اقتراحات.. لقضية ( التخلف العلمي والتقني ) في العالم الإسلامي

ملفات متنوعة

هذه مقتطفات مهمة من رسالة الدكتور زغلول النجار -حفظه الله- " قضية
التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر"، عالج فيها أسباب
هذا التخلف العلمي والتقني ..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
هذه مقتطفات مهمة من رسالة الدكتور زغلول النجار -حفظه الله- " قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر"، عالج فيها أسباب هذا التخلف العلمي والتقني الذي تمر به أمة الإسلام؛ مما أدى بها إلى النكوص عن ركب الأمم المتقدمة (دنيوياً)، وهذا بدوره أدّى وقوعها في مرحلة الاستضعاف من أعدائها الذين تسلطوا عليها بسبب هذا الضعف، وحاصروها من جوانب عديدة. ثم ذكر -سلّمه الله- بعض المقترحات التي رآها نافعة في انتشال الأمة من هذه الوهدة الحضارية.

يقول الدكتور: "يمر المسلمون اليوم بفترة من أقسى فترات التحدي الحضاري في تاريخهم الطويل، ويبلغ هذا التحدي مداه في مجال العلوم والتقنية، حيث تخلّفت الدول الإسلامية تخلفاً ملحوظاً، بينما تقدمت المعارف في هذين المجالين تقدماً مذهلاً خلال القرن الحالي بصفة عامة، وفي النصف الأخير منه بصفة خاصة، مما ميز عصرنا بأنه عصر الصواريخ ورحلات الفضاء، وعصر الذرة والطاقة النووية، وعصر الإلكترونات والحواسيب الإلكترونية، أو بصفة أعم عصر العلوم والتقنية. وهذه مجالات لم تدخلها معظم الدول الإسلامية بعد، أو دخلتها بجهود فردية محدودة لا تكاد تساير تقدم العصر في ذلك، مما تسبب في وجود هوة شاسعة تفصل الدول الإسلامية (في زمرة الدول النامية) عن الدول المتقدمة علمياً وتقنياً، في زمن يتضاعف حجم المعلومات فيه مرة كل عشر سنوات تقريباً، وتتسارع القدرة على تجديد الإمكانات التقنية كل ثلاث سنوات". ( ص 21).

"كما أدى تفتيت العالم الإسلامي إلى انقسامه إلى دول متخمة بالثراء إلى حد البطر وأخرى معدمة إلى حد الفاقة، وبسبب انتشار الفقر، أُهملت عمليات التنمية البشرية والمادية؛ فقد أُهمل التعليم، وبإهماله تفشّت الأمية، وأُهملت الرعاية الصحية وبذلك تفشت الأمراض وساءت الأحوال الصحية، كما أهملت التنمية الزراعية والصناعية والاجتماعية، وبإهمالها تقلّص الاقتصاد، وزادت الديون، وغرقت الأمة في الربا، ولم يعد هناك مجال للأخذ بأسباب التقدم العلمي أو التقني.

ويرجع السبب الرئيس في فقر الدول الإسلامية إلى هذا التفتيت الذي لم يجعل لأي منها القدرة على القيام بذاتها، فغالبية الدول الإسلامية المعاصرة لا تمثل كيانات حقيقية نمت من خلال التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على المدى التاريخي الطويل -كما تنمو الدول عادة-، ولكنها في غالبيتها كيانات، رسمت حدودها الراهنة القوى الاستعمارية العالمية، وحافظت عليها لتبقى الأمة على هذه الصورة من التفتت الذي لا يُمكن أيًّا منها من تشكيل وحدة اجتماعية، اقتصادية متكاملة أو شبه متكاملة.

وإمعاناً في هذا التفتيت، فقد وظّفت القوى الاستعمارية -وما تزال- مبررات الفرقة كلها بين هذه الكيانات الممزقة من خلافات حدودية وسياسية وقبلية، وعرقية ومذهبية وغيرها في الإبقاء على فرقتها وإشعال الحروب الباردة والساخنة بينها.

ويهدف الحيلولة دون قيام أدنى قدر من التعاون بين الأشقاء، ودون تحرك المال الإسلامي بين الدول الإسلامية على شكل استثمارات تعين على تنشيط عملية التنمية، قامت الدول الكبرى بترتيب سلسلة من الانقلابات العسكرية، والانقلابات المضادة لتحدث جواً من عدم الاستقرار السياسي والفوضى الاقتصادية، التي لا تشجّع على تحرك أية أموال بينها، حتى لا تجد فوائض الدول الغنية فيها طريقها إلا إلى خزائن وبنوك الدول الكبرى ! ". ( ص 25).


الأسباب المادية لتخلف مسلمي اليوم علمياً وتقنياً

1-تمزّق العالم الإسلامي المعاصر إلى أكثر من خمسين دولة، بالإضافة إلى أقليات منتشرة في كل دولة من الدول غير الإسلامية، تفوق أعدادها مئات الملايين في بعض هذه الدول، واحتلال أجزاء عديدة من أراضي المسلمين مما أدى إلى تشتيت المقوّمات المادية والروحية والطاقات البشرية للمسلمين، في وقت أخذ العالم فيه الاتجاه إلى التوحد في تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية ولم يعد فيه وجود مستقل، أو إمكانية لمستقبل لأية تجمعات بشرية يقل تعدادها عن مائة إلى مائة وخمسين مليون نسمة.

وقد أدى تفتيت العالم الإسلامي إلى إفقاره على الرغم من ثرواته البشرية والطبيعية الهائلة. (ص 114-115).
"ويحزنني أن الكثيرين من أصحاب القرار يفضّلون حثالات الغرب والشرق من غير المسلمين على الكفاءات الإسلامية المتميزة انطلاقاً من مركبات النقص العديدة تجاه أصحاب العيون الزرق بصفة عامة، على الرغم من أن الممارسة قد أثبتت أن الوافدين إلى العالم الإسلامي من خبراء الشمال لا يخرج الكثير منهم عن كونهم عملاء للاستخبارات الأجنبية أو للحملات التنصيرية، أو سقط متاع لم يستطع أن يشق طريقة في عالمه المتطور حيث المنافسة على أعلى مستوى ممكن.

كما أثبتت الأيام أن أي مشروع نفّذ بأيدٍ غير إسلامية، هو فرصة ضيّعت على أبناء الإسلام وإلى الأبد، وكان من الأصلح للأمة أن ينفذ بأيدي أبنائها، ولو من قبيل التدريب وزرع الثقة بالنفس، فضلاً عن توفر الإخلاص والحرص على المصلحة العامة، والاحتفاظ بالأسرار، وهي من الضروريات التي يفتقر إليها غالبية المنفّذين من غير المسلمين، حتى لو كانوا أعلى كفاءة وأكثر خبرة". ( ص 116).

2-تفشّي الأمية بين المسلمين البالغين في هذا العصر:
تفشت الأمية بين المسلمين البالغين (أكبر من 15 سنة) في هذا العصر بصورة مزعجة تتراوح نسبتها بين 50% و80% (بمتوسط حوالي 58%) بينما تقل نسبة الأمية عن 2% في دول الشمال، ولا تتعدى هذه النسبة 45% في المتوسط في دول العالم الثالث بصفة عامة، وهذا يعني بوضوح أن أعلى نسبة للأمية بين البالغين في العالم هي في الدول الإسلامية المعاصرة، على الرغم من أن القرآن الكريم نزلت أولى آياته أمراً بالقراءة والكتابة، وتعظيماً لأدواتهما: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ . الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }.

3-إهمال دراسات العلوم والتقنية في العالم الإسلامي المعاصر.
في كثير من دول العالم الإسلامي المعاصر أهملت الدراسات العلمية والتقنية بصفة عامة؛ إما بسبب كثرة ما تحتاجه من تجهيزات ومختبرات وأجهزة ومعدات، وما وصلت إليه تكلفة ذلك في هذه الأيام من مبالغات، أو بسبب انطلاق البحث العلمي عند غير المسلمين من منطلقات مادية بحتة، تنكر أو تتجاهل كل ما وراء المادة، بينما الإيمان بالغيب يشكل لب العقيدة الإسلامية، أو للسببين معاً.
وبإهمال هذه الدراسات، ندرت الخبرات العلمية والتقنية في العالم الإسلامي المعاصر، وبندرتها تخلّفت أمتنا عن ركب التطور العلمي والتقني.
وتبلغ نسبة العلماء والتقنيين إلى مجموع تعداد السكان في الدول الإسلامية رقماً لا يذكر إذا قورن بنسبتهم في دول التقدم العلمي والتقني.

4-قيام مختلف المؤسسات العلمية والتقنية الحديثة في دول العالم الإسلامي كافة على أنماط مستوردة: لا تنبع من عقيدتها وتراثها، ولا من حاجات أفرادها ومجتمعاتها، مما أدى إلى غرابة هذه المؤسسات في بيئاتها، وغرابة خرّيجيها، وإلى العديد من الحواجز الاجتماعية التي حالت بين هذه المؤسسات وبين تحديد أهداف واضحة لها، وخطط محددة لعملها، كما حالت دون قيام خريجيها بواجباتهم كاملة في مجتمعاتهم.

5-استمرار اعتماد المسلمين على جامعات الغرب أو الشرق في تكوين طاقاتهم العلمية المتخصصة، دون محاولات جادة لتأسيس قواعد ذاتية راسخة للبحث العلمي وتطبيقاته في العالم الإسلامي، ومع ما يؤدي إليه ذلك من تقويض للقواعد المحلية التي لم تتمكن بعد من ترسيخ جذورها، فإنه يعرض شباب المسلمين إلى حملات التغريب التي نعاني منها بمرارة اليوم.

6-انعدام التخطيط والتنسيق والتعاون بين مختلف المؤسسات العلمية والتقنية في العالم الإسلامي المعاصر؛ مما أدى إلى تفتيت الجهود، وتكرارها في خطوط قصيرة متوازية في وقت ندرك فيه أن من عوامل تفوق كل من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها هو اتحادها، وتحركها كتجمع بشري هائل، فوق مساحات أرضية شاسعة، بتخطيط واحد، وهدف محدد، وندرك أيضاً أن دولاً مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية قد استطاعت أن تحقق قدراً من النجاح في اللحاق بالركب بفضل الكثافة السكانية العالية التي تتحرك ضمن إطار واحد، في تنسيق وتعاون تامين.

7-عدم وجود الحوافز المادية والمعنوية الكافية للمشتغلين بالبحث العلمي والتقني في مختلف دول العالم الإسلامي المعاصر، مما صرف الناس عن هذه التخصصات، وأدى إلى هجرة كثير من العلميين لمراكزهم، واتجاههم إلى النشاطات المالية والإدارية، وذلك لأن الحياة العلمية تحتاج إلى الكثير من المجاهدة والصبر والنزاهة والموضوعية، وليس كل الناس قادرين على ذلك، إذا لم يول الناسُ ما يستحقون من التكريم انصرفوا عن العلم.

8-عدم توفر وسائل البحث العلمي والتقني من الأجهزة والمواد والمعدات والقوى الفنية المساندة، والخدمات المكتبية والتوثيقية المتطورة في كثير من دول العالم الإسلامي المعاصر مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من العلماء والفنيين إلى خارج حدود العالم الإسلامي، وهذا في حد ذاته يمثل استنزافاً لأهم طاقات المسلمين ولأعظم إمكاناتهم، وذلك لأن غياب العناصر البشرية المثقفة والمدربة تدريباً علمياً وتقنياً عالياً، والقادرة على تحقيق عمليات التنمية الشاملة لمجتمعاتها المتخلفة، في عملية من النزف المستمر بالهجرة إلى الدول الغنية ابتداءً، أو بالامتناع عن العودة إلى أرض الوطن بعد قضاء فترة الدراسة أو التدريب بالخارج يشكل إهدار للكفاءات العقلية النادرة، وللخبرات العلمية العالية، ولأصحاب المهارات الدقيقة الذين أنفقت المجتمعات النامية على المراحل الأولى من تعليمهم وتدريبهم من ميزانياتها المنضغطة، ثم فقدتهم في وقت هي أحوج ما تكون لعطائهم.

وهذا النزف من الكفاءات البشرية يشكل خطورة كبيرة على المجتمعات النامية بصفة عامة، وعلى المجتمعات الإسلامية منها بصفة خاصة في الحاضر والمستقبل، وتكفي في ذلك الإشارة إلى ما نشرته جريدة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية مؤخراً، من أنه منذ بداية الستينيات وحتى منتصف السبعينيات فقدت البلدان النامية قرابة الأربعمائة ألف متخصص رحلوا إلى الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا) وهذا الرقم يمثل تحفّظاً شديداً لأن بعض البلدان الصناعية مثل استراليا -وهي من أكبر الدول المستقبلة للعقول المهاجرة- لم تدرج في تلك الإحصائية.

9-اعتماد الجامعات والمعاهد الفنية ومراكز البحوث في كثير من دول العالم الإسلامي المعاصر على أعداد كبيرة من الأساتذة والفنيين غير المسلمين الذين يفتقرون -في أغلب الأحيان- إلى الإخلاص المطلوب، والحماس اللازم، والقدرات الضرورية، أو الذين قد يندسون أساساً لأغراض تجسسية، أو تنصيرية، أو سياسية بهدف تقييد عملية التقدم العلمي والتقني والتحكم في مسارها، وتبديد ثروات المسلمين في مشاريع براقة ليس لها من المردود الحقيقي إلا ما هو لهم ولدولهم فقط، وذلك لأن إصرار الدول الكبرى على فرض هيمنتها على الدول النامية بصفة عامة، وعلى الدول الإسلامية منها بصفة خاصة يحول دون الأخذ بيد الدول النامية للحاق بركب التقدم العلمي والتقني.

10-عملية تمييز غير المسلمين في جامعات ومعاهد ومراكز بحوث دول العالم الإسلامي المعاصر، تمييزاً يفقد المسلمين حماسهم، ويطفئ فيهم جذوة الشعور بالأخوة الإسلامية والمصير الواحد.

11-تسليم المراكز القيادية في معظم جامعات العالم الإسلامي ومعاهده ومراكز بحوثه إلى أقل الناس تأهلاً لحمل أمانة المسؤولية والقيام بتبعاتها، وذلك انطلاقاً من العصبيات الضيقة، أو التكتلات الحزبية أو المذهبية.

12-اعتماد الدول الإسلامية على الاستيراد من الدول الأخرى بدلاً من التكامل الاقتصادي والصناعي والزراعي فيما بينها، مما أدى إلى خنق كثير من النشاطات الصناعية والزراعية في العالم الإسلامي، وإلى استنزاف أموال المسلمين، واستغلالهم، وفرض السيطرة عليهم من قبل الدول الموردة بتكتلاتها الصناعية والزراعية والتجارية المختلفة.


الأسباب المعنوية لتخلف مسلمي اليوم علمياً وتقنياً

1-غياب التطبيق الصحيح للإسلام نظاماً شاملاً للحياة في أغلب الدول الإسلامية.
2-غياب الفهم الصحيح لرسالة الإنسان.
3-غياب الشعور بالمعنى الحقيقي للأخوة الإسلامية وواجباتها.
4-الصراع الشديد بين دعاة التغريب -وأغلبهم ممن يرعاهم ويمدهم أعداء الإسلام في العالم الإسلامي المعاصر- ودعاة التأصيل (وهم كثرة ينقصها السلطان ).
5-الشعور الداخلي عند كثير من المسلمين المعاصرين (قيادة وأفراد) بالانهزام والتخلّف والضعف أمام التكتلات العالمية الكبرى.
6-الهوة الساحقة التي تفصل قلة من المثقفين عن السواد الأعظم من الأميين وأشباه المتعلمين.
7-غياب البيئة الصالحة للتقدم العلمي والتقني في ظل الاستبداد السياسي الذي يسود معظم دول العالم الإسلامي اليوم.


مقومات ووسائل التقدم العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر:

1- مقوّمات بشرية: يفوق تعدادها الألف مليون نسمة.

2- مقوّمات أرضية: تبلغ مساحة الدول المكونة للعالم الإسلامي أكثر من أربعين مليون كيلومتر مربع، ويمثل ذلك أكثر من ربع مساحة اليابسة.

3- مقوّمات بحرية: يطل العالم الإسلامي على مسطحات مائية عديدة تخترقها أهم خطوط المواصلات البحرية في العالم، وله موانئ هامة على كل من المحيط الأطلسي والهندي والهادي، وكل من البحر الأبيض والأحمر، والأسود، وبحر قزوين، كما يتحكم في مداخل كل من المحيط الهندي والبحر الأحمر والأبيض والأسود، هذا بالإضافة إلى عدد من المسطحات والقنوات المائية الهامة التي تعتبر إسلامية بأكملها مثل البحر الأحمر، والخليج العربي، وبحر عمان، والبحر العربي، وبحر مرمرة، وقناة السويس.

4- مقوّمات اقتصادية: وهذه تشمل مقومات زراعية وحيوانية عديدة، ومصادر للطاقة هائلة، وثروات تعدينية لم تقدر تقديراً نهائياً بعد، ومنشآت صناعية مختلفة.

5- مقومات تعليمية وتدريبية: تضم دول العالم الإسلامي اليوم أكثر من 224 جامعة، 335 معهداً عالياً من المعاهد المتخصصة، بالإضافة إلى ما يفوق التسعمائة من مراكز البحوث وأكاديميات العلوم والتقنية، وخمسة عشر مركزاً ومؤسسة للطاقة الذرية والنظائر المشعة (يتركز منها خمسة في الباكستان، وثلاثة في تركيا، واثنان في مصر، ومركز واحد في كل من أفغانستان، وإيران، والعراق، والجزائر، وتونس ).


العلاج لهذا التخلف

بالوسائل المادّية التالية:
أ- المبادرة بالعمل على محو الأمية بين المسلمين في خطة محددة الأجل؛ لأن الأمة الجاهلة لا يمكن أن يتحقق بها أي تقدم.
ب- إعادة بناء النظم التعليمية على أسس إسلامية صحيحة وموائمة لاحتياجات مجتمعاتنا.
ج- إعادة النظر في مهمة الجامعات والمعاهد العليا في العالم الإسلامي، والعمل على تطويرها كماً وكيفاً، وربط ذلك بمتطلبات التنمية الشاملة.
د- دعوة الدول الإسلامية إلى أن يكون لكل منها أجهزة لتنظيم البحث العلمي وتخطيط برامجه، تلتقي في أجهزة إقليمية وتنتهي إلى جهاز إسلامي عالمي واحد.
هـ- العمل على إنشاء سلسلة من المؤسسات الإسلامية للعلوم والتقنية يكون من بين مهامها:
1- الحصر الدقيق للكفاءات المسلمة في مختلف مجالات العلوم والتقنية.

2- ربط المسلمين المشتغلين بالعلوم والتقنية في مختلف أنحاء العالم في اتحاد عالمي للعلماء والمهندسين المسلمين يضم عدداً من الجمعيات المتخصصة على مستوى العالم، والتي تضم بدورها الجمعيات المحلية والأفراد المنتمين إليها بحيث يصبح كل متخصص من المسلمين عضواً في جمعية إسلامية محلية، وجمعية أخرى عالمية في تخصصه، وعضواً في الاتحاد العالمي للعلماء والمهندسين المسلمين.

3- وضع سياسة علمية وتقنية دقيقة ومستقرة وبعيدة المدى للعالم الإسلامي، والعمل على تنفيذها، وتكون هذه السياسة قائمة على المسح الشامل لكافة إمكانات العالم الإسلامي البشرية والطبيعية، ولاحتياجاته الآنية والمستقبلية، وتكون في نفس الوقت قادرة على وضع سلّم للأوليات في حدود زمنية ملزمة، وفي إطار القدرات المتاحة، وقادرة على تأسيس قواعد علمية وتقنية وإدارية متطورة، وعلى استيعاب المتغيرات الاجتماعية المصاحبة لكل ذلك، وعلى الخروج بحلول واقعية للتعجيل بالنهضة العلمية والتقنية الإسلامية من خلال الاستثمار الأمثل لكل الطاقات والقوى والمصادر المتاحة، وذلك في محاولة لتجاوز الفوارق الهائلة التي تحول بيننا وبين الوصول إلى المستوى العلمي والتقني للدول الناهضة بهما.

4- التنسيق بين مختلف المؤسسات العلمية والتقنية في العالم الإسلامي على أن يتم ذلك في إطار من التكامل وعدم الازدواجية ما أمكن، ويستحسن أن يكون عن طريق أجهزة إقليمية لتنظيم البحث العلمي وتخطيط برامجه، تنتهي إلى جهاز عالمي واحد.

5- مراجعة خطط البحوث العلمية والتقنية في العالم الإسلامي ووضع الأولويات لها بما يتفق واحتياجات المجتمعات المسلمة وروح رسالتها الإنسانية العالمية، والتخطيط لبرامج بحوث مشتركة بين الهيئات العلمية الإسلامية.

6- تشجيع البحث العلمي والتقني بين المسلمين؛ وذلك بعقد المؤتمرات والندوات المتخصصة، ونشر الدوريات العامة والمتعمقة، والتشجيع على التأليف والترجمة والنشر، وتخصيص المنح والجوائز والمكافآت، وغيرها من الحوافز، والتشجيع على تبادل الزيارات والخبرات والمعلومات.

7- مناقشة مشكلات العالم الإسلامي، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها، وفي مقدمتها بحث أسباب التخلف الصناعي والزراعي والاقتصادي والإداري والسياسي، وإهمال العديد من الثروات الطبيعية، والصناعات التحويلية والعسكرية الهامة، وهجرة المتخصصين والفنيين المسلمين، والعمل على وقفها، واستعادة من له رغبة في العودة ممن هاجروا، والتخطيط لتكامل اقتصادي صحيح بين كافة الدول الإسلامية، والعمل على ترشيد التجارة الخارجية.

8- إنشاء مراكز للبحوث العلمية والتقنية المتخصصة، ومراصد فلكية وأرضية، ومؤسسات للطاقة على أرفع المستويات العالمية في دول العالم الإسلامي في غير تكرار أو ازدواجية عشوائية، ويكون من مهام هذه المراكز استقطاب الطاقات المسلمة المحلية والمنتشرة في العالم على أساس من كفاءاتها العلمية، والتزامها بالإسلام، دون أن يكون لانتماءاتهم العرقية أو صلاتهم الشخصية دخل في الاختيار.

9- العمل على إعادة كتابة العلوم البحتة والتطبيقية من تصور إسلامي صحيح عن الإنسان والكون وعلاقتهما بالخالق العظيم.

10- وضع البرامج الزمنية المحددة لترجمة أمهات الكتب العلمية والتقنية المختلفة إلى اللغة العربية وغيرها من اللغات الرئيسة في العالم الإسلامي والتعليق على ما قد يرد فيها من أخطاء تتعارض مع قضية الإيمان، وذلك كمقدمة لاتخاذ القرار الضروري بجعل التعليم والبحث والنشر العلمي باللغة العربية أو باللغات المحلية في غير العالم العربي، انطلاقاً من أن تأصيل العلم والتفكير العلمي لدى أية أمة يتطلب استعمال لغتها.

11- العمل على إصدار مؤلفات ودوريات وموسوعات علمية وتقنية إسلامية عامة ومتخصصة باللغة العربية وبغيرها من اللغات المحلية في العالم الإسلامي.

12- تشجيع عملية النشر العلمي والتقني في العالم الإسلامي وتطوير كل ما يلزم ذلك من عمليات الطباعة والتوزيع، وما يعتمد عليه من صناعات.

13- الاهتمام بإعداد ورعاية الفنيين والمعاونين في شؤون البحث العلمي بقطاعاته المختلفة، في مختلف بقاع العالم الإسلامي.

14- التعاون في تأسيس قواعد إسلامية لصناعة الأجهزة العلمية والتقنية المتخصصة وصيانتها وتطويرها في مختلف أرجاء العالم الإسلامي حسب إمكانات كل منطقة، في شيء من التخطيط والتكامل.

15- التعاون في إنشاء مراكز للإعلام والتوثيق العلمي والتقني، والصناعي، ومصارف للمعلومات ولخدمة تجهيز البيانات، ومكتبات شاملة إقليمية وعامة، ودوريات متخصصة، ونشرات بمستخلصات البحوث، ومرافق لعقد اللقاءات والمؤتمرات العلمية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي يكون من مهامها تعريف الأجهزة العلمية والتقنية والصناعية المحلية بالتطورات والمنجزات العالمية، ونشر المعرفة على أن يقوم التنسيق الدقيق بين المراكز المختلفة، وأن ينتهي ذلك في هيئة مركزية واحدة للعالم الإسلامي تغذي المراكز الإقليمية وتتلقى عنها وتقوم بالتخطيط لمختلف أنشطتها.

16- التعاون في إنشاء مركز عام ومراكز إقليمية للملكية الصناعية ووثائق براءات الاختراع تقوم بتنسيق تشريعات الملكية الصناعية في العالم الإسلامي، وحماية حقوق المخترعين المسلمين، ودراسة الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص، وتبادل تلك الوثائق مع المراكز المشابهة في العالم.

17- العمل على تطوير تدريس العلوم في مختلف المراحل ليساير التطورات العالمية من حيث المستوى والوسائل والكتب والطرائق والمختبرات وغيرها من وسائل الإيضاح.

18- المبادرة بالعمل الجاد لتوحيد الأمة الإسلامية على مراحل منطقية عملية، فلم يعد هناك مجال لمجموعة بشرية يقل تعدادها عن 100 إلى 150 مليون أن تعيش بغير تبعية اقتصادية وما يتبع ذلك من رق ثقافي وسياسي وعسكري.


الوسائل المعنوية

1- العمل على إحياء المفهوم الصحيح للبحث العلمي والتقني في الإسلام، وبلورة النظرية الإسلامية للعلوم والتقنية، ووضع التفاصيل الدقيقة للدستور الأخلاقي الذي يفرضه الإسلام في هذين المجالين، وذلك لأن العلم لا يمكن أن يكون عملية مادية بحتة، خالية من القيم الروحية والأخلاقية، وإلا أصبح وبالاً على أهله وعلى الإنسانية جمعاء.

2- تعميق قيم البحث العلمي والتقني في نفوس المسلمين من الباحثين، والقائمين على الأجهزة الرسمية، وكافة الأفراد، ووضع الخطط اللازمة لتربية الجماهير المسلمة تربية علمية أصيلة تقوم على الإيمان بأن العلوم التجريبية هي قرآنية المنهج، وأن الأسلوب العلمي في التفكير ودوره في تطوير الحياة هو ضرورة إسلامية، ومن ثم فإنه يتوجّب على المسلمين بذل كل ما يملكون في سبيل نهضة الأمة الإسلامية علمياً وتقنياً، مرضاة لله واعتذاراً إليه، وذلك لأن القيام بالبحوث العلمية والتقنية في مختلف المجالات النافعة من فروض الكفاية التي تأثم الأمة كلها بتركها، وإهمالها أو التقصير فيها، وعليه فإنه يجب دعوة كل قادر إليها وتشجيعه عليها انطلاقاً من صميم الدعوة الإسلامية ذاتها.

3- إبراز إضافات المسلمين للعلوم في مختلف العصور، وتحقيق تراثهم والعمل على نشره وتعليمه، ودراسة الشخصيات البارزة من علماء المسلمين قدامى ومعاصرين، لإعادة الثقة إلى نفوس مسلمي اليوم ودفعهم إلى النهوض بمسؤولياتهم.

4- إحياء الشعور بالانتماء للأمة الواحدة بين المسلمين حتى يتهيأوا للوحدة الشاملة ويبدؤوا بالعمل الجاد لها، ويقضوا على العصبيات الجاهلية المقيتة التي استخدمت في تفتيتهم وتشتيت إمكاناتهم.

5- الدعوة إلى الالتزام الدقيق بالإسلام الصحيح على مستوى الأمة أفراداً ومجتمعات، والعمل على تطبيق قيمه وأهدافه حتى يتقلص تأثير عمليات التغريب التي تعرضت لها الأمة الإسلامية طوال القرن الحالي بصفة خاصة.

6- دعوة الناس كافة إلى الإسلام وفي مقدمتهم العلماء والمفكرون وأصحاب الرأي في الكتل العالمية الكبرى وهم الآن مهيَّؤون لتقبل الإسلام بعد أن سئموا الحياة المادية، وعاشوا ويلاتها، وأخذوا يتطلعون بحرص بالغ إلى ما يمكن أن يخلصهم مما هم فيه من بلاء، وبعد أن تبلورت المعطيات الكلية للعلوم في تأكيد واضح على حقيقة الخلق، وضرورة الآخرة، وحتمية الإيمان بالله، وليس أدل على ذلك من ظاهرة المد الإسلامي المعاصر في كافة أرجاء الأرض بين كبار العلماء والمثقفين، كما هي بين المظلومين والمستضعفين والمضطهدين.

7- إبراز الاستنتاجات الكلية للعلوم خاصة ما يؤكد منها على حقيقة الخلق وابتدائه، وعظمة الكون ووحدة بنائه، وإبداع حركته واتساعه، وإعجاز ظواهره وسننه وقوانينه، وحتمية نهايته وفنائه، وإمكانية الوحي السماوي، بل ضرورته، وحقيقة الموت والبعث والحساب، ولزوم الآخرة بما فيها من ثواب وعقاب، وأغلبها قضايا غيبية استطاع العلم أن يصل إلى أدلة منطقية عليها، وقد سبقه في ذلك وحي السماء بالآلاف المؤلفة من السنين.

8- إبراز الإشارات العلمية في القرآن الكريم، وإثبات سبقها للعلوم البشرية بالآلاف من السنين، وهي -على كثرتها، ودقة دلالاتها- وردت في سياق الدعوة إلى الإيمان بالله والدلالة عليه، لا في سياق عرض علمي مجرد، وذلك لأن القرآن في الأصل كتاب هداية، وليس كتاب علم خاص ، وعلى الرغم من ذلك أصبحت هذه الإشارات العلمية سبباً في إقبال الكثيرين من العلماء المعاصرين على الإسلام واقتناعهم به، لإيمانهم بأن هذه الحقائق العلمية -التي لم يتوصل الإنسان إليها إلا مؤخراً- لم تكن بالقطع متوفرة لبشر في حياة سيدنا محمد أو قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ، ولا لمئات من السنين من بعده، وهي في هذا الإطار دلالات واضحة على صدق دعوته، وحقيقة رسالته ، وعلى تلقيها عن خالق الكون ومبدع الوجود، الذي { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }".
انتهى كلام الدكتور.

قلت: هذه الاقتراحات تحتاج قبل كل شيء إلى أن تتعاون الدول الإسلامية جميعًا، وتعتصم بدعوة الكتاب والسنة، وتنبذ البدع والانحرافات بأنواعها، والتشرذم والشحناء بينها الذي صنعه وأجّجه العدو، وتلتقي من جديد حول فكرة (الجامعة الإسلامية) التي تزيدها قوة وعزًا؛ ثم تتآزر فيما بينها للخروج من هذا التخلّف ( الدنيوي )؛ كلٌ حسب جهده، من بعضها المال ومن البعض الآخر العقول و الأفكار ومن الثالث اليد العاملة.. وهكذا.

مع طرد الوساوس التي تجعلها أسيرة للأعداء، تخافهم أشد من خوفها من الله، وتنصاع لأوامرهم مخافة على دنيا زائلة على حساب دينها -للأسف- .

أسأل الله أن يهيئ للأمة من يعيد لها قوتها ومكانتها.