عملية رفح.. فتش عن المستفيد

ادعى الإسرائيليون أن المهاجمين كانوا يريدون خطف مدرعات مصرية ومهاجمة أهداف إسرائيلية بها، وهو كلام مترع بالاستهبال والاستخفاف بالعقول، لأن استخدام هذه المدرعات يحتاج إلى قدرات تدريبية خاصة لا تملكها إلا الجيوش...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


الهجوم الجبان الذي وقع أول أمس على مجموعة من الجنود المصريين بالقرب من رفح، والذي أدى إلى مقتل حوالي خمسة عشر جندياً وإصابة آخرين، يحمل في ملابساته بصمات إسرائيلية واضحة، ففي البدء أعلنت إسرائيل تحذيرها لرعاياها من أحداث عنف قريبة جداً ستقع في سيناء وطلبت منهم المغادرة بسرعة، وهذا ما يعني أنه كانت لديها معلومات كاملة ومؤكدة عن تلك المجموعة التي قامت بالعملية، وبعض التقارير أشارت إلى أن أسماء بعض منفذي العملية كانت معروفة للطرف الإسرائيلي، ورغم أن العملية ستقع في سيناء المصرية ورغم وجود معاهدة السلام إلا أن الجانب الإسرائيلي رفض أن يمد مصر بأي معلومات لديه عن هذه العملية.


ثم ادعى الإسرائيليون أن المهاجمين كانوا يريدون خطف مدرعات مصرية ومهاجمة أهداف إسرائيلية بها، وهو كلام مترع بالاستهبال والاستخفاف بالعقول، لأن استخدام هذه المدرعات يحتاج إلى قدرات تدريبية خاصة لا تملكها إلا الجيوش، كما يحتاج إلى دعم معلوماتي دقيق في الأهداف بالجانبين المصري والإسرائيلي، وفي المحصلة الذي حدث في العملية هو قتل خمسة عشر جندياً مصرياً في حين لم يخدش جندي إسرائيلي واحد، وبعد أن تم الانتهاء من العملية قامت القوات الإسرائيلية بتصفية المهاجمين جميعاً عقب دخولهم إلى أراضيها في المكان المحدد والوقت المحدد الذي كانت تنتظرهم فيه بالضبط، وهو ما يعني الحرص على قطع أي خيوط تكشف عن المجموعة وأفرادها وطريقة تكوينها ومن أين أتتهم فكرة الهجوم والأهداف الفعلية التي قصدوا لها والجهات التي وفرت لهم الدعم أي أن عملية تصفيتهم تعني أنه لا معلومات إضافية نريدها.


وجرت العادة في كثير من المجموعات المتشددة والمنغلقة والتي يكون قوام أعضائها من الجهلة والبسطاء ومعدومي الأفق السياسي والخبرات الأمنية، أن يسهل جداً اختراقهم من الأجهزة الأمنية عن طريق زرع عملاء يتقمصون طبيعة أفكارهم وسلوكهم ونزقهم إما بقصد احتواء تلك المجموعة والسيطرة عليهم أو تصفيتهم أو الاستفادة منهم بتوجيههم نحو أهداف محددة تخدم مصالح وخطط وأهداف الجهة الأمنية التي اخترقتهم ثم يتم تصفيتهم بعد أدائهم الدور الذي تم دفعهم إليه لدفن الملف كله معهم، وتقريباً هذا ما حدث بالضبط في تلك العملية الحمقاء والتي تفتقر إلى أي منطق أو أهداف أو مبررات.


إضافة إلى افتقارها لأي خلق إنساني أو ديني، أن تقدم على قتل هؤلاء الجنود في لحظة إفطارهم بعد صيام يوم طويل شديد الحر، وكأنها بطولة أن تستغل تلك اللحظة الرخوة للقيام بعمل جبان، وفي علوم الجريمة يقولون دائماً: فتش عن المستفيد، وفي تلك الحادثة كانت النتائج البديهية لأي محلل سياسي تعرف بأنها تمثل إحراجاً شديداً للرئيس المصري الجديد الذي أقلق إسرائيل من لحظة إعلان فوزه، كما أنها تمثل إحراجاً للعسكرية المصرية التي أعلنت على لسان المشير طنطاوى قبلها بأيام أن سيناء آمنة تماماً وتحرج المؤسسة الأمنية المصرية بكل أذرعها التي استمعت إلى تحذيرات علنية من أحداث عنف وشيكة ولم تأخذ احتياطات مناسبة، وعلى الجانب الآخر فإن الحادثة تمثل إحراجاً شديداً ومريراً لحركة حماس في قطاع غزة ومدى الثقة في قدرتها على بسط سيطرتها الأمنية على القطاع، كما أن الحادثة تمثل إضراراً فادحاً بالمصالح الفلسطينية في قطاع غزة التي ستعاني لعدة أسابيع من جراء تشديد الإجراءات الأمنية وغلق معبر رفح، المتنفس الوحيد للقطاع من مصر والذي شهد انفراجة في الأسابيع الأخيرة وخفف كثيراً من الآلام والمتاعب عن المواطنين الفلسطينيين، كما أن الحادثة تستهدف أيضاً دق الأسافين بين السلطة المصرية الجديدة وبين سلطة حماس في قطاع غزة، وأتت العملية متواكبة مع زيارة إسماعيل هنية إلى مصر ومقابلة الرئيس مرسي.


المستفيد الوحيد من هذه العملية وأهدافها ونتائجها هو على سبيل الحصر: إسرائيل.


جمال سلطان
06-أغسطس-2012 م
[email protected]
 

المصدر: موقع جريدة المصريون