الشيخ محمد السبيل.. فقيد المسجد الحرام

لأيام خلت ودع المسلمون في أنحاء المعمورة فضيلة الشيخ محمد السبيل، أحد الأعلام البارزين في العلم والزهد والدعوة وتلاوة القرآن الكريم، والذي ارتبط اسمه بالحرم المكي الشريف، وصدح صوته في أروقة المسجد الحرام آماً لملايين المسلمين فيه على مدى 40 عاماً.

  • التصنيفات: تراجم العلماء - مواضيع إخبارية -


الشيخ السبيل:
لأيام خلت ودع المسلمون في أنحاء المعمورة فضيلة الشيخ محمد السبيل، أحد الأعلام البارزين في العلم والزهد والدعوة وتلاوة القرآن الكريم، والذي ارتبط اسمه بالحرم المكي الشريف، وصدح صوته في أروقة المسجد الحرام آماً لملايين المسلمين فيه على مدى 40 عاماً، حتى إنه لا يكاد زائر للحرم معتمراً أو حاجاً أو مصليا إلا وقد حظي بالاستماع إلى تلاوته الخاشعة وصوته الذي يشع إيماناً وتضرعاً.

الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز آل عثمان الملقب بالسبيل من أبناء مدينة البكيرية ينحدر من قبيلة بني زيد في نجد، وبنو زيد من قضاعة القبيلة القحطانية المشهورة.

كانت ولادته رحمه الله عام 1345 هـ في مدينة البكيرية إحدى مدن منطقة القصيم، وقد ظهرت عليه علامات النبوغ مبكرة فحفظ القرآن الكريم على والده، وعلى الشيخ عبد الرحمن الكريديس، فأتم حفظه وأمّ الناس وعمره 14 عاماً.

وقد وفقه الله إلى التحصيل العلمي المثمر لحسن نيته وذكائه وحرصه ومثابرته، فطلب العلم على يد عدد من المشايخ، فقرأه في مكة على العلامة السلفي الشيخ سعدي ياسين اللبناني عضو رابطة العالم الإسلامي، ولديه منه إجازة في القراءة.

ودَرَسَ الشيخ السبيل العلوم الشرعية والعربية على الطريقة التقليدية في الحلقات العلمية في المساجد على علماء بلده، ومنهم قاضي البكيرية فضيلة الشيخ محمد بن مقبل، وشقيقه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن سبيل قاضي البكيرية ثم المدرس بالمسجد الحرام.

ثم انتقل إلى بريدة وأخذ العلم عن سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد حينما كان رئيسًا لمحاكم القصيم، كما قرأ في مكة المكرمة على المحدثين الشيخ عبد الحق الهاشمي، والشيخ أبي سعيد عبد الله الهندي، ولديه منهما إجازة في الحديث.

ودَرّسَ فضيلته في وزارة المعارف والمعاهد العلمية ما يقارب عشرين عامًا، ونظراً لتفوقه في العلم، عيّن مدرساً في أول مدرسة في محافظة البكيرية في 1367 هـ، ثم مدرساً في المعهد العلمي في مدينة بريدة في 1373.

وفي 1385 عين رئيساً للمدرسين والمراقبين في رئاسة الإشراف الديني على المسجد الحرام، وإماماً وخطيباً في المسجد الحرام، وعين - رحمه الله - رئيساً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في 1411هـ حتى صدرت الموافقة السامية بإعفائه من منصبه في 1421 هـ بناءً على طلبه.

واستمر في الإمامة والخطابة نحو 44 عاماً ثم طلب الإعفاء في 1429 من باب الورع وخشية التقصير.

وفي عام 1413هـ، انضم إلى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حتى عام 1427هـ، كما أصبح عضواً في المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي عام 1397هـ، ورئيساً أو عضواً في عدد من الجمعيات الخيرية حتى وفاته رحمه الله.

وكان الشيخ يدرّس العديد من العلوم الشرعية والعربية بالمسجد الحرام منذ عين إمامًا فيه، وقد قام رحمه الله بجولات دعوية وإرشادية في كثير من دول العالم الإسلامي، وغيرها بلغت مائة رحلة، زار خلالها أكثر من 50 دولة، وشارك في عدة مؤتمرات في الداخل والخارج.

واشتهر الشيخ كذلك من خلال مشاركته في برنامج الفتاوى (نور على الدرب) في إذاعة القرآن الكريم بالسعودية.

وكان الشيخ محمد السبيل من الناجين من محاولة القتل في حادثة اقتحام المسجد الحرام والتي قام بها جهيمان وأتباعه عام 1400هـ حيث كان السبيل الإمام الراتب لصلاة الفجر وكانت نهاية الصلاة هي ساعة الاقتحام للحرم.

وسماحته من رواد التعليم الأوائل ذوي الأثر الطيب والتأثير الملموس، وقد أحبه طلابه - رحمه الله - وكانوا يتنافسون إلى حضور دروسه دون كلل أو ملل وذلك لغزارة علمه وحسن أسلوبه وقدرته على إيصال المعلومة وبشاشته وسماحته.

ودرس على يديه العديد من طلاب العلم والعلماء، منهم الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ عبد لرحمن الكلية رئيس المحكمة العليا، والشيخ مقبل بن هادي الوادعي المحدث اليمني المعروف.

قالوا عن الشيخ السبيل:
ويقول نائب الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام الدكتور محمد بن ناصر الخزيم: "أن الفقيد تخرج على يديه عدد من الطلاب وكنت واحداً منهم، وقد عشت في منزله في بريدة ردحاً من الزمن، وأفتخر بذلك لأنه كان لي الأب والمعلم والمربي والصديق ثم الرئيس، جزاه الله خيراً وأسكنه فسيح جناته".

ويضيف: "وقد كان منزله في بريدة رحمه الله مفتوحاً لطلاب العلم والمحتاجين والقادمين من البكيرية وغيرها، منهم من يسكن فيها لطلب العلم، ومنهم من يأتي للعلاج، وفيهم الغني والفقير والمحتاج، وكان يستقبل الجميع ويكرم الزائر ويهيئ الأسباب المريحة للمقيم عنده، لا يظهر مللاً ولا يستثقل أحداً، وهذا شأنه في منزله في مكة المكرمة، لأن الكرم سجيته رحمه الله..

وكان الشيخ يعلم في المجالس يفسر، ويحدث ويفتي، ويروي الجيد من الشعر وأمثال العرب والقصص الهادفة، موفق في اختيار الشواهد أثناء حديثه من القرآن الكريم والسنة المطهرة، أو الشعر أو الحكمة، فيشد السامع إليه بحسن عباراته وبراعة استهلاله وحسن انتقاله من فكرة إلى أخرى، فهو عالم ومرجع في علوم شتى منها علوم القرآن، والحديث، والفقه، والفرائض، وعلوم اللغة العربية".

ويقول عنه فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان: "إنه كان نعم الرجل، فقد كان كثير الخير في عبادته ونصحه وإرشاده، وكذا في عقله وتعامله مع الناس، كما كان نعم الصاحب، فقد درسني في عام 1367هـ في مدرسة البكيرية".

ويضيف: "كان له أسلوبه الخاص، وكما تعلمون كان يعتمد الكلام بالعامية في برنامج نورعلى الدرب، وذلك لأن غالبية مستمعي ذلك البرنامج من العوام، وإلا فهو فصيح اللسان شاعر يجيد الشعر، أسأل الله أن يجعل ما أصابه في مرضه أن يكون من أسباب رفعته يوم القيامة"

قال الشيخ السبيل: "كنت إذا أردت أن أحفظ صفحتين أو ثلاث صفحات، أو ثمن أو نصف ثمن أقرأه على الوالد نظرا ويصحح -كان والده رحمه الله حافظا ومتقنا للتجويد- ثم أحفظه على ما صححه، ثم بعد ذلك أقرأه عليه حفظا ".

أبناء الشيخ وزوجاته:
للشيخ ثلاثة زوجات أولهن من عائلة (السديس)، والثانية من عائلة (البليهد)، والثالثة من عائلة (العمرو)، كما أن له عدداً من الأبناء والبنات والأحفاد، فمن من أبناءه: الشيخ عمر السبيل إمام الحرم، ود. عبد العزيز وكيل وزارة الثقافة والإعلام سابقاً، ومستشار وزير التعليم السعودي حالياً، ود. عبد الملك عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وأ.عبد الله وكيل وزارة البلدية والقروية لتصنيف المقاولين سابقاً نائب مدير عام المعهد العربي للإنماء المدن التابعة (لمنظمة المدن العربية) بالكويت.

مؤلفاته:
من أشهر مؤلفاته: ديوان خطب (من منبر المسجد الحرام، ورسالة في بيان حق الراعي والرعية، ورسالة في حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد).

ورسالة في حد السرقة والخط المشير إلى الحجر الأسود ومدى مشروعيته، ودعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفتاوى ورسائل مختارة، ومن هدي المصطفى (شرح لعدد من الأحاديث النبوية) حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية، وديوان شعر وغير ذلك.

وفاته:
وجاءت وفاة الشيخ محمد السبيل رحمه الله يوم الاثنين (3 صفر 1434هـ، الموافق 17 ديسمبر 2012م) بعد اعتلال أصابه في الصدر والرئتين، وأديت الصلاة على جثمانه عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام، وحضر تشييع ومراسم الدفن عدد من المسؤولين والمشايخ وطلبة العلم، وتم نقل جثمانه إلى مقبرة العدل حيث وري الثرى مع مفتي عام المملكة السابق الشيخ (عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين) رحمهم الله أجمعين.
 

محمد لافي