إلى الدكتور حمزاوي: هؤلاء هم السلفيون؟
إن أكثر ما يحتاجه الوطن الآن هو البحث عن المشترك والبعد عن الإقصاء والتهميش ومصادمة ثوابت الأمة، وهذا لا يعني عدم اختلاف الطرح والمضمون ولكن على أسس من احترام الغير، وعدم السعي لهدم الآخر أو تخوينه، والذي من شأنه زيادة حدة الاستقطاب الحاد الذي وصل لمرحلة لا يعلم عقباها إلا الله.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
قرأت بجريدة الوطن يوم الإثنين التاسع والعشرين من أكتوبر مقالاً للدكتور عمرو حمزاوى هاجم فيه بشدة التيار السلفي وقرأت فيه العديد من التجاوزات تصريحاً وما بين السطور تلميحاً، ما يجعلني حريصاً على الرد على ما كتب.
ربما كان التيار السلفي بعيداً عن الممارسة السياسية الصريحة لفترات طويلة بسبب الاستبداد والظلم الذي كان يتعرض له أنصاره. فالسلفيون الذين كانوا يقتربون من السياسة في العهود البائدة كان مصيرهم الاعتقال والتعذيب، في الوقت الذي كنت تتمتع بكامل حريتك في العمل السياسي. يُحسب للسلفيين أنهم بعد الثورة هم أول من قاموا بتنظيم صفوفهم وشاركوا في الحياة السياسية معبرين عن فكرهم وآرائهم من خلال ما يكفله القانون والدستور من تنظيمات سياسية حزبية.
وأكثر ما يدهشني هو محاولة الدكتور حمزاوي تشويه تيار بأكمله وتحذير الشعب المصري منه وكأنه وصي عليه، هذه الممارسة التي دأب عليها الكثيرون من التيار الليبرالي والعلماني بهذه الفترة، بل وقد تعدى بعضهم ووصف شعباً بأكمله بالهمجية. لماذا لا تواجه من يخالفونك بأدوات فكرية متحضرة تظهر فيها بشجاعة توجهك السياسي والفكري فيتبعه من شاء ويخالفه من شاء؟ أليست هذه هي الممارسة الديمقراطية التي تتشدقون بها؟
بل إن التجاوز قد بلغ مداه عندما تروج لمصطلحات سلبية لإقناع القراء بفظاعة ورجعية السلفيين مثل: «الاتجار بالبشر وحقوق الأطفال» وغيرها من عبارات شأنها التسفيه من تيار بأكمله له تاريخه ووضعه الاجتماعي داخل المجتمع المصري الحقيقي بجميع أنحاء مصر، هذا في الوقت نفسه الذي واجه الدكتور عمرو مستمعيه بألمانيا وصرح لهم بأنه مناصر للعلمانية وأن استخدام المدنية إنما لمراعاة الواقع المصري. أليس هذا هو الخداع بعينه عندما تتعدد الوجوه دون التصريح بحقيقة ما يكنه ضميرك من انحياز سياسي؟
إن التحذير في المقال ليس للشعب المصري، بل ربما يكون لمن حولك من أصدقاء يميلون لما تميل إليه من انحياز واضح لدولة علمانية أبعد ما تكون عن مراعاة الشريعة الإسلامية بمضمونها وليس بشكل فلكلوري مطموس ليس له طعم ولا رائحة. إذا كنت صادقاً في البحث عن التوافق فابحث عن إرادة الشعب وقطاعاته المختلفة وقدم رؤيتك ورؤية من تمثلهم، ثم ابذل الجهد في الوصول إلى ما يقترب من إرضاء الجميع ويعبر عن رغبتهم. أما أن تقابل إرادة مخالفيك بالتسفيه والتشويه دون بذل الجهد في التعبير عن وجهة نظرك بشفافية كاملة ووضوح وتكتفي بإسقاطهم، فمن وجهة نظري هذه هي السطحية السياسية التي نعاني منها جميعاً الآن.
هذا لا يعني اتفاقي مع بعض ممارسات التيار السلفي السياسية، ولا يعني موافقتي على ما ورد بمسودة الدستور، التي أراها غير كافية، وبها الكثير من العوار السياسي والقانوني، وليست بالشكل المتوازن من حيث إدارة الدولة وسلطات الرئيس وغيره، ولكني أيضاً لا أوافق إطلاقاً أن يأتي دستور يحوي بنوداً تخالف الثوابت الإسلامية وتعيق إقامة الدين وتوجه المجتمع المصري نحو ثقافة غريبة ليست من أصل مكوناته الثقافية والدينية.
أخيراً، فإن أكثر ما يحتاجه الوطن الآن هو البحث عن المشترك والبعد عن الإقصاء والتهميش ومصادمة ثوابت الأمة، وهذا لا يعني عدم اختلاف الطرح والمضمون ولكن على أسس من احترام الغير، وعدم السعي لهدم الآخر أو تخوينه، والذي من شأنه زيادة حدة الاستقطاب الحاد الذي وصل لمرحلة لا يعلم عقباها إلا الله.
{وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
خالد منصور