معركة المقدسات.. والاعتذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم

لو أنصفتَ يا قلم لانكسرت ولو أحسستَ يا ورق لاحترقت، لأن الكلمة إن لم تقترن بالفعل فقد ولدت سفاحاً...
ونُصرة العاجزين هي النواح، فمن مِنّا يَجرؤ على الادعاء بأن الدموع تجزي عن التغيير، وأيُّ خداع للنّفس أن نلتمس البراءة بالبكاء...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - الأدب مع الله وكتابه ورسوله - محبة النبي صلى الله عليه وسلم -


لقد أحرق المشركين نجاحاتنا في ديار الإسلام، بعدما أسقطنا طغاته وبدأنا نبني صروح الأمة من جديد، أفزعهم وقض مضجعهم أن يعلو صوت الإسلاميين في دول الربيع العربي وفي مقدمتها مصر، وآلمهم وأحزنهم خطوات التقدم الظاهرة خطوة خطوة، فأبوا إلا أن يُعكِّروا الهواء النقي الذي بدأت نسماته في الهبوب، وصمّموا أن يصبّوا السُّم في المياه الرائقة، بعدما فشلت مساعيهم كلها في تنحية صوت الإسلام..

إنها حلقة مكرورة من مسلسل الإساءات بدأت منذ سنين، شارك فيها يهود ومشركون، خطوة مبتذلة خسيسة، يطعنون فيها بالتشويه رسول الخير والهدى وصاحب رسالة النور والبيان، الهادي البشير والسراج المنير محمد صلى الله عليه وسلم..

لسنا اليوم نكتب لهؤلاء القابعين خلف الخيانة والإساءة الذين أرادوا تشويه الصورة النورانية، فهؤلاء لا دين لهم ولا مبدأ، وقلوبهم تطفح بالحقد والبغضاء، ولا لهؤلاء الساسة الغربيين الذي يلونون مبادئهم كل يوم بلون جديد يتآلف مع النفعية والمصلحة، ويتفق مع ما يمكن به الإضرار بالإسلام وأهله..

ولست كذلك أكتب للعلمانيين والليبراليين في أوطاننا المسلمة، الذين ما فتئوا يخدعوننا ويخدعون أنفسهم بمعاني الرقي والتقدم والحرية والتجرد وعدم التطرّف، ولم يهدؤوا يوماً في هجمتهم على الإسلام وَوسِمهم الإسلاميين بالإقصائية والتفرد.

إنما أكتب حسرة على صنفين من المسلمين..

الأول:

هم العلماء وقادة الرأي الذين أدمنوا أن تكون مواقفهم كلها عبارة عن ردود أفعال لإثارات الغير، وارتضوا أن تكون خطواتهم عشوائية سطحية غير مرتبة ولا منسقة ولا سابقة ناهيك عمن آثروا السكوت والخنوع، وأصابهم داء البكم والصمم!

والثاني:

هم أولئك المسلمون الذين انشغلوا بمعاشهم وشئونهم الخاصة عن نصرة دين الله وهو ينتهك.. ونصرة رسوله وهو يسب ويستهزأ به....

لماذا يجترئ العالم علينا نحن وعلى مقدساتنا ورموزنا المكّرمة؟
لماذا دوما نكون نحن الضعفاء في المشهد، ونكون دوما أصحاب رد الفعل؟!

أيُّ حرقة تنتابنا، أيُّ ذلة تخيم علينا؟! أيُّ انكسار ذاك الذي جنيناه أن يسخر من مقدساتنا ورموزنا ونحن نسمع ونشاهد؟!.. نُلملم أطراف الخيبة ونمسح دموعنا كفعل النساء، بينما يقول المتحدث باسم الإدارة الأمريكية "نحن لا نستطيع إلغاء الفيلم -المسيء- لأننا لدينا حرية الإبداع!

ها نحن نُخبئ رؤوسنا من أبنائنا مَخافة أن يسألوننا ماذا فعلتم نُصرة لأعلى قيمة وأرفع مبدأ، وددنا لو سترنا وجوهنا وغيرنا ملامحنا وتبرأنا من أسمائنا وعناويننا..

فيا أيها العالَم اشهد أننا بغير مبادئنا وقيمنا وشعائرنا ومقدساتنا فقراء كالجمادات، ضعفاء كأطفال رُضّع، ذاهِلون كالعاجز عند غرغرة الموت.

إن التآلف مع المذلات فعل الرقيق الأذلاء، وقد خلقنا الله أحراراً ثم زادنا الإسلام حرية على حرية وخرجنا لنخرج العباد من عبادة المادة والمخلوقات إلى عبودية طاهرة نقيّة تملؤها الحرية وترفرف عليها العزة والفخار..

لقد سرنا في طريق بدأه الأنبياء.. فأيُّ عِزّة هي عزتنا بديننا.. وأيُّ فَخَار هو فخَارنا بنبينا صلى الله عليه وسلم، إننا نرفع شعاره مؤذنين كل يوم على أعلى القمم..

فيا أيها العالم الأسير لقد بنى لنا محمد صلى الله عليه وسلم صرْح الحرية الحقيقية في صدورنا وعلمنا بناء المجد التليد على الثرى من حولنا.. فمهما بنيتُم صروح العِمارة لن تبلغوا شأن وَرفعة كوخ صلى فيه ذاك الرسول..

لو أنصف القلم لسال منه الدم لا الحبر. ولنطلق كل حرف صرخة ترتطم في الجنبات..

كلما حاولتُ الكتابة تدافعتْ المشاعر والكلمات والدموع حتى تفيض، ويغصُّ الحلق، وتغرورقَ العينان فلا أجدُّ مُتنفساً.. لينكسر سنّ القلم في صدري ولا أحتاج إلى قلم حبر لأكتب بل أتوسّل قلماً من رصاص.

لو أنصفتَ يا قلم لانكسرت ولو أحسستَ يا ورق لاحترقت، لأن الكلمة إن لم تقترن بالفعل فقد ولدت سفاحاً...
ونُصرة العاجزين هي النواح، فمن مِنّا يَجرؤ على الادعاء بأن الدموع تجزي عن التغيير، وأيُّ خداع للنّفس أن نلتمس البراءة بالبكاء...


ونحن ههنا نتوقف عند عدة نقاط هامة:

أولاً:
تُبين تلك المواقف ومثيلاتها كم نحن بحاجة إلى هيئة عالمية قوية لأهل السُنّة تُمثّل مرجعية لهم وتُدافع عن حقوقهم، ويكون لها عمقها وأثرها في تسييّر الشارع المسلم والضغط به على الحكومات لاتخاذ المواقف المطلوبة، ولاشك أن هناك بعض المحاولات المشكورة لتكوين هيئات لأهل السُنّة إلا أنها بحاجة إلى دعمٍ كبير من جميع المعنيين والقادرين والمؤثرين بل والمسئولين للوصول للمستوى المطلوب، حتى لا تبدو ضعيفة الأثر أو قليلة الحيلة تجاه الأحداث الجِسام..

وأرى أن ذلك دور يجب أن يتحد فيه قادة الرأي في العالم الإسلامي من خلال مجموعة تضع على كاهلها القيام بدور الوساطة والتنسيق بين قادة الرأي في العالم الإسلامي على مختلف توجهاتهم المعتبرة.

ثانياً:
نحن بحاجة إلى تفعيل دور الإعلام الإسلامي في مُقابل هذا الإعلام المضادّ والذي يُشوّه الإسلام في كل يوم ويبتكر ويخترع في ذلك السبيل..

وفي هذا الشأن يجب تغيير لغة الخطابَ الإعلامي الأحمق الذي نراه كثيراً من بعض المُتعالمِين الذين يستغلون المنابر الإعلامية لغليظ الألفاظ وثقيل الشتائم من أجل نُصرة فكرة قد تكون مختلفٌ فيها بالأصالة، نحن بحاجة إلى إعلام خبير راشد يكون على مستوى الحدث، وهنا يلزم احتضان الكوادر الموهوبة والقدرات الخبيرة وتجييشها في هذا المجال عبر منهجيّة واضحة وخطوات مترابطة.

ثالثاً:
نحن بحاجة ماسّة إلى تصحيح المسار التربوي والتكويني لأبنائنا فيما يخصّ ارتباطنا به وانتمائنا له وغِيرتِنا على ثوابته ومبادئه وقِيمَه، ولذلك فيجب وضع مناهج تربوية وتعليمية لتلافي ذلك الخلل الكبير.

رابعاً:
نحن بحاجة إلى مبادرات لحفظِ مقدّساتِنا على مستويات مختلفة، حقوقية ودبلوماسية وإعلامية، ولسنا أقلّ من اليهود الذين استطاعوا إقرار قانون تجريم المتعرض للسامية.

خامساً:
يجب أن نعمل على نشر الثقافة التقويمية عند الحماس، فليس ردّ الإساءة بمُجرد الصراخ والعويل، كما أنه لا يمكن أن يكون بالإضرار بالبلاد وبالمؤسسات ولا بأفراد الشرطة وأمثالهم الذين ربما يكون أحدهم أشدّ حباً للنبي صلى الله عليه وسلم من الآخر الذي يهاجمه ..

إنما رد الإساءة بالعمل المًرتب والمُنظّم والدؤوب على شتى المستويات، الاقتصادية منها والسياسية وغيرها، ولنا في مِنهاج النبوّة مرجعية ومردّاََ، فلا نرد الإساءة بالإساءة، ولا نفحش في القول ولا نسبّ الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عَدْوًا بغير علم.

سادساً:
لنزيد الفعل والجهد والأثر في نشر سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوضيح الصورة الحقيقية لرسالتنا السامية، وتيسير الطرائق لدعوتنا الإيمانية المباركة.


خالد رُوشه