الدعوة إلى الله بالتقنية الحديثة
كل ما يدعُ للخير بطريقةٍ مقبولةٍ شرعًا فهو خير، إلا أن العمل الدعوي هو عمل عبادي كما ذكرنا لا يمكن أن يكون جافا أو أن يتم بعيدا عن كتاب الله وعن التقوى وعن المساجد وركاب العلماء ودروس العلم، فلا يمكن لشخص منطوٍ متفردٍ وحده أن ينكب على الوسائل الحديثة ويظن أنه يدعو إلى الله بعيدا عن أهل العلم ..
- التصنيفات: الدعوة إلى الله - الدعاة ووسائل الدعوة -
السؤال:
شيخنا الفاضل...السلام عليكم ورحمة الله
اشتغل البعض من دعاة اليوم بالتقنية؛ فجعلها عنده الوسيلة الأولى في الدعوة إلى الله والتأثير على الناس من مونتاج للأفلام أو التصاميم؛ فجُل وقته إما بتصميم صور أو مونتاج للأفلام، فما هو رأيكم حفظكم الله في ذلك؟ وهل هي لمثل هؤلاء هدف أسمى لا بد أن يحسن مثل هذه الأمور ويطور فيها نفسه؟
الجواب:
الأخ السائل الفاضل...
الدعوة إلى الله أفضل الأعمال ومن أحسن القربات، قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 3]، وقال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 08].
والدعوة إلى الله نوعٌ من أنواعِ العبادةِ للهِ سبحانه، فهي إبلاغٌ لدِينهِ ومنهجه وقرآنه وسُنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعليم ذلك وتقويم الطرق والسبل، وتعريف الناس الحق من الضلال.
ومدارُ الدعوةِ إلى الله على التوحيد وتعريف الناس بلا إله إلا الله محمد رسول الله، وتفهيمهم واجباتهم ثم مستحبات دينهم وأحكامه المعاملتية. ولنا في أنبياء الله عليهم السلام جميعًا الأسوةُ الحسنةُ في ذلك، فقد أمضوا حياتهم وأعمارهم دُعاةً إلى الله سبحانه، وفي الحديث الثابت في صحيح مسلم وغيره لما سئلت عائشة «هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا قالت: نعم بعدما حطمه الناس» (مسلم: 732)، يعني من كثرة جهده وتعبه ومشقته في دعوة الناس إلى الله.
ولا شك أن كل شيء مباح يمكن أن يُستَغل في سبيل نشر التوحيد ومناهج الإسلام هو مقبول؛ بل يُستَحبُ اتخاذه ما دامت آثاره إيجابية واضحة، ولا يتسبب عنه مضرة أو سلبيات، ولا شك أيضا أن الوسائل الحديثة أثبتت فعالية مهمة في الدعوة إلى الله ونشرها على مستوى العالم، لكنني أنصح جميع الراغبين في العمل الدعوي لله سبحانه بعدة أمور بينما هم في طريقهم ذلك:
- أول ذلك: أن يراعي أحدهم نفسه، وإيمانه، وقلبه، ويقبل على دينه، ويتعلم شرائعه قدر استطاعته، ويؤمّن نفسَه مِن الفتن والمهلكات، ثم يبتدئ في الدعوة إلى الله، وليس قبل ذلك، فكثير من الشباب الطيب يتصدى للدعوةِ قبل أن يتمكن الإيمان من قلبه ويكون إثر ذلك خلل كبير فقد يقع في أخطاء شرعية وقد يتغير قلبه.
- كذلك على المتصدي للعمل الدعوي سواء بالوسائل الحديثة أو غيرها، أن يكون متفهما للمسائل والموضوعات التي يتصدى لها. فإنني كثيرا ما أرى من الطيبين ممن ينشرون ما ليس ثابتا ولا معتمدا؛ سواء من الأحاديث المنكرة أو الموضوعة أو الضعيفة، أو الدعوات الصوفية المنحرفة أو مثالها، فعلى كل منا أن يتعلم قبل أن يشتغل في ذلك.
- كذلك من المهم أن يلزم هؤلاء الشباب القائم بالدعوة إلى الله شيوخا ودعاة موثوقين أثبات، يعرِضون عليهم أعمالهم ويستشيرونهم فيها قبل نشرها، ويتداولون محتوياتها قبل التحمس لها.
وبالعموم، فكل ما يدعُ للخير بطريقةٍ مقبولةٍ شرعًا فهو خير، إلا أن العمل الدعوي هو عمل عبادي كما ذكرنا لا يمكن أن يكون جافا أو أن يتم بعيدا عن كتاب الله وعن التقوى وعن المساجد وركاب العلماء ودروس العلم، فلا يمكن لشخص منطوٍ متفردٍ وحده أن ينكب على الوسائل الحديثة ويظن أنه يدعو إلى الله بعيدا عن أهل العلم والدعوة والتوجيه والتربية وأعمال العبودية، لئلا تنزلق به القدم أو يتفرد به الشيطان.
وفق الله الجميع لكل خير وهدى.
خالد رُوشة
25/10/1433 هـ