الملتزمون الجدد

عبد الرحمن ضاحي

"إحنا التزمنا أيام الرخص" !!..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


"إحنا التزمنا أيام الرخص" !!..

فاجأني زميلي بهذه الجملة حين شكوت له مشكلة "الملتزمين الجدد" الذين قرروا الالتزام بعد الثورة، خاصة بعد تمكين الإسلاميين، وقد يستغرب البعض وصفي للأمر بأنه مشكلة، وكيف لا ؟!

وقد قال الله تعالى في القرآن: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: من الآية 35].

هناك فرق شاسع بين جيل تربى في الضراء، عانى من تضييق أمني وأُسري، عاش طيلة عمره لا يفكر في السياسة إلا قليلًا، ولا يلقى لها بالًا، ظل يتمنى من كل قلبه أن يرى لحظة التمكين لدين الله و لشريعته، أخذ من الجرعات الإيمانية والفكرية والتربوية ما يكفيه، و جيل آخر تربى في السراء، في ظل انفتاح لم يعش فيه التيار الإسلامي من قبل، وفي ظل دخول التيار الإسلامي بقوة في العملية السياسية واقتناص بعض المكاسب وصلت إلى حد منصب رئيس الجمهورية.

"الملتزمون الجدد" أصبحوا في وضع المسؤولية من المجتمع بعد أن أصبح التيار الإسلامي مُمّكنَا -حتى وإن كان تمكينًا ناقصًا- ولكن الناس تنظر له أنه "صاحب البلد"، وبيده الحل والعقد، عكس من التزم "أيام الرخص"، فالمجتمع كان متعاطفًا تجاهه نظرًا لما يلاقيه من أذى أمني وتضييق، فهو في موضع مسؤولية ليس جديرًا بتحملها.

"الملتزمون الجدد" أخذوا قرار التزامهم في وسط ربكة التيار الإسلامي بدخوله العمل السياسي، فتعرض البعض منهم إلا من رحم الله إلى نقص في جرعات في الدروس العلمية والجلسات التربوية ولذة الليالي الإيمانية، وأهملوا نظرًا لانشغال المسؤولين عنهم، إما انشغالهم هم بالعملية السياسية كباقي من على الساحة الآن.

"الملتزمون الجدد" التزموا في وقت تتجلى فيه الصراعات الفكرية والأيديولوجية، كان من الصعب صمود بعض الملتزمين القدامى أمام هذا الصراع الفكري، فما بالك بمن التزم جديدًا وألقيت عليه الشبهات التي تقدح في التيار الإسلامي، وتذم فيه ولا يستطيع ردًا؟! بل من الممكن أن يتأثر بها لضعف مناعته الفكرية.

بلا شك أن أيامَ الشدّة هي التي تولد فيها إرادةُ الكفاح، و من التزم قديمًا وعاش أيام الشدة زاد تمسكه بمنهجه أكثر، ومن ذاق ويلات التضييق الأمني والمطاردة من الصعب أن يتخلى بسهولة عنه، أما من التزم حديثًا في ظل الانفتاح الذى لم يسبق للتيار الإسلامي أن عاش فيه، من الممكن أن يتخلى بسهولة نظرًا لعدم الكفاح والنضال في الحفاظ على قراره.

وأخيرًا وجب على التيار الإسلامي بكل فصائله الانتباه لهذه المشكلة، وَوضع حلول لاستيعاب هذه المشكلات لكي لا تستفحل، ونعاني منها في وقت متأخر، بل يتوجب عليه أيضًا إعادة ترتيب أوراقه ويستفيق من ربكته التي يعيش فيها منذ الثورة، و يحاول فصل إدارة الدعوة عن إدارة الكيان السياسي، لكي لا نكون كالمنبت لا أرضًا قطع.. ولا ظهرًا أبقى.


عبد الرحمن ضاحي
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام