العدل أساس الملك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}

أبو الهيثم محمد درويش

شرع الله محكم وعدله مطلق، ولو أن الإنسان خليفة الله في الأرض ابتعد عن أحكام الله وضيع شرعه فقد أخل بخلافته وأخل بميزان العدل والحق.

  • التصنيفات: التفسير -

شرع الله محكم وعدله مطلق، ولو أن الإنسان خليفة الله في الأرض ابتعد عن أحكام الله وضيع شرعه فقد أخل بخلافته وأخل بميزان العدل والحق.

الناس سواسية من أساء أو تعدى أو وقع في حق من حقوق الغير عوقب بمثل ما فعل، ضماناً لاستقرار الأرض ومن عليها وطمئنينة لأنفس العباد.

ومن عدل الله تعالى وحكمته تشريع القصاص لضمان صيانة الأنفس المعصومة وردعاً لمن تسول له نفسه الوقوع في حقوق الغير وسلبه أعز ما يملك وهي نفسه التي بين جنبيه، والواقع خير شاهد على أن التفريط في أحكام القصاص يتسبب في نشر ثقافة التهاون في إزهاق النفس البشرية ونشر الهلع والفساد في المجتمعات الإنسانية.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:178-179].

قال العلامة السعدي رحمه الله: "بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص فقال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أي: تنحقن بذلك الدماء، وتنقمع به الأشقياء، لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل، لا يكاد يصدر منه القتل، وإذا رئي القاتل مقتولاً انذعر بذلك غيره وانزجر، فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل، لم يحصل انكفاف الشر، الذي يحصل بالقتل، وهكذا سائر الحدود الشرعية، فيها من النكاية والانزجار، ما يدل على حكمة الحكيم الغفار، ونكَّر "الحياة" لإفادة التعظيم والتكثير.

ولما كان هذا الحكم، لا يعرف حقيقته، إلا أهل العقول الكاملة والألباب الثقيلة، خصهم بالخطاب دون غيرهم، وهذا يدل على أن الله تعالى، يحب من عباده، أن يعملوا أفكارهم وعقولهم، في تدبر ما في أحكامه من الحكم، والمصالح الدالة على كماله، وكمال حكمته وحمده، وعدله ورحمته الواسعة، وأن من كان بهذه المثابة فقد استحق المدح بأنه من ذوي الألباب الذين وجه إليهم الخطاب، وناداهم رب الأرباب، وكفى بذلك فضلا وشرفا لقوم يعقلون.

وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وذلك أن من عرف ربه وعرف ما في دينه وشرعه من الأسرار العظيمة والحكم البديعة والآيات الرفيعة، أوجب له ذلك أن ينقاد لأمر الله، ويعظم معاصيه فيتركها، فيستحق بذلك أن يكون من المتقين".