفعون العسكر فوق كل السلطات، مع أنهم أكثر من أظهر الخوف من نوايا العسكر في الاستمرار في حكم البلاد، فما أشد حرصهم على مصالح الوطن!

8- على التوازي، كان الدكتور يحيى الجمل ينحت في الصخر ويصارع الزمان هو ورفاقه في جلسات مؤتمر (الوفاق الوطني)، الذي وصفه الدكتور عمار علي حسن (بالمصطبة السياسية)، ذلك (أن من يجلسون على مائدة الحوار لا يمثلون الشعب المصري تمثيلاً صادقاً وأميناً)، شأنه في ذلك شأن مؤتمر صنوه في الالتفاف: الدكتور ممدوح حمزة، وكان الجمل يطمع في أن يخرج للناس بأكبر قنبلة هيدروجينية دكتاتورية عرفها عصر ما بعد الثورة: (وثيقة المبادئ فوق الدستورية).

9- المبادئ الحاكمة -في رواية- أو المبادئ فوق الدستورية أو غير ذلك من المصطلحات قد تختلف دلالتها عند المتخصصين من الدستوريين، إلا أن مفادها واحد عند محترفي الالتفاف، إذ يقصدون بها تلك المبادئ العليا التي تخضع لها كل المواد التي سيتضمنها الدستور، بما فيها المادة الثانية تفسر هذه المادة وفق المبادئ الحاكمة، لا العكس، وبذلك يكون المعسكر العلماني قد تصدّق على خصومه (الغلابة) بفتات إعداد الدستور، واستحوذ هو على الكعكة الكبرى: إعداد المبادئ الحاكمة عليه!

10- أضف إلى ذلك، أن كلا من الدعوتين -حمزة والجمل- لهذا الحوار الوطني كانت موازية للدعوة الشرعية الوحيدة للحوار الوطني التي دعا إليها رسميا الدكتور عصام شرف ووكل بها الدكتور عبد العزيز حجازي! فكيف حدث ذلك، ولماذا لم ينخرطوا في دعوة الوزارة وآثروا إنشاء مؤتمرات مفصلة على مزاجهم؟

11- الآن يكون قد خرج إلى النور ما يمكن أن نسميه (بوثيقتين للمبادئ الحاكمة)، كل منهما في حُلة دكتاتورية قشيبة، ولكنها ما زالت تفتقد إلى الشرعية، فلا بد من خلق ضغط شعبي وقاعدة جماهيرية.

12- بدأت تتصاعد دعوات تطالب صراحة بوضع دستور قبل الانتخابات، في أعلى درجات التجاسر الفج على مخالفة نتيجة الاستفتاء، حتى وصلت ذروتها حين دعا الدكتور ممدوح حمزة لمليونية يوم 8 يوليو تحت شعار (الدستور أولا)، قوبلت برفض التيار الإسلامي بل وكافة القوى الوطنية التي لا تتبنى الطرح العلماني المتطرف، الذي لا ضير عنده أن ينفق ما في الأرض جميعا ليقطع أي وشيجة بين الدين والدولة.

13- قام المعسكر العلماني بعد ذلك بتدشين حملة لجمع 15 مليون توقيع للمطالبة بوضع الدستور أولا، إمعانا في مخالفة الشرعية بشتى الصور وعلى كافة المستويات!

14- مع كل ما سبق، وجدنا الإعلام إما غاضا الطرف عن هذه الممارسات القبيحة وإما داعما لها، وعلى أحسن الأحوال: عارضا للصورة وكأنها خلاف بين معسكرين، مطالبين الجمهور باحترام الرأيين، حتى لو كان صاحب أحد الرأيين قد دهس كرامة الملايين من جموع المصوتين في الاستفتاء تحت قدميه.

15- أيضا، مع كل ما سبق، وجدنا التيار الإسلامي صامتا إلى درجة جعلته محل انتقاد، داعيا دوما إلى ضبط النفس، حتى رماه البعض بالتواطؤ مع المجلس العسكري.

16- أعلنت القوى العلمانية تراجعها عن مطلب (الدستور أولا)، ورفعت شعار (الثورة أولا) لمليونية في نفس اليوم (8 يوليو).

17- نزل التيار الإسلامي ودعا لهذه المليونية وتضامن مع المعسكر العلماني، ورفع معهم شعارات: المطالبة بمحاكمة قتلة الثوار ورموز الفساد وغيرها من المطالب التوافقية.

18- قررت نسبة من المتظاهرين يومها الاعتصام، ما شكل ضغطا ملحوظا على المجلس العسكري، بينما قرر الإسلاميون ترك الميدان وعدم المشاركة في الاعتصام.

19- وِفق ما صرّح به اللواء حسن الرويني، فإن المجلس العسكري كان في حالة انعقاد دائم منذ صباح السبت (9 يوليو)، وإلى يوم الثلاثاء (الحزين) على حد تعبيره، والذي ضُرب فيه خط الغاز، وأغلِق مجمّع التحرير، وأُعلِن عن الاتجاه لإغلاق مترو الأنفاق وتصاعدت صيحات الدعوة إلى عصيان مدني، مما سبب للمجلس انزعاجا شديدا، كان سببا في تلك الحالة الانفعالية التي ظهر بها اللواء الفنجري (بهذا برر اللواء الرويني).

20- في هذه اللحظات، فإن الشعب المصري مع رفضه عن بكرة أبيه -من كان منهم في التحرير يوم الجمعة ومن لم يكن- لهذه الممارسات، إلا أنه كان يقطع أن الضغوط تسير في اتجاه محاكمة قتلة الثوار وغير ذلك من المطالب التوافقية التي بُحّت أصواتهم وتحملوا شدة حر الجمعة من أجلها في الميدان، وصدر بالفعل تحت جراء هذا الضغط بيان للدكتور عصام شرف، لم يلق القبول المنشود عند المعتصمين ولا عند الكثيرين غيرهم، فإننا حتى تلك اللحظة لم نلمس شيئا فعليا يدل على الاستجابة لمطالب 8 يوليو (المعلنة).

21- ومنذ هذا التوقيت، بدأت المفاجآت في التوالي وبسرعة منقطعة النظير!، بحيث تكاد تقطع أن المعسكر العلماني ومن يدعمه من الخارج يمارس ضغوطا تخر لها الجبال هدا، إذ يخرج علينا اللواء محسن الفنجري فيذكر فيما ذكره من وعوده الإصلاحية استجابة للضغوط أن المجلس قد قرر استصدار وثيقة مبادئ حاكمة وضوابط لاختيار أعضاء اللجنة التأسيسية التي ستكلف بإعداد الدستور الجديد للبلاد، في مصادرة تاريخية صريحة لحق هذه اللجنة التأسيسية، وفي ممارسة دكتاتورية اضطر إليها -على ما يبدو- اضطرارا.

22- بعد أقل من يومين، يخرج علينا اللواء الرويني ليخبرنا أن المجلس قد كلف الدكتور أسامة الغزالي حرب بإعداد وثيقة مبادئ حاكمة للدستور -تأمّل-، ثم حين يٌسأل الرويني عن مواد هذه الوثيقة، فيكون جوابه: أنها ستتضمن التنصيص على مدنية الدولة، وما يتعلق بالمادة الثانية (التي تُقلق الناس) على حد تعبيره!

وهو نفس ما قالته بالنص تقريبا الدكتورة منى ذو الفقار عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إذ قالت إن الوثيقة: "ستطمئن من كانوا يريدون الدستور أولا"!

وقبل أن ينفجر رأسك، سل نفسك بسرعة وسأوافيك بالجواب عما قريب: مَنْ مِنَ الشعب المصري تقلقه المادة الثانية إلى هذا الحد؟ من هي تلك الطائفة التي يسعى المجلس لخطب ودها؟ إنها قطعا ليست عموم الشعب المصري، فإني -وأتكلم عن نفسي- لا أعرف مصريا يسير على قدميه في شوارع المحروسة يتملكه هذا الرعب المزعوم من المادة الثانية! لكن أليس عجيبا أن نرى هذه المصطلحات:
"قلق" "ومحاولات التهدئة"، مع أن شيئا لم يجدّ؟!

ثم أين قلقهم وخوفهم على مطالب الثورة ومكتسباتها التي أرسلوا الثوار إلى الميدان وأقحموهم في اعتصام مفتوح من أجلها؟

أين قلقهم من التفريط في حق الشهداء والتباطؤ في محاكمة رموز الفساد؟ يبدو أن الخوف من التيار الإسلامي ومن المادة الثانية قد ملأ قلوبهم، فما عاد فيها متسع لمزيد خوف على المطالب التي أعلنوها، وهكذا تقع أعيننا كل يوم على جزء من الصورة القبيحة، ويكاد المشهد أن يكتمل.

23- وجوابا عن ذاك السؤال الذي بادرت بطرحه أخي القارئ، عن الذين يتملكهم القلق من المادة الثانية، فإن أبرز هؤلاء -ويا للمفارقة ومحاسن الصدف!- هو الدكتور أسامة الغزالي حرب نفسه، فقد سبق وذكر أنه كان من المجاهرين بعدائه لها، ونقلنا نص مطالبته للمجلس العسكري بإلغاء المادة الثانية، فهل كافأه المجلس بعد شهورٍ خمسٍ بوضع مبادئ تحكم هذه المادة التي أرقت منامه ومنام رفاقه الديمقراطيين الأطهار؟

24- إن كان هذا هو موقف الدكتور أسامة الغزالي من المادة الثانية، فما هو مفهومه (للدولة المدنية)، والتي ستكون قضية مفصلية في وثيقة المبادئ الحاكمة التي سيتفضل علينا بمباشرة إخراجها؟ ما هو التصور الذي سكن عقل الغزالي حرب عن (الدولة المدنية)؟، باختصار:

- حرب يضع المرجعية الدينية في مقابل المرجعية المدنية.
- يعارض بشدة شعار الإخوان: (القرآن دستورنا والرسول زعيمنا)، ويمتعض منه أشد الامتعاض.
- يدعو إلى الفصل الكامل بين الدين والدولة.
وهذا كله مسجل مبثوث على الإنترنت.

25- جدير بالذكر هنا أن أحدا لم يتجاسر على المطالبة بإلغاء المادة الثانية في تلك الفترة التي أعقبت الثورة مباشرة بهذه الصراحة غير الغزالي حرب إلا نجيب ساويرس ومايكل منير، إذ طالب نجيب بل ووعد المعتصمين أمام ماسبيرو بإلغائها كي يستطيعوا رفع رؤوسهم! ولعلك تلحظ التشابه بين الموقفين، فاعتصام ثم مطالبة بإلغاء المادة الثانية ووعود بذلك أمام أقباط ماسبيرو، والآن اعتصام ثم وعود بمبادئ حاكمة للدستور لتجعل المادة الثانية حبرا على ورق!

26- والطبيعي أن نتساءل: هل من علاقة بين ساويرس وحرب؟ يجيبك الملياردير محب المزاح بقوله: "لم يعد هذا سرا إنه الممول الأساسي لحزب الجبهة الديمقراطي الذي يرأسه حرب منذ أول يوم". وتزداد الصورة وضوحا ووضوحا.

27- وليس لمخلوق كائنا من كان أن يسأل: أين دور الشعب في هذا الحفل الساهر؟ هذا الشعب الذي قدّم الشهداء لينعم بحقه في اختيار مصيره؟

والجواب: أنه لم يُدع! نظرا لقصور نظرته السياسية وعدم مجاوزة القطاع الأعرض منه لمرحلة الطفولة الديمقراطية.

28- ثم أنباء عن تباطؤ المجلس العسكري -وفي روايات: تراجعه- عن الاتصال بالغزالي حرب، بعد أن سبق وكلفه بالمهمة، ربما يرتبط ذلك بإعلان بيان ائتلاف القوى الإسلامية، والذي تضمن رفضا صريحا لفكرة المبادئ الحاكمة، لوّحوا من خلاله بأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إلى الأبد، وكأنهم يقولون: (طفح الكيل)!


انتهت فصول المسرحية الدكتاتورية إلى حيث نقف اليوم، والأيام حبلى بمزيد من المفاجآت على ما يبدو.

هذه الضربات الدكتاتورية المتتالية والتي لم يقو المجلس العسكري على الصمود أمامها أكثر من ذلك، ليست إلا ضربا من (البلطجة) المكشوفة، يمارسها أناس يعلمون أنهم لا يملكون أدنى شرعية تدعم أفعالهم، يوقنون أنهم لا يملكون عشر معشار رصيد خصومهم الشعبي ولا يمثلون إلا أنفسهم، ولكنه هوس المال والنفوذ وامتلاك الإعلام، واغترارهم بصمت الخصم وضعف نفوذه وافتقاره لآليات الضغط -كذا ظنوا-، فيكون إمعانا في الحيف وإغراقا في الظلم، أن يلام الإسلاميون على غضبتهم بعد صمت دام شهورا، ضبطوا فيه النفس وفوتوا الفرصة على كل مغرض وهم يرون التفافا يبصره الأعمى على كل ما من شأنه أن يخدم مشروعهم وتحصلوا عليه بالطرق الشرعية، حتى رأوا بأعينهم خصمهم يرقص على جثة إرادة الشعب، ممررا مشروعه الذي يرفضه الشعب أشد الرفض بشتى الوسائل غير المشروعة، بينما لا يلام (شبيحة) المعسكر العلماني على أشد الممارسات مناقضة )للديمقراطية)، ذاك المبدأ (السامي) الذي كانوا يشهرونه سيفا في وجه خصمهم من قبل إذا ما تفوه بما لا يروق لهم.

ابتلع الإعلام لسانه ولم ينتقد دعوات التظاهر من أجل (الدستور أولا) على الرغم من كونها عين المصادرة لإرادة الشعب وإشعالا لفتيل فتن متلاحقة، ونحن الآن ننتظر فضيحة جديدة تلوح بشائرها، من قبل إعلام المطففين، فقد ألفنا خروج القوم على شاشاتهم بطرا ورئاء الناس يشوهون صورة أي حراك إسلامي، حتى كدنا نقطع بمآل أفعالهم تلك ومصير أصحابها، فمآلها إلى فضائح مدوية وانهيار لرموز القوم، الواحد تلو الآخر، ليس هذا لصلاح الإسلاميين، فالكل يدّعي أنه إلى الحق أقرب، والله يفصل بيننا يوم القيامة، ولكن لفرط ظلم خصمهم وبغيه، والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.


خالد خطاب
 
المصدر: رابطة النهضة والإصلاح