أماه.. أماه..
عبد الرحمن بن صالح العشماوي
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
وإننا لنرجو من القراء الكرام الدعاء لها بالشفاء.
للشاعر الدكتور/عبد الرحمن بن صالح العشماوي.
الرياض 16/12/1425هـ
أمَّاه.. أمَّاه، غيث المقلةِ انسكبا |
في يوم عيدي، وجمرُ الحسرةِ الْتهبا |
|
قالوا: أتى العيد بالأفراحِ، قلتُ لهم: |
بالعيد نفرح لكنَّ الأسى غَلَبَا |
|
لمَّا أتى العيد، بشَّرْتُ الفؤادَ به |
فاستبشر القلبُ لكنَّ الأنين أبى |
|
يا ويحَ نفسي التي ما بين فرحتها |
وبؤسها ترقب النور الذي احتجبا |
|
نبادل الناسَ يا أمَّاه تهنئةً |
بالعيد، والقلب من آلامه وَجَبا |
|
نبادل الناسَ يا أمَّاه تَهْنِئَةً |
وكلُّ معنىً للفظ الفرحةِ انقلبا |
|
أهلاً وسهلاً، لمن يأتي نردِّدها |
وماردُ الحزنِ في أعماقنا وَثَبا |
|
وكيف تسلم لي في العيد تهنئة |
ولم أكحِّلْ بنور البسمة الهُدُبَا |
|
ولم أقابلْكِ يا أمَّاه في سَحَرٍ |
قبل الصلاةِ لأنسى عندك النَّصَبا |
|
ولم أجدْكِ على الكرسيِّ جالسةً |
كالبدر ما غاب عن عيني ولا احتجبا |
|
ولم أقبِّلْ جبيناً طاهراً وأرى |
وجهاً حبيباً يُريني البَدْرَ والشُّهُبا |
|
أَوَّاه، أَوَّاه يا أمَّاه من ألمٍ |
ما زلت أكتمه في خاطري لهبا |
|
أوَّاه من حالنا في البيت حين بكى |
ثَغْرُ الصَّباحِ ومعنى نورِه اضطربا |
|
أوَّاه من فرحة القلب التي اتخذتْ |
سبيلَها في محيطاتِ الأسى سَرَبا |
|
لولا دعائي لَمَا عادتْ إليَّ ولا |
جلَّى محيطُ الأسى طوفانَه اللَّجِبَا |
|
أمَّاه، يا شمعةَ الحبِّ التي طردَتْ |
ليل العناءِ ولم نُبْصِرْ لها لَهَبَا |
|
يكاد يقتلني شوقي الكبيرُ إلى |
سماع صوتِك، صوتاً لحنُه عَذُبَا |
|
لمَّا تنادين باسمي يزدهي حُلُمٌ |
به أرى كلَّ ما ينأى قد اقتربا |
|
بين المصلَّى ومُسْتَشفاكِ كنتُ على |
مشارفِ الأملِ الميمونِ مُرْتَقِبَا |
|
تزاحمتْ صورُ الذكرى على خَلَدي |
طفولةً وشباباً باذخاً وصِبَا |
|
وتضحياتٍ رأيناها، رَسَمْتِ بها |
طريقنا ومسحتِ الهمَّ والتَّعبَا |
|
تدور في فَلَكِ الأيَّام ذاكرتي |
تُعيد من صُوَر الأحلام ما ذَهَبا |
|
رأيتُ أمِّي إلى الوادي مهرولةً |
لتجلب التِّينَ للأطفالِ والعِنَبا |
|
رأيتُها في طريق البئر غاديةً |
تجرُّ بالحبل دَلْواً تملأُ القِرَبا |
|
رأيتها في حِمى ظبيان باحثةً |
عن يابسِ الطَّلْحِ حتى تَجْلِبَ الحَطَبا |
|
رأيتُها، إنها أُمِّي التي حَمَلَتْ |
عناءَنا فغدتْ أمَّاً لنا وأَبا |
|
أمَّاه دونَكِ صار البيتُ مُلْتحفاً |
بحزنه، وأَتانا العيدُ مُكْتَئِبَاً |
|
يا شمسَ منزلنا، لا زلتِ ساطعةً |
تمزِّقين دُجَى آلامنا إِرَبا |
|
إنَّا طلبناكِ ممَّن ليس يُعجِزُه |
شيءٌ، ونسألُه أن يُنجز الطَّلبا |
|
ما استَجْلَبَ المرءُ شيئاً بالدُّعاءِ له |
إلاِ وكان الرِّضا من بينِ ما جَلَبَا |
|
لولا سكينةُ إيمانٍ بخالقنا |
بها نسكِّنُ وجداناً إذا انتحبا |
|
لأبصر الناس من آثارِ حسرتنا |
شيئاً عظيماً ومن أحزاننا عَجبَا |
|
يَقينُنا مكَّنَ الصَّبْرَ الجميلَ لنا |
ومَدَّ للقلب نحو الخالقِ السَّبَبَا |
|
فنحن نطمع في إنعام خالقنا |
ونرتضي ما قضى فينا وما كَتَبا |
|
أمَّاه، صبرُكِ في الدنيا غَدَا مَثَلاً |
فما رأيناه في دربِ الجراح كَبَا |
|
كذلك الأُمُّ يَلْقى قَلْبُها عَنَتاً |
من الحياة، ولولا الصَّبْرُ لانشعبا |
|
ما الأُمُّ إلاَّ ينابيعُ الحنانِ جرى |
معينُ وجدانِها الصافي لمن شَرِبا |
|
ببرِّها تَفْتَح الجنَّاتُ ساحتَها |
وتمنَحُ اللؤلؤَ المكنونَ والذَّهَبا |
|
بابٌ إلى جنَّةِ الفردوسِ يُدْخلنا |
طُوبى لمن طرق الأبوابَ واحتسبا |
|
يَزكو الثَّرى تحتَ رجليها، فلا تَرِبَتْ |
يَدَا مُقبِّلِ رجليها، ولا تَرِبَا |
ولقد كتب علي الشثري - جريدة الرياض [الخميس 29 محرم 1426هـ - 10 مارس 2005م - العدد 13408]:
انتقلت إلى رحمة الله تعالى والدة الدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي إثر مرض عانت منه طويلاً وأديت صلاة الميت عليها في جامع الراجحي ظهر أمس.