أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة
الحج عرفة، ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنوا ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟
- التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -
إن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وسيد المرسلين.
وبعد:
الحج عرفة، ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنوا ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟
وأفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قال صلى الله عليه وسلم والنبيون قبله: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» [رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب].
يوم عرفة، يوم الحجِّ الأكبر، هو أعظم مجامع الدنيا، فهناك تُسكب العبرات، وتُقال العثرات، وتُرتجى الطلبات، وتُكفّر السيئات.
تالله إنه لمشهدٌ عظيم يجل عن الصفة، وموقف كريم طوبى لمن وقفه، فيه توضع الأثقال، وترفع الأعمال.
فينبغي للمسلم استغلال هذه اللحظات، بالاجتهاد في العبادات، والحرص على الطاعات، والإكثار من الدعاء والذكر والتلبية والاستغفار والتضرع وقراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذه وظيفة هذا اليوم، وهو معظم الحج ومطلوبه، فالحج عرفة.
وليحذر الحاج كل الحذر من التقصير في هذا اليوم العظيم، فما هو إلا أوقات قصيرة، وساعات يسيرة، إن وفق للعمل الصالح فيها أفلح كل الفلاح، وفاز كل الفوز، فكم لله في هذا اليوم من عتقاء.
ومن أعتق من النار فأي خير لم يحصل له بذلك، وأيّ شرّ لم يندفع عنه؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حُرِموا من خيره وفضله، إن فاتهم هذا اليوم فلم يمكنهم تداركه.
وليكثر المسلم من ذكر الله تعالى لينال السبق، سبق المفردون {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] .
ويكثر من قول "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، فإنهن خير مما طلعت عليه الشمس، وإنهن ينفضن الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها، وهن غراس الجنة، يغرس لك بكل كلمة منهن شجرة في الجنة، وهن منجيات ومقدمات، وهن الباقيات الصالحات.
وليحذر من الحرام في طعامه وشرابه ولباسه ومركوبه وغير ذلك، وليحذر من المخاصمة والمشاتمة والمنافرة والكلام القبيح، «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وبِبيتٍ في وسطِ الجنة لمن تركَ الكذبَ وإن كان مازحاً، وبِبيتٍ في أعلى الجنة لمن حَسن خلقه» [رواه أبو داوود، وحسنه الألباني].
ويحذُر من احتقار من يراه مقصراً في شيء، أو رثَّ الهيئة، فربّ أشعثَ أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، وليحترز من انتهار السائل ونحوه.
ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل، ويكثر من الذكر قائماً وقاعداً، ويكرره بخشوع وحضور قلب، ويهتم به، ويستفرغ الوسع فيه، ويواظب عليه، فلا يزال لسانه رطباً من ذكر الله تعالى، فما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله، فذكر الله تعالى خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخيرلكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن يلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم.
وليكثر من كلمة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
فإنها الكلمة الطيبة، والقول الثابت والكلمة الباقية، والعروة الوثقى، وكلمة التقوى، وأفضل الأعمال، وأفضل ما قاله النبيّون، وأفضل الذكر.
وليَحرص الحاج على التضرع لله تعالى، والتذلل والخشوع، والضعف والخضوع، والافتقار والانكسار، وتفريغ الباطن والظاهر من كل مذموم، ورؤية عيوب نفسه وجهلها وظلمها وعداونها، ومشاهدة فضل ربه وإحسانه، ورحمته وجوده، وبرّه وغناه وحمده.
وليكن في هذا الموقف حاضر الخشية، غزير الدمعة، فرقاً من ربه جل وعلا، مخبتاً إليه سبحانه، متواضعاً له، خاضعاً لجنابه، منكسراً بين يديه، يرجو رحمته ومغفرته، ويخاف عذابه ومقته ويحاسب نفسه، ويجدد توبة نصوحاً، وليخلص التوبة من جميع المخالفات مع البكاء على سالف الزلات، خائفاً من ربه جل وعلا، مشفقاً وجلا باكياً نادماً مستحياً منه تعالى، ناكس الرأس بين يديه، منكسر القلب له.
يدخل على ربه جل جلاله من باب الافتقار الصرف، والإفلاس المحض، دخول من قد كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وشملته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل، وكمال فاقته وفقره إليه، وأن في كل ذرةٍ من ذراته الظاهرةِ والباطنةِ فاقةً تامة، وضرورة كاملة إلى ربهِ تبارك وتعالى.
وأنه إن تخلّى عنه طرفة عين هلك، وخسر خسارة لا تجبر، إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته.
فإنه إذا فرغ القلب وطهر، وطهرت الجوارح، واجتمعت الهمم وتساعدت القلوب، وقوي الرجاء، وعظم الجمع، كان جديراً بالقبول، فإن تلك أسباب نصبها الله مقتضية لحصول الخير، ونزول الرحمة، وليجتهد أن يقطر من عينه قطرات فإنها دليل الإجابة، وعلامة السعادة، كما أن خلافه علامة الشقاوة، فإن لم يقدر على البكاء فليتباك بالتضرع والدعاء قال تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].
قال أُبّي بن كعب رضي الله عنه: "عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما من عبد على السبيل والسُنّة ذكر الله فاقشعر جلده من مَخافة الله إلا تحاتت عنه خطاياه، كما يتحات الورق اليابس عن الشجرة".
وما من عبد على السبيل والسُنّة ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله إلا لم تمسه النار أبداً.
وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.
ويلح في الدعاء، لأنه يوم ترجى فيه الإجابة، ويدعو ربه تضرعاً وخفية، فالدعاء الخفي أعظم في الأدب والتعظيم للرب الكريم، وأبلغ في الإخلاص، وفي التضرّع والخشوع، ويجتهد في الذكر والدعاء هذه العشية، فإنه ما رُؤي إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر و لا أغيظ ولا أدحر من عشيّة عرفة، لما يَرى من تنزيل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رؤي في يوم بدر.
فينبغي للمسلم أن يرى الله من نفسه خيراً، وأن يهين عدوه الشيطان ويحزنه بكثرة الذكر والدعاء، وملازمة التوبة والاستغفار من جميع الذنوب والخطايا.
ثم ليُحسن الظن بالله تعالى، وليقوى رجاء القبول والمغفرة، فإن الله عز وجل أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وأغنى العالمين، عفو يحب العفو، غفور رحيم.
وينبغي للإنسان إذا لحقه ملل أو سآمة، أن ينوع في العبادة، وينتقل من حالة إلى حالة، فتارةً يَقرأ القرآن، وتارةً يُهلّل، وتارةً يُكبّر، وتارةً يسبح، وتارةً يَحمد، وتارةً يَستغفر، وتارةً يَدعو، أو يَشتغل مع إخوانه بمدارسة القرآن، أو بمذاكرة علم، أو في أحاديث تتعلّق بالرحمة، والرجاء، والبعثِ والنشور والآخرة، حتى يلين ويرقّ قلبه.
وله أن يَستريح بنومٍ أو نحوه، وربما يكون ذلك مطلوباً إذا كان وسيلة للنشاط، والإنسان طبيب نفسه في هذا المكان، لكن ينبغي أن يغتنم آخر النهارِ بالدعاء، ويتفرّغ له تفرّغاً كاملاً.
قال عطاء بن أبي مسلم الخرساني: "إن استطعت أن تخلو بنفسك عشيّةَ عرفة فأفعل".
اللّهم تقبل منّا إنّك أنت السميع العليم، وتبّ علينا إنّك أنتَ التوّاب الرحيم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.