الأمن السعودي.. محاولات الاختراق والتأمين

تفجير الأوضاع الأمنية داخل الخليج يصبُّ في مصلحة مصانع الأسلحة الغربية التي تعيش على الأزمات والصراعات وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحكومات؛ بل هي التي تأتي بها وتعزِلُها في أحيان كثيرة..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


زادت في الفترة الأخيرة المَخاطر التي يتعرّض لها الأمن السعودي من عِدة جهات لأسباب تَصبُّ معظمها في أن السعودية واحدة من أهم الدول العربية التي تحفظ التوازن في المنطقة.

وهي تُمثّل في نفس الوقت أحد خطوط الدفاع الرئيسية عن الشريعة الإسلامية ومذهب أهل السُنّة والجماعة ليس فقط في المنطقة العربية ولكن في العالم أجمع، ومن ذلك يُمكن أن نفهم الحادثة التي وقعت اليوم الإثنين عندما قَتل مسلحون إثنين من جنود حرسِ الحدود السعودي في كمين بأقصى جنوب السعودية قرب حدودها مع اليمن..

ورغم أن الجهات الأمنية أشارت إلى أن مُنفذي العملية الذين تم القبض عليهم هم من التابعين لتنظيم القاعدة، إلا أن هذه الحدود جاء منها في عام 2009م، الحوثيون الشيعة الذين تُحرِّكُهم طهران حيث قاموا بعدة عمليات عسكرية استهدفت جنوداً سعوديين ومواطنين مدنيين قبل أن ينسحبوا بعد تزايد الضغط عليهم من داخل السعودية ومن الجيش اليمني.

إلا أن هذا الخطر ما زال ماثلاً مع تصاعُد قوة الحوثيين في اليمن وتمددهم في عدة محافظات مُستغلين في ذلك حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد عقب الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، مع ورود معلومات عن محاولات مستمرة لحوثيين للسيطرة على ميناء استراتيجي على البحر الأحمر يُتيح لهم الإتصال بحرية أكبر مع العالم الخارجي وتلقي الأسلحة من إيران في مَعزلٍ عن الحكومة المركزية...

أضف إلى ذلك ورود معلومات عن تزايد النفوذ الإيراني في اليمن؛ ليس فقط عن طريق الحوثيين ولكن عن طريق التعاون مع الانفصاليين في الجنوب وشِراء بعض الصحف والإصدارات لتتحدث باسمها..

وليس خافياً موقف إيران الطائفي من السعودية ومن دول الخليج ككل، وتصريحات مسؤوليها العدائية ضِدّها والاستخفاف بجيوشها، واعتبار دولة مثل البحرين محافظة تابعة لها، والإصرار على احتلال الجُزر الإماراتية مع تقوية قواعدها العسكرية في الخليج، وتنفيذ مناورات برية وبحرية مُكثفة قرب حدود دول الخليج في رسالة تهديدية واضحة...

في نفس الوقت عزّزت إيران من وجودها في العراق الذي تقوده حكومة شيعية تضطهد بشدة أهل السُنّة وتحرص على أبعادهم عن مواقع القيادة..

وَوسط هذه المخاطر الخارجية لا يُمكن أن ننسى ما تشهده بعض المحافظات الشرقية السعودية التي يقطنها بعض الشيعة، والأحداث التي شهدتها في الفترة الأخيرة من اعتداءات مُنظّمة على قِوى الأمن واستفزازها بالقول والفعل؛ حتى وصل الأمر للتحريض على النظام من قبل مَرجعيات شيعية بارزة، مُستغلين في ذلك حالة الحِراك السياسي في العالم العربي مُتناسِين أن هذه الحالة مُرتبطة بمطالب شعبية عامة وليست طائفية وقد نبعت من استفحال الظلم والاستبداد وانتشار الفقر والفساد..

الموقف السعودي أيضاً مما يحدث في سوريا وإدانتها الصريحة لمجازر نظام الأسد يُثير فزع المُوالين لهذا النظام، الذي هدّد من قبل دول الخليج بأن يُفجِّر الأوضاع على أراضيها انتقاماً من وقوفها إلى جوار الشعب السوري.

ولقد رأينا كيف صدّر هذا النظام الوحشي أزمته إلى لبنان وألهب الخلاف الطائفي والسياسي هناك في محاولة لإبعاد الضوء عن جرائمه وهو ما يُخطِّط له أيضاً مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية..

تنظيم القاعدة أيضاً ينشُط بشدّةٍ في اليمن وقد تمكّن من الاستيلاء على عِدّة مناطق في اليمن قبل أن تستعيد الحكومة معظمها في وقتٍ لاحق، وهو يسعى لإعادة نشاطه في السعودية عن طريق الحدود اليمنية بعد أن تمكّنت السلطات السعودية من القضاء على معظم خلاياه في الداخل وعاد عددٍ كبير من مُعتنقي هذا الفكر عنه بواسطة الحوار..

التماسُك السعودي الخليجي والحديث عن وِحدة فيدرالية بين بلاده يُثير رعبَ العديد من الدول الغربية ومن ورائها "إسرائيل" التي ترى في الخليج مطعماً بثرواته الكبيرة ويتأكّد ذلك إذا ظلّ مشتتاً ومنهمكاً في شؤونه الداخلية..

وتفجير الأوضاع الأمنية داخل الخليج يصبُّ في مصلحة مصانع الأسلحة الغربية التي تعيش على الأزمات والصراعات وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحكومات؛ بل هي التي تأتي بها وتعزِلُها في أحيان كثيرة..

إن الإتحاد الخليجي في ظلِّ هذه الظروف الشائكة أصبح ضرورة مُلحّة كما أن تفعيل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك التي ما تزال حِبراً على ورق لم يعدّ رفاهية أو غرضاً تكميلياً فجميع الجهات تسعى لاستغلال الغليان الذي تعيشه المنطقة لصالحها، ولا يمكن أن تترك الدول العربية نفسها في مهبِّ الرياح دون خطة واستراتيجية أمنية واضحة.


خالد مصطفى - 20/12/1433 هـ