بائع السرور في يوم العيد
إن مجتمعاتنا تلك التي تعيش الآن في صراعات متشابكة على المصالح الخاصة لفي أمس الحاجة إلى فهم ذلك المعنى العظيم, الذي ينادينا أن سارعوا إلى إسعاد الناس في يوم عيدهم وتفريج الكرب عنهم وتخفيف آلامهم وإطعام جائعهم وقضاء الدين عن مدينهم, وإهداء السرور لحزينهم..
- التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -
كل الناس بحاجة إلى يدٍ حانية، تربِّت على أكتافهم في أوقات المصائب، وتقوِّم انكسارهم في أوقات الآلام، وتبلّل ريقهم بماء رَقراق عند جفاف الحلوق..
ومن طالت به خبرته بالحياة علم أن أعلى الناس فيها قدراً هم الناصحون لغيرهم بالعلم النافع، والمفرجون كرب الناس بالبذل والعطاء، والميسِّرون على المعسِّرين بالتضحية والفِداء، والباذلون جهدهم لإسعاد غيرهم..
وما أروع أن يلتقي ملهوف أو كسير أو يتيم بهؤلاء الكِرام بائعي السرور في أيام العيد.
وتذكّر معي ذالك الصحابي الذي أسرع بكل قوته ليبشر الثلاثة الذين خلفوا بعفو الله عنهم وصدره يمتلىء حبّاً وفرحاً وسعادة وسروراً، حتى إنه لم ينتظر حتى يصل إليهم بل بدا يناديهم من بعيد من على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب ابن مالك أبشر، يقول كعب: فخررتُ ساجداً وعرفتُ أنه قد جاء فرج، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عزّ وجل علينا.
إن ذلك الصحابي المنادي لهو من بائعي السرور والسعادة للناس، المسارعين في إسعاد غيرهم ولو على حساب إرهاق أنفسهم..
وانظر معي أيها القارىء الكريم وأنت في يوم عيد ونداء النبي صلى الله عليه وسلم يرفع قدر بائعي السرور، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إن من أحبّ الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن، وأن يفرِّج عنه غماً، أو يقضي عنه دينًا، أو يطعمه من جوع» [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الألباني في الصحيحة 1494].
وفي رواية للطبراني: «إن أحب الاعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض: إدخال السرور على المسلم، كسوت عورته، أو أشبعت جوعته، أو قضيت حاجته».
وللطبراني أيضاً عن عائشة رضي الله عنها: «من أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً لم يرض الله ثواباً دون الجنة».
وياله من ثمن كبير هائل يتقاضاه بائعوا السرور لقاء سلعتهم الغالية التي يبيعونها للناس في يوم عيد، إن ثمنهم الذي يتقاضونه من جنس سلعتهم التي يبيعون، إنه إسعادهم في يوم الكرب العظيم؛ عن أنس رضي الله عنه قال: «مَن لَقيَ أخاهُ المُسلِمَ بِما يُحِبّ لِيَسُرَّهُ بِذلك، سَرّهُ اللّهُ عزّ وجَلّ يومَ القِيامةِ».
إن هناك عيدا بطعم الألم قد يمرُّ على كل مكلوم، والآلام يداويها السرور، فمن يبيع؟ وبأيّ ثمن؟
إن مجتمعاتنا تلك التي تعيش الآن في صراعاتٍ متشابكة على المصالح الخاصة لفي أمس الحاجة إلى فهم ذلك المعنى العظيم، الذي ينادينا أن سارعوا إلى إسعاد الناس في يوم عيدهم، وتفريج الكرب عنهم وتخفيف آلامهم، وإطعام جائعهم، وقضاء الدَّين عن مدينهم، وإهداء السرور لحزينهم..
ويوم يتعلم الدعاة إلى الله معنى إدخال السرور على المسلم ويطبقون مقتضاه؛ سيضربون المثال الحي لمجتمع افتقدناه عبر سنين طويلة.
خالد رُوشه - 11/12/1433 هـ