كلمة عظيمة للدكتور محمد مرسي

بدأ الدكتور مرسي كلمته التي استغرقت أربعين دقيقة، بالتأكيد أن الله تعالى وعد بنصرة أهل الحق ولو كانوا قلة، بل ولو كان فردًا واحدًا، فقد نصر إبراهيم عليه السلام وحده لما تكالب عليه قومه وعادوه وألقوه في النار، ونصر موسى عليه السلام رضيعًا فحفظه من كل الأخطار...

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


ألقى د. محمد مرسي أمس، كلمة عظيمة بين التراويح بمسجد الفاروق بالتجمع الخامس.. كنت أشعر بضيق وشيء من الاستياء من تخلف الدكتور مرسي عن حضور الجنازة العسكرية التي تمت لشهداء الحادث الإجرامي الغادر برفح.. لم يكن تبرير الرئاسة لعدم الحضور مقنعًا، وكان واضحًا أن الانفلات و"الهرجلة" التي اتسمت بها الجنازة هي السبب في عدم حضور الرئيس، وشعر كثيرون بالمرارة وبأن حملات التطاول والتشهير والتحريض العلني تحمل إهانة للرئيس وللدولة وللشعب المصري، وأن السكوت على ذلك غير مبرر.

بدأ الدكتور مرسي كلمته التي استغرقت أربعين دقيقة، بالتأكيد أن الله تعالى وعد بنصرة أهل الحق ولو كانوا قلة، بل ولو كان فردًا واحدًا، فقد نصر إبراهيم عليه السلام وحده لما تكالب عليه قومه وعادوه وألقوه في النار، ونصر موسى عليه السلام رضيعًا فحفظه من كل الأخطار ورباه في قصر الطاغية فرعون، ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] والمشركون فوق رؤوسهم يريدون قتله.. وتكلم عن سنن الله في إنزال نصره، وأن هذا النصر لا يتنزل على الخاملين المتواكلين، وإنما ينزل على المجتهدين الذين استفرغوا جهدهم وطاقتهم وكامل وسعهم في إقامة الحق، بصرف النظر عن الضغوط التي عليهم..

وذكّر بنصرة المؤمنين في أعقاب هزيمة أحد {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172]، فخرجوا في جراحاتهم وآلامهم ولم يبالوا بحملات المنافقين {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]، فكانت العاقبة الحسنى لهم فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء.

وقال الدكتور مرسي إن المكائد لا ولن تتوقف وأن شياطين الأرض لن يتوقفوا عن الكيد لأهل الحق، وأن من يتصور أنهم سيتركوننا نتقدم وننهض بسهولة وسلام، فهؤلاء مخطئون واهمون.. علينا أن نتوقع كيد أهل الباطل يأتينا من كل مكان، وعلينا ألا نشك لحظة في نصرة الله لنا إن اجتهدنا ومضينا في طريقنا لإقامة الحق بلا أهواء ومصالح شخصية..

وتكلم عن جريمة رفح التي سالت فيها الدماء الزكية، وقال إن الغرض من هذا الهجوم هو إرباك الأمة وصرفها عن أهدافها، وزرع المزيد من الفرقة والشقاق بين التيارات المختلفة التي بدأت تتلاوم وتلقى التهم على بعضها البعض.. هذا النزاع الداخلي هو مقصود هذا الهجوم، لأنه نزاع يذهب بعافية الأمة ونحن نخطو أول خطوة نحو الاستقرار والتقدم، فأرادوا عرقلتنا وتشتيت جهودنا، وسنقوم بملاحقتهم والقضاء عليهم.

وعبر الرئيس عن ثقته الكبيرة في إمكانيات الشعب المصري وقدراته وإبداعه، وأكد ضرورة انطلاق هذه القدرات بالجد والوعي والعمل، وأن ننتبه لما يكاد لنا فلا ننخدع به، ولا يثنينا عن الحركة على الأرض للمشاركة بإيجابية في نهضة البلاد..

وأكد أيضًا أن هذا من صميم العبادة لله، فإلى جانب الاجتهاد في شعائر الدين، نجتهد في إقامة دولة الحق والعدل، وأن طالب الحق لا يمل ولا يخاف ولا يتراجع ولا يأخذ إجازة بل هو جهد إلى آخر لحظة من العمر {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]..

وطالب كل من يستمع إليه بأن ينقل هذه الروح وهذا التوجه لسائر الناس.. كانت نبرة الدكتور مرسي حماسية للغاية وتحمل من يسمعه على رؤية الصدق في كلامه وفي رؤيته.. شعرت أن الفرق بينه وبين من نعرف من السياسيين كالفرق بين الثكلى والنائحة.. تمنيت لو أن هذه الكلمة يسمعها كل المصريين، بل وكل العرب والمسلمين.. الرجل عنده رؤية واضحة ومشروع يركز فكره ونظره عليه، ويحمل همًا وشعورًا بالغًا بالمسئولية الملقاة على عاتقه.

بقى أمران، أعتقد أنه من الواجب استدراكهما على كلام الرئيس:

الأول: أن هناك تقصيرًا وتفريطًا في الجهد المبذول لتطهير وإصلاح الإعلام المصري، ويكفي للدلالة على ذلك أن كلام الرئيس وفكره لا يجد له منظومة إعلامية تحمله بصور متنوعة ومهنية ومحترفة للشعب.. إن الناس مؤخرًا أصبحوا على دين إعلامهم، وإن التباطؤ والتراخي وترك الإعلام تحت سيطرة أوباش الناس والخلايا النائمة لفلول النظام البائد، فيه خطورة عظيمة على الوعي العام وفيه عرقلة قوية لمشروع النهضة ومحاولات مستميتة لإفشاله.

الثاني: إن عدم الإلتفات للسفهاء والحمقى وعدم التأثر بالهجوم الشخصي، هو فعلاً من سنن الرسل والأنبياء.. لكن إذا أثارت تلك الحملات الإعلامية شبهات واتهامات، فإن من الواجب التصدي لها وتفنيدها والرد عليها وقطع الطريق على إفساد عقول الناس بها، وهذا أيضًا من سنن الرسل ومنتشر في سيرتهم المباركة.

فهذا موسى عليه السلام لم يلتفت مطلقًا لسفاهات فرعون وسخريته عندما قاطع دعوته مرارًا و {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 25]، وقال: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27]، حتى إنك لو غفلت عن كلام فرعون لوجدت كلام موسى عليه السلام ماضيًا بقوة لا يلتفت وكأن فرعون لم يقاطعه.. وفي المقابل عندما أثار فرعون شبهاته واتهاماته فقال لموسى عليه السلام: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء: 18]، وهذا ينطلي على عامة الناس ويظهر موسى في صورة الناكر للجميل الذى جاء ليعض اليد التي طالما أحسنت إليه وتكفلت بتربيته، فرد موسى عليه بحزم: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22]، أى: هل يمنع الإحسان على فرد واحد من المطالبة برفع الظلم عن شعب كامل استعبدتهم وذبحت أبناءهم واستحييت نساءهم؟، فأسكت فرعون وأخرس حجته وأجبره أن يغير الموضوع، {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23].


وهذا منتشر جدًا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى لم يكن ينتصر لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله، ومن انتهاك حرمات الله التشكيك في صاحب الرسالة وحملات التشويه في صلاحياته، فقالوا عنه كاهنًا وساحرًا وشاعرًا وغيرها.. وهذه حملات تستوجب الرد والتفنيد، وكان الوحي يتكفل ببعض هذا، فلما أشاعوا عنه أنه شاعر نزل الوحي بقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 224-226]، فكان الرد مفحمًا لأهل مكة الذين يعرفون رسول الله جيدًا، وأنه ليس ممن يهيمون في كل وادٍ، وأنه صادق لا يخالف فعله قوله.

أسأل الله تعالى أن يعين رئيسنا على ما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا ألا نخذله وألا نتركه وحده أمام أعداء الداخل والخارج.


د. محمد هشام راغب

09 أغسطس 2012 م
 

المصدر: موقع جريدة المصريون