الإغراق في البهيمية سبب للطلاق

إن العلاقة الإنسانيّة ليست نزهة رخيصة أوهمسة حارّة وليست أسراً للحظة النماذجيّة وأغلالاً من الشهوة، بل هي مسئوليّة مُضنية وتبعة ثقيلة ومخاطرة كبيرة.

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -

 

من الأسباب الرئيسة لتزايُد مُعدّلات الطلاق بين الشباب من حديثي الزواج؛ ما أُسمّيه بالإفساد الفنّي (خصوصاً الغناء)؛ الذي شوَّه تماماً مفهوم الحياة الزوجيّة، فاستُبدِلت المودَّة والرحمة والمسئوليّات والخبرات المشتركة، بمفاهيم أفسدت تصوّر الجيل لتركيبيّة العلاقة الإنسانيّة السامية، وأفسدت ذوق الذكر وأغرقته في عالم الأحلام الحسيّة حيثُ كُلّ الزوجات كمُغنّيات الفراش طراوة وليونةً وإثارة، وأمسى الشابّ لا يبحث عمّن تُعينه على نوائب الدهر، بل عمّن يُضاجعها!

كما أصبحت المرأةُ تبحث عمّن يُنفق حياته في التغزُّل فيها، ويحملها للفراش كُلّما تهيّأت، ليعودا بعدها للغزل، وهكذا دواليك؛ كأن الحياة طوبيا "شهر عسل" وفردوس أبدي!!

وكما قال أستاذنا بيغوفيتش، فإن تغيير شكل العلاقة بين الرجُل والمرأة هو المعطى الأساسي والأهمّ في تغيير مسار التاريخ. لقد وضعت أغنيّات الحبّ الجنس في المركز، فاختُزِلَت العلاقة بين الذكر والأنثى في الاندماج الجسدي البرّاني؛ حيثُ يُصبح الاثنين واحداً، وهو وهمٌ نهايته التعاسة الأبديّة بسبب عدم قابليّة ذلك للتحقُق في الواقع.

إن إغماءة الجنس التي يعتبرها البعض دليلاً على إمكانيّة الاندماج هي لحظة نماذجيّة لا تدوم سوى ثوان، ليسترد بعدها كُل واحد ذاته وفرديّته. إن تمكّن وهم الاندماج من الطرفين يحوَّل الحياة من تكامُل في الأدوار لصراع صفريّ؛ صراع يقتضي عمليّات بتر وتمزيق وزرع اعتسافي للأعضاء، لتكون النتيجة هي رفض كل جسم للعضو المزروع. فقد خلق الله كل منّا فرداً فريداً مُتفرِّدا. إن التعاطُف والمشاركة الوجدانيّة والتواسي تختلف كُليًّا عن الاقتحام والغزو والإدماج القسري. إن المودَّة هي الحياة المشتركة، والاندماج هو ايبتلاع أحد الطرفين للآخر في أنانيّة. والحالة الأولى إنسانيّة والثانية شركٌ بيّن، واستعبادٌ للمخلوق.

إن العلاقة الإنسانيّة ليست نزهة رخيصة أوهمسة حارّة وليست أسراً للحظة النماذجيّة وأغلالاً من الشهوة، بل هي مسئوليّة مُضنية وتبعة ثقيلة ومخاطرة كبيرة.

لقد تفاقم انحدار الفنّ بعد ظهور "الفيديو كليب"، فأصبح التمركُز كاملاً حول الجسد. إن الذكر المستسلم لتلك الإشارات المهيّجة لا يستطيع استخدام عقله، ليُدرك أن تلك التي تتلوّى أمامه كالحيّة ليست أُنثى عاديّة تعول أُسرتها وتُكابد لأجلها، بل هي مُتخصصة في إغواء البلهاء مثله، وقد تبذُل في سبيل "فنّها" كُلّ شيء حتّى أُسرتها.

إن هذا الغناء الذي لا ينطوي على أيّ قدرٍ من التجاوز، ولو داخل النسق المادّي، لا يُفسد الحياة الزوجيّة فحسب، بل يُلوِّثُ الفطرة. فإن مثل ذلك النوع من "الحُبّ" لا يكتبه الله إلا على من غضب عليه ولعنه وأضلّه عن معبوده الحقّ، ليستبدل به بشراً يتبرَّز ويمرض ويحيض ويموت!

إن قوام العلاقة بين الرجل والمرأة هي حُسن الصحبة والمودَّة والرحمة، فهي ضيافة ورُفقة مؤقّتة، وليست استعباداً للهوى واللذة.

لقد أدّى التمركُز حول الذات/اللذة للتمركُز حول الموضوع، فأصبح همّ الأُسر المشوّهة أن تجد لبناتها الزوج "الجاهز"، ليتفرَّغ للتغزُّل فيها! وإن تعذَّر ذلك، فلا بأس من أن يرهن الشاب المسكين كُلّ شيء، حتّى نفسه، في سبيل راحة "ابنة السلطان"، فبُنيت البيوت على الجشع والشهوة، ولم تُبن على تحرّ الرُفقة الصالحة وتوافق الطباع وانسجام الميول والأهداف. ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.


عبد الرحمن أبو ذكري

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام