خطوات عملية ونصائح غالية للمحافظة على العمل الصالح بعد رمضان

لو نظرنا إلى حالنا قبل رمضان وحالنا في رمضان مع بعض الأعمال الصالحة ثم قارنا بين الحالين لتعجبنا كثيرًا، وبالمثال يتضح البيان: (تلاوة القرآن) فقبل رمضان ربما ذهبت أيام ولم نفتح المصحف، أما في رمضان فترانا نتنافس على ختم القرآن !

  • التصنيفات: ملفات شهر شوال -

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة على من لا نبي بعده وبعد:

تمهيد:
لو نظرنا إلى حالنا قبل رمضان وحالنا في رمضان مع بعض الأعمال الصالحة ثم قارنا بين الحالين لتعجبنا كثيرًا، وبالمثال يتضح البيان: (تلاوة القرآن) فقبل رمضان ربما ذهبت أيام ولم نفتح المصحف، أما في رمضان فترانا نتنافس على ختم القرآن! (الصيام) فقبل رمضان قد نعجز عن صيام يوم واحد، أما في رمضان فنصوم شهرًا كاملاً بكل يسر وسهولة! (قيام الليل) فقبل رمضان ربما كسلنا عن ركعة الوتر، أما في رمضان فنصلي التراويح بنفس منشرحة، بل في العشر، نصلي مع التراويح القيام، ولو جمعنا وقت التراويح والقيام لوجدنا أنه يستغرق ساعات..!

وقل مثل ذلك في سائر الأعمال الصالحة من صدقة ودعاء، وإطعام وصلة واجتماع، ونحو ذلك...،
ثم كذلك إذا خرج رمضان عادت الأمور كما هي من ترك الأعمال الصالحة، وعدم الاستمرار ولو لشيء منها! نعم، لا يختلف اثنان بأن رمضان مهيِّئ للعبادة، وأجواؤه تختلف عن بقية العام، والشخص فيه معان من الله، أضف إلى ذلك تصفد فيه مردة الشياطين، وكسر النفس بالصيام، وتشجع البعض بالبعض إلى غير ذلك من المساعدات، لكن.. لماذا لا نستطيع المحافظة ولو على القليل من الأعمال الصالحة؟ لعل التفسير الصحيح لهذا الحال يرجع إلى أمرين:

الأول: أن بعض الناس ليس عنده الرغبة في مواصلة العمل أصلاً بعد رمضان، فقط مستعد للعمل في رمضان، فترى من يصوم، لا ينوي أنه يستمر على الصيام ولو ليوم في الشهر، ومن يقوم لا يفكر أنه يقوم ولو بركعات، ومن يقرأ القرآن لا يخطط بأن يتلو ولو شيئًا يسيرًاً من القرآن كل يوم، ومن يزيد إيمانه لا يجتهد في مضاعفة أعماله بعد رمضان، وعلى هذا قِس، فأصبح فقط ينوي ابتغاء الأجر في رمضان.

ونتيجة ذلك أنه يترك ما كان يعمله بعد رمضان، وإن كان تحصيل الأجر مرادًاً في العبادات ويثاب عليه العامل، لكن ليس المراد الأسمى من فرض رمضان، والذي بينه الله في خاتمة أول آية وآخر آية من آيات الصيام بقوله تعالى: {..لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، {..لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة:187]، فالتقوى هي الأثر الأعظم من آثآر الصيام والقيام وبقية الأعمال الصالحة والتي تمتد آثارها بعد رمضان، فأصبح رمضان بذلك مدرسة يتمرن فيه المسلم على العبادات فيرتفع إيمانه، وتزكو نفسه، وتعلو همته، فيقبل على ربه في رمضان، ويستمر بعد رمضان في انشراح صدر واستعداد للعمل.

الأمر الثاني: في من يوجد عنده الرغبة في مواصلة العمل لكنه يتخبط بعد رمضان ثم ينقطع، والسبب في ذلك عدم معرفته الطريقة الصحيحة للمحافظة على استمرار العمل بعد رمضان. فترى بعض من يريد وينوي المواصلة يقع في اضطراب، فتراه يريد أن يواصل العمل الذي كان يعمله في رمضان بنفس الجهد والوقت فيأخذه الحماس ويبدأ العمل بعد رمضان، ثم لا يلبث إلا ويذهب عنه ما كان يعهده في رمضان من معينات -كما ذكر سابقـُا- فيقع في حيرة وملل، لأن العمل كبير والجهد يضعف شيئًا فشيئًا مع الوقت، فيذهب عنه الحماس وينقطع، فيصير كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى! وهذا في العمل الذي كان يعمل في رمضان.

والحل: حدد من الآن -وأنت في رمضان- الأعمال التي تحب أن تعملها بعد رمضان، من تطوعات ونوافل عملين أو ثلاثة فقط ولا تزد على ذلك، واحرص أن تكون الأعمال منوعة وموزعة من حيث: وقتها في اليوم، في الأسبوع، في الشهر، طبيعتها: صلاة، قراءة، صيام، تلاوة ونحو ذلك..، حتى لا يكون هناك ملل.

وهاكَ أمثلة لبعض الأعمال الصالحة: تلاوة قرآن، قيام ليل، صيام، تبكير للمسجد، جلوس بعد صلاة الفجر، قراءة كتاب، مراجعة قرآن، سنن رواتب، صدقة، حفظ قرآن، سنة الضحى، طلب العلم، دعوة إلى الله، تسجيل في دار، حضور درس وغير ذلك من الأعمال الصالحة مما كان يعمل في رمضان، أو من الأعمال الجديدة التي يريد الشخص البدء بها، أو مما كان يريد الرجوع إليها بعد تركها والإخلال بها، فإذا كان العمل مما يُبدؤ فيه في رمضان مثل تلاوة القرآن فحدد من الآن: المقدار، ومكان الجلوس وهكذا..


وبعد هذه المقدمة بين يدي الموضوع هاكَ صلب الموضوع:
خطوات عملية للمحافظة والاستمرار على العمل الصالح على النحو التالي:
أولاً: طلب الإعانة من الله: وذلك في كثرة الدعاء بالدعاء العظيم: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". وتضرع إلى الله بأن يوفقك ويفتح عليك ويثبتك على الأعمال الصالحة، فإن لم يُعِنك الله على عمل الأعمال الصالحة فلن ينفعك أي معين.

إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده


ثانيًا: أن يكون العمل قليلاً: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أدومها وإن قل»، وقال: «اكلفوا من الأعمال ما تطيقون» (رواه البخاري:6465). وقيل: قليل دائم خير من كثير منقطع، في البداية قليل وقليل وقليل حتى لا تمل ومن ثم تنقطع، بعد أن تتعود على العمل وتلتذ به نفسك زد عليه.

ثالثـًا: التدرج: إذا زدت فتدرج ثم تدرج ولا تكثر المقدار فتغص وتشرق، بل أكل العنب حبة حبة، واحذر! أشد الحذر من مداخل الشيطان وخفايا النفس في طلب الزيادة لأجل ترك العمل في الأخير بعد أن لا تستطع فتمل.

رابعًا: الورد اليومي: يحفظ العمل كالوعاء، فيجب أن تعرف ما هو الورد اليومي، يعني كل يوم يتكرر معك العمل لا بد من عمله مهما كان، فلا استمرار لمن لم يكن له ورد يومي، وهذا يجعلك عندما تتأقلم على هذا المفهوم تأتي بالعمل بنفس منشرحة، وفي المقابل عندما لا تعمله تحس بفقده وتحس بتخلخل يومك، وقد يكون العمل شهريًا كالصيام.

خامسًا: وقت ومكان: فلا بد من تحديد وقت يبدأ من كذا وينتهي في كذا، وتحديد مكان العمل والثبات عليه مهما كان، وعدم فتح باب تغيير المكان فمرة بالمسجد ومرة بالبيت ومرة هنا، ومرة هناك، بل يحدد المكان ولا يغير إلا عند وجود مصلحة في التغيير، ليس من باب مداخل النفس فاليوم تأجيل وغدًا تأخير والنتيجة: ترك العمل أو عدم الإتيان به بالصورة المطلوبة، فأغلق الباب واثبت، فمن ثبت نبت.

سادسًا: التعويض إن احتجت إليه: وإلا الأصل أن لا يكون عندك تعويض إلا في حالات ضيقة جدًا، فإن احتجت إليه فأدي واجبك ثم عوض، ولا يشغلك التعويض عن واجبك فيتراكم عليك فتمل وتترك العمل وهذا من أعظم ما تحذره.

سابعًا: المكافأة والحرمان: فإذا عملت وأنجزت فاحمد الله واشكره، فلولا إعانته وتوفيقه لما عملت، ثم أعط نفسك شيئا من المكافأة ولو بشيء يسير، وإذا لم تعمل فقم بحرمان نفسك من شيء كانت ترتاح له.

ثامنًا: الربط: اربط بعض الأعمال ببعض الأشياء الثابتة عندك فمثلاً: تلاوة القرآن اربطها بالصلاة مثلاً بعد صلاة العصر أو الفجر، واحرص أن يكون الوقت من الأوقات التي لا تنشغل فيها عادة.

تاسعًا: مدة العمل: حدد مدة للعمل سواء للوقت الذي يستغرقه عمل العمل، مثل الجلوس لتلاوة القرآن، أو مدة الاستمرار في العمل قبل الزيادة عليه.

عاشرًا: الزيادة: تكون بعد التعود والتمرن على العمل فلا تزيد قبل التمكن، والضابط تنفيذ ما رسمته لنفسك، وانشراح صدرك بوجود الرغبة واللذة بعدها زد.

الحادي عشر: الجدية والحزم: فلا بد من الجدية مع النفس في القيام بالعمل، وذلك عندما يزاحم مزاحم عندها تأتي المبررات من النفس بالتأجيل والتعويض، فإن استجبت فهذا تأخر، فإن لم تتدارك نفسك وتَجِدّ معها قد تتعثر، فاليوم تأجيل وغدًا تأخير ثم يترك العمل..

وهاك أمثلة تطبيقية وتقريبية قابلة للزيادة والنقص، العمل: تلاوة القرآن البداية: رمضان 1433 الزمن: بعد صلاة العصر المكان: المسجد أو مصلى البيت للمرأة.

المقدار: خمسة أوجه الوقت: 10 دقائق، زيادة العمل: بعد 3 أو 6 أشهر تزاد خمسة أوجه ليصبح عشرة أوجه. ومثال ثانٍ: العمل: صيام الاثنين البداية: بعد رمضان 1433 المقدار: فقط ثلاث اثنينات لتدرك فضلية ثلاثة أيام من كل شهر والرابع راحة، زيادة العمل: بعد رمضان 1434 يزاد آخر اثنين من كل شهر ليصبح صيام كل اثنين، وهاك ثالث: العمل: قراءة كتاب، البداية: رمضان 1433 الزمن: بعد صلاة العصر المكان: المكتبة أو مكان هادئ في البيت، المقدار: 20 صفحة تقريبًا، الوقت: 20 دقيقة زيادة العمل: بعد 6 أشهر تزاد: 20 دقيقة. والكل ينظر في أمره ويفعل ما يناسبه. {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمرآن:159].


(هوامش ومتفرقات)
- ليكن لك سهم: الأصل أن المسلم يجتهد بأن يكون له سهم في كل عمل صالح، ولكن قد يصعب ذلك، فجاهد بأن يكون لك ولو عمل قليل في بعض الأعمال الصالحة، وانظر بماذا يُفتح عليك وترتاح إليه نفسك، فمثلاً: رأيت أن الصيام سهل عليك فأكثر منه، وهكذا.. مع جعل لك نصيب في أكثر الأعمال.

- الكثير من الأعمال: ولو طبقنا هذه الطريقة بأن نضيف بعد كل رمضان عملين أو ثلاثة لوجدنا أننا بعد ثلاثة رمضانات صار عندنا الكثير من الأعمال والتي نعملها بكل يسر وسهولة، وهذا إنجاز عظيم! وحينها تجد نفسك تعمل أعمالاً صالحة كثيرة بكل يسر وسهولة وتزيد فيها ما تشاء.

- ترك الأعمال: وحتى لو تركنا بعض الأعمال بعد رمضان ولم نتمسك إلا ببعض الأعمال القليلة فهذا لأجل الموازنة، فإننا في الحقيقة لم نترك هذه الأعمال زهدًا بها بل حتى لأجل أن لا تؤثر على الأعمال الأخرى والتي في النية عملها بعد رمضانات قادمة إن شاء الله -إن أمد الله في أعمارنا-.

- بعد رمضان: وسبب تحديد البدء في العمل بعد رمضان هو لأجل ما يحصل عليه المسلم من زيادة الإيمان وما يراه في نفسه من استعداد للعمل بعد رمضان، فيستغل ذلك في زيادة أعمال صالحة تقربه إلى ربه لكن لو رأى من نفسه نشاط واستعداد في بقية العام فإنه يبادر ولا ينتظر رمضان.

- من أسرار العمل القليل (هام جدًا): عند عمل العمل الجديد فإنه يجتمع على النفس مشقتين: الأولى: الوقت الذي سيصرف في هذا العمل الذي يخالف نزعات النفس وشهواتها، بل هو حبس لها في اقتطاعه، المشقة الثانية: نفس العمل ففيه شيء من المشقة مهما كان فإذا اجتمع في الوقت المبذول والعمل القلة لم تجد النفس صعوبة في قبوله، ولكن يبقى الجهد المبذول في المحافظة على استمراره بل ستنقلب الأمور إلى وجود رغبة عند النفس في هذا العمل، ولكن هذا بعد مدة بعد أن تتعود نفسك عليه. وهنا تكون قد تحكمت في نفسك في العمل فتزيد ماتشاء..

لكن تصور لو أن وقت العمل طويل ونفس العمل كثير فإن النفس لن تقبل به سريعا، بل سيكون عليها ثقيلاً، ومهما طاوعتك في البداية وتغلبت عليها بالحماس فإن هذا الحماس لن يستمر، ومن ثم ستتغلب عليك نفسك، والنتيجة: إما ترك العمل أوعدم الإتيان به على الصورة المطلوبة -وهذا في الغالب- لكن بعض الناس يوفقه الله فيقويه ويعينه ويأتي بما يريد من الأعمال، و{فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} [المائدة:54].

إذا كانت النفوس كبارًا *** تعبت في مرادها الأجسام


لكن أمثالنا ممن أصابهم الكسل والفتورلابد لهم من مُسايسة نفوسهم، ثم الاعتماد على الله في طلب العون على ذلك.

- مزلق خطير وخفي: وهو من مداخل الشيطان الخفية والخطيرة، والمتمثل في إزعاجك في طلب الزيادة وأنك قادر على ذلك، فتنبه من هذا الذي وقع فيه الكثير من الذين تركوا العمل، واثبت على قليل وقليل وقليل العمل.

- البدايات: عليك بالبداية بالقليل بل باليسير وعدم الاندفاع مهما رأيت من نفسك قبولاً، ففي البدايات لا حكم لما تجده في نفسك من محبة للعمل أو حب في الزيادة، فقد يكون من مداخل الشيطان وخفايا النفس المخادعة، فكن على حذر بل أشد الحذر فهذه قاصمة الظهر! وهذه بداية الانحدار! واصبر على القليل مادمت في البدايات، وما دامت قدمك لم تثبت على العمل مرة تعمل العمل، ومرة تزيد ومرة لا تعمله ومرة تؤجل! فكن على حذر وأجل مسألة الزيادة، وحتى فيما بعد تكون الزيادة بتدرج.

هذا ما تيسر فما كان فيه من صوابٍ فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان وأسأل الله أن ينفعنا به ويكتب الأجر لكاتبه ومصححه ومن ساهم في نشره، كما أرجوه أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته اللهم آمين

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أخوك خالد بن عبد الرحمن الدغيري (أبو أسامة) 18/ 9/ 1433هـ
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام