موقفنا تجاه تدنيس المصحف والدفاع عن القرآن الكريم

حازم القادري

{ <span style="color: #800000">قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ
أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ</span> }

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي العزيز الحكيم القائل في محكم التنزيل { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9]، والصلاة والسلام على النبي الآمين محمد بن عبد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى أله وصحبه أجمعين، المؤيد بالوحي المنصور بالمعجزات وأقواهن القرآن المعجز الخالد  ..

وَكَانَ لَهُ مِنْ مُعْجِزَاتٍ سَـوَاطِعٍ

 

تَجِلُّ عَنِ الحَصْــرِ المُوَاصَلِ وَالعَدِّ

وَأَعْظَمُـــهَا القُرْآنُ لاَ شَكَّ إِنَّـهُ

 

لَبَاقٍ مُحِيلُ الشَّــكِّ وَالقَوْلِ بِالْجَحْــدِ

تَحَدَّى بِهِ أَهْلَ الفَصَاحَةِ مَعْجِزاً

 

فَمَا كَانَ جَهْلاً كُفْرُهُمْ بَلْ عَلَى عَمْدِ



هذا القرآن العظيم أنزله تعالى { هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [النمل:2]، وقد جاء للعالمين من الإنس والجن نذيراً ليحذّر من عصى الله عقابه وناره، ومبشراً من أطاعه جنته ورضوانه، فقال تعالى { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان:1].

ويستغرب البعض الآن لما حدث من إهانة وتدنيس للمصحف الشريف على يد ثُلة نجسة من عبّاد الصليب، فبدلاً من أن يؤمنوا بهذا الحق ويتدبروا فيه ويسلموا به، تراهم يصدون عنه ويستهزئون به، بل والعياذ بالله وصل بهم الأمر إلى أن يدنسونه ويهينونه، فلا عجب ولا استغراب أبداً؛ فهذا أولاً من هوانهم على الله، والله تعالى يقول { وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } [الحج:18]؛ فقد حُرموا منّة الهداية فلا يكادون يفقهون القرآن أو يشعرون بلذّته ولا يقّرون بعظمته، مع أنه جاء بالأخبار الصادقة والحقائق الغائبة والأحكام المصلحة العادلة، وأحتوى صوراً عظيماً من الإعجاز، ولكنهم لا يدركون. ويصدق فيهم قول الله تبارك وتعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [محمد:24]، لأن عليها أقفال أقفلها الله عز وجل عليهم فهم لا يعقلون..

كما ذكر القرطبي رحمه الله. والله سبحانه وتعالى يُمهل أهل الظلم والعدوان ولا يهملهم سبحانه، قال جل جلاله: { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [القلم:45]، قال القرطبي: "أمهلهم وأملي لهم وأستدرجهم حتى يبلغ الكتاب أجله يعني بنصره النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وهلاك أعدائهم الكافرين".اهـ.

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ { وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } » رواه البخاري.

روى الترمذي من طريق سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:« قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ».

هُوَ مَثَلٌ لِلْقِلَّةِ وَالْحَقَارَةِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا أَدْنَى قَدْرٌ « مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا » أَيْ مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا « شَرْبَةَ مَاءٍ » أَيْ يُمَتِّعُ الْكَافِرَ مِنْهَا أَدْنَى تَمَتُّعٍ, فَإِنَّ الْكَافِرَ عَدُوُّ اللَّهِ وَالْعَدُوُّ لا يُعْطَى شَيْئًا مِمَّا لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ الْمُعَطِّي, فَمِنْ حَقَارَتِهَا عِنْدَهُ لا يُعْطِيهَا لأَوْلِيَائِهِ.اهـ مختصراً من كلام المبارك فوري في تحفة الأحوذي.

وكما قيل ليس بعد الكفر ذنب، وهذا بداية الفتح؛ فقد أعظم الله منّته على عباده أن جعل على نفسه حقاً بحكم وعده { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنين } [الروم:47]. والكفر للدين ضد..

كيف تصدق من إحدى الطريقين للأخرى مُصافاةُ..

والله ينصرُ حقّاً ناصريه على آل الصليب فتنزاح الضلالاتُ..

إن ما قاموا به كفر بواح يستحقون عليهم أعظم العقوبات وأشد التنكيل والهوان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق المسلمون على أن من استخفَّ بالمصحف مثل أن يلقيه في الحش أو يركضه برجله إهانة له أنه كافر مباح الدم" ( مجموع الفتاوى 8/425).

إنهم يكرهون القرآن لأنهم يعلمون علم اليقين أن القرآن هو الدستور العظيم والفرقان المبين الذي إن تمسك به المسلمين سادوا وانتصروا وظهروا. وهؤلاء الكفرة يصدق فيهم قول العزيز الحكيم { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } [آل عمران:118].

يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم.

ويقول المبشر وليم جيفورد بالكراف: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه.

ويقول المبشر تاكلي: يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه، حتى نقضي عليه تماماً، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً.

ولكن هيهات هيهات!! إن القرآن الذي نؤمن به بشّرنا بنصرنا عليهم، لا سيما أنهم طغوا وبغوا وأفسدوا، وسنة الله ماضية في أسلافهم، فإما أن يعاجلهم الله بعقوبة من عنده أو يخزيهم على أيدي عباده المؤمنين، والله يفعل ما يريد وهو على كل شيء قدير.


إن لاح برق الأماني من عِداتهم

 

هَمَتْ عليهم من النصر المَنِيّاتُ

كـــأنَّ 'أمــــريكــا' جِــنٌّ بمسْبَعَةٍ

 

يتُلــى عليهــــا مِـنَ القُرآن آياتُ

كـــأنهم ورمايــــا الحـــق تتبعهم

 

خلفَ الشياطين شُهْــبٌ مارديّاتُ

كـــأنَّ أجســــامهم خُشْـب مُسنّدة

 

قد تبَّرتها السيوف المَشــرِفيّاتُ

والسيف ينشد في هاماتهم طَرَبـاً

 

هذي المنازل لي فيها علامــاتُ



وأظن أن ابن شيخان السالمي كان ليعذرني في تبديل كلمة إيطاليا بأمريكا في أبياته السابقة. وأضم صوتي إلى صوته حين قال:


أدعو إلى نصرة الإسلام كل فتى

 

من كَل قطر لهم فيه استطاعات



وأن يهب علماء المسلمين ودعاتهم ورجال المسلمين وشبابهم إلى نصرة كتاب الله عز وجل.. نريد نصرة الإسلام من كل فتى وكهل، وفي كل قطر ومِصر، وكل بقدر استطاعته.

ونصرة كتاب الله تكون بعدة أمور:
- بالعمل به أولاً، فهذا أشد ما يغيظ أعدائنا ويوهن كيدهم، ولنا في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حسنة، فقد ثبت في الصحيح عندما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، « قالت: كان خَلْقِهِ الْقُرْآنَ ».

قال النووي: "وَكَوْنُ خَلْقِهِ الْقُرْآنَ هُوَ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِآدَابِهِ وَأَوَامِره وَنَوَاهِيه وَمَحَاسِنه، وَيُوَضِّحهُ أَنَّ جَمِيع مَا قَصَّ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه مِنْ مَكَارِم الأَخْلَاق مِمَّا قَصَّهُ مِنْ نَبِيّ أَوْ وَلِيّ أَوْ حَثَّ عَلَيْهِ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ، كَانَ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَخَلِّقًا بِهِ، وَكُلّ مَا نَهَى اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِيهِ وَنَزَّهَ، كَانَ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَحُومُ حَوْلَهُ".

- وحتى نصل إلى ذلك لا بد لنا من حفظه وتعلمه وتعلميه حتى نطبقه عن علم ودراية، راجين ثواب حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً يوم القيامة » وهو في السلسلة الصحيحة.

- احتساب الأجر في تطبيق قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ». البخاري

- كذلك نشر معاني القرآن الكريم بين الكفار وإيجاد ترجمات صحيحة خالية من الأخطاء.

- إنشاء الأوقاف الإسلامية لصالح جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وطباعته، وطباعة سائر علوم القرآن وتراجم معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، ونشره عبر الوسائل المرئية والمسموعة وعبر شبكة الإنترنت.

- دعم هذه المشاريع بالمال والجهد والجاه، وكل بحسب طاقته.

- وكذلك قيام طلبة العلم والباحثين بإعداد الردود العلمية على أولئك المنتقصين لكتاب الله عز وجل، أو المفترين الجدد والرد عليهم وإفحامهم.


وأخيراً ننير بقعة ضوء في أن الأحداث الأخيرة التي حصلت بسبب تعدّي أعداء الله على حرمة المصحف الشريف، وما نتج عن ذلك من ردود أفعال من أبناء هذا الدين في الشرق والمغرب لأكبر دليل على صحوة هذه الأمة وتمسكها بمصحفها واعتزازها بمصدر شرعها، على الرغم من النكبات التي مرّت عليها والتقصير الظاهر على أغلب شعبها.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يرد أمتنا إليه رداً جميلاً، وأن يرفع لواء الدين ويقمع به المعاندين ويذل به الكافرين إنه سميع مجيب..


كتبه
حازم القادري أبو محمد
ليلة الأربعاء الموافق 10 / 4 / 1426 هـ
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام