جنازة الإمام.. وجنازة البابا !
شريف عبد العزيز
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الاثنين 16 ربيع الأول 1426هـ - 25 أبريل 2005م
لقد حرص النصارى في جميع أنحاء العالم،على انتهاز مناسبة هلاك كبيرهم بابا الفاتيكان، لاستعراض قوتهم، وبيان مدى نفوذهم واتساع قاعدة أتباعهم، وبالقطع ساعدهم في ذلك قطعان المغفلين بإرادتهم الذين ملئوا الدنيا حزناً ورثاءً على رحيل رجل السلام العالمي !
واشترك في هذه الجوقة السخيفة كل رؤساء العالم تقريباً، وحرص النصارى على إظهار سيادتهم على سائر مذاهب النصرانية، وكذا سائر الأديان -الإسلام بالقطع- بزعمهم، من خلال الزخم الإعلامي الكاسح والتغطية الشاملة لمرض البابا الأخير ثم موته، ثم جنازته والتي توجت فيها كل المجهودات آلة الدعاية الإعلامية الجبارة لهذا الحدث العادي جداً، وتبجّح النصارى بهذه الجنازة؛ قائلين أنها أضخم جنازة عرفتها البشرية، وللأسف صدّق المسلمون ذلك، وتسرّب إليهم مفهوم سيادة النصرانية وانتشارها على مستوى البشرية، من خلال الأعداد الكبيرة التي حضرت الجنازة أو تابعتها خلال وسائل الإعلام، ونحن في هذا المقام نذكر المسلمين والبشرية، بجنازة واحد من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ونرى الفرق بينها وبين جنازة البابا التي وصفت بأنها الجنازة المليونية.
والجنازة التي سوف نتكلّم عنها، هي جنازة إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الذي رحل عن دنيانا في ربيع ثان سنة 241 هجرية، في صبيحة يوم جمعة، بعد الشروق بساعتين، وقد حضر غسله مائة من بيت الخلافة من بنى هاشم، وعندما أخرج نعشه من بيته ببغداد كان وإلى بغداد حاضراً وهو الأمير 'محمد بن طاهر' لأن الخليفة المتوكل العباسي كان في مدينة 'سامرا' وقتها، واجتمع الناس لحضور الجنازة، ومن ضخامة أعداد المشيعين، أمر الأمير 'محمد بن طاهر' بإحصاء الحاضرين، فوجدوا ألف ألف وسبعمائة ألف، أي مليون وسبعمائة ألف مشيّع، وقال الحافظ أبو زرعة: "بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف الناس فيه حيث صلوا على الإمام أحمد بن حنبل، فبلغ مقامه ألفي ألف وخمسمائة ألف"، أي مليونين ونصف المليون.
وقال الحافظ عبد الوهاب الوراق: "ما بلغنا أن جمعاً في الجاهلية ولا في الإسلام اجتمعوا في جنازة أكثر من الجمع الذي اجتمع على جنازة أحمد بن حنبل".
وقال ابن حاتم: "سمعت أنه قد أسلم يوم أن مات أحمد بن حنبل عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس".
ومن شدة حرص الناس على حضور الجنازة قال حجاج الشاعر: "ما كنت أحب أن أقتل في سبيل ولم أصلِّ على الإمام أحمد".
وهكذا نرى جنازة أحد أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وإمام من أئمة المسلمين، جنازته تفوق في العدد جنازة البابا الهالك، ولكن لابد من توضيح عدة نقاط لبيان حقيقة الفارق بين الرجلين؛ وشتان ما بين السماء والأرض..
أولاً: مات الإمام ودفن في نفس اليوم الذي مات فيه، في حين أن البابا مات السبت ودفن الجمعة أي بعد ستة أيام من موته، بعدما دعي الناس للحضور من كل مكان.
ثانيا: مات الإمام سنة 241 هجرية حتى لم تكن هناك هذه الآلة الإعلامية المهولة التي تراقب الأحداث وتنقل الأخبار من أقصى الأرض لأدناها في دقائق معدودة، ولم يكن معظم الناس يعرفون قرب موت الإمام، في حين أن الحالة الصحية للبابا محل متابعة إعلامية مركّزة وكاملة منذ شهور قبل موته، وتهيأ الجميع لذلك الحدث، وسافر بعضهم إلى الفاتيكان قبل الوفاة ترقباً لها.
ثالثاً: كم يبلغ تعداد سكان الأرض يوم أن مات الإمام سنة 241 هجرية، بالتأكيد لا يبلغ تعداد أقصى المتفائلين لسكان المعمورة حاجز المائتي مليون عرباً وعجماً ومن كل الأجناس، وكم يبلغ تعداد سكان الأرض الآن 'حوالي سبعة مليارات' وعند النسبة والتناسب يتضح الفرق.
رابعاً: أسلم يوم أن مات الإمام عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس، فكم يا ترى 'تكثلك' يوم أن مات البابا !
وهكذا يتّضح لنا الفارق الكبير بين جنازة الإمام، وهل يصحّ بعدها أن نصدق قولهم عن جنازة البابا أنها الأكبر في تاريخ البشرية؟ وهل حان الوقت للبُلهاء أن يغلقوا أفواههم المفتوحة إعجاباً وإكباراً لجنازة البابا ؟
ويتعرفوا على تاريخ أئمتهم ورجالهم ومصدر فخرهم وعزهم بين الأمم؟! أم أنه لا فائدة!!
المصدر: موقع مفكرة الإسلام