النصراني إذ يتهجم على البسملة

ملفات متنوعة

الكـاتب: إبراهيم السكران

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -


الحمد لله وبعد:
قبل فترة كتب المحلل النصراني، د. (عزمي بشارة) في صفحته الرسمية بتويتر والفيسبوك، تهجماً على (البسملة) وتشكيكاً للمسلمين في معناها، وأن معناها التكلم نيابةً عن الله، وشحن كلماته بالتهكم والانتقاص ممن يبدأ حديثه بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).

يقول النصراني بشارة في صفحته في الفيسبوك وتويتر (@ AzmiBishara):
"من التقاليد الإسلامية أن الكاتب أو المتكلم المؤمن يبدأ حديثه بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أمّا ابتداء الحديث بـ(اسم الله الرحمن الرحيم) فقد كان محصورا بجبريل ومن يتلقى الوحي منه، فهو يتكلم باسم الله كيف أصبح كل إنسان يتحدث باسم الله في بداية أي كلام؟ الله أعلم. يصعب الجزم متى وأين حصل ذلك، ولكن هذا ليس مستغربا عند من قبل أن ينسب اسم الجلالة لبشر".

هذا النص البشع نشره عزمي بشارة قبل ساعة تقريباً، والحقيقة أنني لم أتصور أن يكون بشارة جاهلاً بمعاني أبجديات اللغة العربية! فضلاً عن معاني العبارات الإسلامية، والنصوص القرآنية والنبوية، والآثار الصحابية الواردة فيها، خصوصاً أنه يطرح نفسه كباحث مستوعب للتكوين الديني واللغوي للمجتمع العربي!

على أية حال.. أساس الخلل في تصور عزمي بشارة هو ظنه أن معنى البسملة (التحدث نيابة عن الله وباسمه!) وهذا ليس المعنى أصلاً، وربما يكون تصور أن هذا هو المعنى من كثرة ما يسمع في المحافل (أتحدث باسم فلان) أو (باسم الشعب) ونحوها من العبارات، فركّب ما يسمعه على معنى البسملة! وظن أن معناها التحدث نيابةً عن الله! ثم جاء ينتقد المسلمين لماذا يبدأون حديثهم وكتابتهم بالبسملة! ويتساءل أسئلة عبقرية -تبارك اللهعن أول من استعمل البسملة!

وبكل اختصار معنى البسملة هو التيمن بذكر اسم الله في البداءة، ولذلك فالأصح فيها تقدير فعل مناسب لكل حالة كما سيأتي توضيحه، وأئمة اللغة تحدثوا عن معنى البسملة مبكراً، بل لقد أُلِّف في إعراب ومعنى البسملة رسائل كثيرة، وظني أن د. بشارة لا يعرف مفهوم (التقدير النحوي) فالعرب تحذف ألفاظاً في كلامها لموجبات متنوعة، وتصبح مقدرة تدل عليها قرائن السياق، ولذلك لم يتصور لهذا التركيب معنى إلا ما سمعه من استخدام في المحافل الرسمية والخطابات البروتوكولية، كعبارة (باسم الشعب) مثلاً.

وهذه العبارة معروفة في كلام العرب، وقد نقلها رأس النحاة في زمنه سيبويه (ت 180هـ) حيث يقول سيبويه: "ومثل ذلك: أول ما أقول أن بسم الله، كأنه قال: أول ما أقول أنَّه بسم الله...، وأما قوله: أن بسم الله، فإنما يكون على الإضمار، لأنك لم تذكر مبتدأ أو مبنياً عليه" (سيبويه، الكتاب: 3/165)، وكتاب سيبويه ديوان النحو العربي، فقد نقل فيه خلاصة علم مشايخه كالخليل والأخفش الكبير وعيسى بن عمر ويونس بن حبيب ونحوهم، وهو إمام النحو وحجة العرب كما وصفه الذهبي.

وقد اختلف نحاة البصرة والكوفة في تقدير المحذوف ها هنا، وهو الذي يتبين به المعنى، وقد لخّص ابن هشام اختلافهم حيث يقول: "جملة البسملة: فإن قدر ابتدائي باسم الله فإسمية، وهو قول البصريين، أو أبدأ باسم الله ففعلية، وهو قول الكوفيين، وهو المشهور في التفاسير والأعاريب، ولم يذكر الزمخشري غيره، إلا أنه يقدر الفعل مؤخراً ومناسباً لما جعلت البسملة مبتدأً له، فيقدر باسم الله أقرأ، باسم الله أحل، باسم الله أرتحل، ويؤيده الحديث: باسمك ربي وضعت جنبي" (ابن هشام، مغني اللبيب، ص495).

والمراد أن قول (بسم الله) معناها أبتدئ بذكر اسم الله على سبيل التيمن والاستعانة سواءً كان في كتابة أو قراءة أو طعام أو غيره.
وقد ألّف علماء الإسلام في معاني (البسملة) مؤلفات خاصة، منها: شرح البسملة لابن أم قاسم المرادي، وشرح البسملة والحمدلة لزكريا الأنصاري، والحلية في البسملة لابن عبد النور، وشرح البسملة للمدني، وعلى بعض هذه الكتب شروح وحواش.

حسناً.. دعنا نفترض أن معنى (البسملة) هو ما ذكره النصراني عزمي بشارة، وهو (التحدث نيابة عن أحدٍ ما)، فتعال نختبر هذا التفسير على النصوص العربية: يقول الله: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41]. فنبي الله نوح يأمرهم أن يقولوا (باسم الله) حال ركوبهم، كما يلخص العلامة محمد الطاهر بن عاشور ذلك فيقول: "والباء في بسم الله للملابسة، مثل ما تقدم في تفسير البسملة، وهي في موضع الحال من ضمير اركبوا، أي ملابسين لاسم الله، وهي ملابسة القول لقائله، أي قائلين: باسم الله" (ابن عاشور، التحرير والتنوير، ص12/73).

فلو طبقنا ما يقوله النصراني بشارة في معنى البسملة لكان معنى (بسم الله) التي قالوها: أي إننا نركب نيابة عن الله! فهل يستقيم المعنى؟! خذ مثالاً تطبيقياً آخر نختبر فيه نظرية النصراني بشارة في تفسير البسملة:
يقول الله تعالى في التسمية على الذبائح: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118]، ويقول: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [الحج: 36]. ويقول الله في التسمية على الصيد: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عليه} [المائدة: 4].

فالآيات أمرت بالتسمية، والتسمية كما جاء في السنة: "وأتي بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: «بسم الله، والله أكبر»" (أبو داود: 2810). -حسناًفهل المسلم إذا نحر ذبيحته وقال (باسم الله) يكون المراد أنه يذبح نيابةً عن الله، كما يقترح النصراني بشارة في معنى التسمية؟!

والبسملة موجودة في مفتتح كل سورة إلا التوبة بإجماع المسلمين، يقرؤها المسلمون منذ قرأوا القرآن، فهل المسلمون حين يستفتحون السورة بقولهم (بسم الله) يقصدون أنهم يتحدثون نيابة عن الله؟! يالذكاء النصارى!

وأما في السنة النبوية فقد وجّهنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحاح كثيرة للبسملة، منها في ذكر الإخلاد إلى الفراش، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه... ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي..» فلو كان معنى (باسم) النيابة، لكان المعنى (نيابة عنك يا ألله أموت وأحيا!) فهل هذا هو هو المعنى معاذ الله الذي لا يموت سبحانه {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58].

وجاء هذا المعنى في أذكار أخرى في الصحيحين وليس هذا مجال استيعابها، والمراد التمثيل.
وأما استعمال الصحابة للبسملة بشكل مبكر ففي البخاري عن أنس: "أن أبا بكر رضي الله عنه، كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم" (البخاري: 1454). بل حتى العرب الجاهليين يعرفون التسمية..

ومن ذلك أن سهيل بن عمرو لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكاتبه في قصة الحديبيبة اكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم» قال سهيل بن عمر: "أما الرحمن، فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب "باسمك اللهم" (البخاري: 2731). فهذا سهيل بن عمرو يعرف التسمية ويستعملها في المكاتبة، بمعنى البداءة بذكر اسم الله، وهذا النصراني يظن معناها (أتحدث نيابةً عن الله)!

على أية حال.. نصوص النحاة في إعراب البسملة كثيرة جداً، ونصوص المفسرين في تفسير معنى البسملة كثيرة وميسورة لأنك لا تكاد تجد مفسراً إلا وقد فسر معنى البسملة في مفتتح تفسيره، وهكذا في شروح الحديث، بل في شروح المتون أيضاً في شتى الفنون، لأن أهل العلم يبدأون كتبهم بذكر البسملة، فيأتي الشارح ويشرحها ويذكر ما قيل في إعرابها، واشتقاق الاسم، وحذف الألف، ونحوها من مسائلها.
والحقيقة أن هذا التهجم القبيح من هذا النصراني على واحدة من شعائر المسلمين وهي (البسملة)، ليست شأنا جديداً، بل لا تخلو كتب النصراني بشارة من طعون ماكرة في دين الإسلام، وسأذكر نموذجاً واحداً:

فمن طعون هذا النصراني أنه تهكم بوقاحة بحديث الإسراء والمعراج الثابت في الصحاح والسنن، والذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجع ربه في عدد الصلوات المفروضات من خمسين إلى خمس، كما في البخاري: «فرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي» (البخاري: 349).

وهذا الحديث صحيح بإجماع أهل الإسلام، منتشر في الصحاح والسنن، ودلت عليه إجمالاً آية الإسراء.
فانظر ماذا يقول النصراني بشارة في التهكم بهذا الحديث: "لا يمكن عملياً فحص مقولة مشعوذ شاب خطيب، بأن النبي قد تفاهم مع الله حول عدد الركعات التي تصلى، في عملية أخذ ورد، كما يرويها باللغة العامية لتقريبها لأذهان السامعات" (د. عزمي بشارة، طروحات عن النهضة المعاقة، ص101).

هكذا يكون حديث المعراج الشريف ومراجعة الرسول صلى الله عليه وسلم ربه في شأن عدد الصلوات إنما هي شعوذة لا يمكن فحصها علمياً! اللهم شرف جناب نبيك صلى الله عليه وسلم عن وقاحة هذا النصراني، اللهم انتقم لنبيك صلى الله عليه وسلم ممن سخر بمعراجه الشريف.

والغريب حقاً أن تجد بعض شذاذ السعوديين ممن يبجل النصراني بشارة، وهو يسب دينهم ويسب أشخاصهم، خذ مثلاً: يرى النصراني بشارة أن مقاومة الخطاب الشرعي في السعودية للشيوعية والإلحاد ليست دفاعاً صادقاً عن الإيمان، بل دفاع عن النفط!

ويرى النصراني بشارة أن مقاومة الخطاب الشرعي في السعودية للقومية البائدة ليس في حقيقته دفاعاً عن الدين، بل دفاع عن التقاليد! حيث يقول بشارة: "في السعودية اتخذ الدفاع عن النفط غطاء الدفاع عن الإيمان ضد الإلحاد والشيوعية، والدفاع عن التقاليد ضد الحداثة القومية" (د. عزمي بشارة، أن تكون عربياً في أيامنا، ص82).

والله إنني أرثي له وأنا أراه ما زال يتعلق بأطلال القومية التي ركلها التاريخ!
ويكتمل مشهد المأساة إذا تذكر القارئ اللغة التبريرية التي قدمها عزمي بشارة للنظام السوري الوحشي في بدايات الثورة، ثم غيابه اليوم عن دعم الثورة الشامية المباركة.

أخيراً: من يعذرني في أقوامٍ من أمتي يصدّرون هذا النصراني الذي يتهجم على شعيرة الإسلام -البسملة- ويتهكم بحديث معراج نبينا صلى الله عليه وسلم، ويتهم علماءنا ودعاتنا أنهم لا يقاومون الشيوعية والقومية لدافع ديني، بل دفاع عن النفط والتقاليد! هذا النصراني يوجد اليوم من يصدره لفتيان أمتي.

هل ماتت الغيرة والحمية للإسلام في النفوس؟!
هل عقمت أرحام أمتنا من أن تلد المفكر السياسي المسلم المعتز بدينه، والمستقل عن النظم الفاسدة؟!
قتلنا الذل للغرب النصراني المستكبر المهيمن، فهل يجب أن يفرض علينا عدو من نصارى العرب أيضاً؟!
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه..