حماس .. وإفرازات الثورة المصرية

قبل يومين نشرت صحيفة هأرتس تقريرا عن الحرب الجارية في قطاع غزة طالبت فيه حكومة بنيامين نتنياهو بأن يذهب للتفاوض مع حركة حماس بدلا من التفاوض مع الجانب المصري، وعلى حد وصف الصحيفة فإن الرئيس المصري محمد مرسي الذي هو من قادة جماعة الإخوان المسلمين هو الآن الزعيم الروحي لحركة حماس.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


قبل يومين نشرت صحيفة هأرتس تقريرا عن الحرب الجارية في قطاع غزة طالبت فيه حكومة بنيامين نتنياهو بأن يذهب للتفاوض مع حركة حماس بدلا من التفاوض مع الجانب المصري، وعلى حد وصف الصحيفة فإن الرئيس المصري محمد مرسي الذي هو من قادة جماعة الإخوان المسلمين هو الآن الزعيم الروحي لحركة حماس.

كل ما قالته الصحيفة هو واقعي، لكن الزعامة الروحية لحركة حماس هي لمراقب جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين و ليس لمحمد مرسي فالعلاقة بين الجانبين علاقة تكامل وليس علاقة تابع ومتبوع مثلما يظن البعض، فحماس هي إطار سياسي لجماعة الإخوان في فلسطين، وهناك قاعدة يعرفها جيدا أنصار حماس هي أنه ليس كل حماس إخوان لكن كل الإخوان حماس في فلسطين، لذلك حينما نبحث عن طبيعة العلاقة فإننا نجد أن حركة حماس التي ولدت قبل 25 عاما مشروع من أنجح مشاريع جماعة الإخوان المسلمين، ليس لأن أفرع الجماعة في البلدان الأخرى فشلت، لكن ظروف الاحتلال خدمت كثيرا حماس وساعدتها في تعلم كيفية امتصاص الضربات، و منافقة الوقائع السياسية.

استقبلت الحركة فوز مرسي بالانتخابات الرئاسية المصرية بفرح غامر ووزع عناصر الحركة الحلوى في شوارع القطاع لأنهم الأكثر علما بأن مصر لن تترك غزة وحيدة، وليس ذلك فحسب فإن نجاح مرسي يعني انتهاء ما يسمى بمحور الاعتدال في العالم العربي الذى صنعته أمريكا للضغط على المقاومة الفلسطينية، كما أن وجود مرسي في السلطة يعني أن آلة الإعلام الرسمي المصري التي طالما اعتمد عليها النظام السابق ستوجه بشكل كبير الجمهور المصري إلى اتجاه دعم المقاومة في غزة، وليس نبذها و التعاطي معها وكأنها مجرد جماعات إرهابية تريد الاستيلاء على سيناء.

الأمر الأخر و الأهم هو أن الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني فقدتا الحليف الأبرز في منطقة الشرق الأوسط، فنظام مصر السابق أضر بالقضايا القومية العربية بشكل لا يدع مجال للشك بدأ من ملف العراق وانتهاء بمحاصرة قطاع غزة. وما ظهر كذلك على مواقف المجتمعين في لقاء وزراء الخارجية العرب على هامش أحداث غزة يعطي انطباعا لتأثير مصر في الموقف العربي الرسمي. وما زيارة نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية على غزة الثلاثاء إلا أبلغ رسالة يمكن فهمها و التمعن في معانيها.

ولأول مرة يستقبل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في مصر و يقابله الرئيس مرسي و يتم التعامل مع الملف الفلسطيني من أعلى المستويات الأمنية والسياسية في مصر بدلا من أن يكون جزءا من ملفات المخابرات المصرية، كما كان في السابق.

مصر تحتضن حماس لأنها جزء لا يتجزأ في نظر جماعة الإخوان المسلمين من مشروعها الإسلامي الكبير، و تبقى عدة ملفات على مرسي إنهائها لاستكمال نجاح هذا المشروع المشترك بين الطرفين، أولها إزالة الحصار وفتح معبر رفح للبضائع و المركبات أو ما يمكن وصفه بحرية التنقل و الحركة لسكان القطاع، و الأمر الآخر تحديد مسار العملية السلمية بين مصر و الكيان الصهيوني لا سيما بعد التوتر الأخير، وكذلك الأمن في شبه جزيرة سيناء و التعامل مع الاتفاقيات الأمنية الأممية التي تخصها، بالإضافة إلى المعونة الأمريكية.

ويقول معهد كارنيجي للسلام إن حكومة حماس تعتمد اعتماداً كبيراً على تجارة الأنفاق غير المشروعة للحصول على عائدات. ويكاد يكون من شبه المؤكّد أن التقديرات التي تقول إنها تُجبي مايقرب من مليار دولار سنوياً من الضرائب على الواردات مبالغ فيها، لكن المبلغ يصل بالتأكيد إلى مئات الملايين من الدولارات. على سبيل المثال، تتقاضى الحكومة خمسين سنتاً على كل لتر من الغاز، حيث يقدّر أنه يتم جلب 500 ألف لتر يومياً من مصر. ويتم جباية ثمانين سنتاً على كل علبة سجائر، حيث يدخل غزة يومياً 300 ألف علبة تقريباً. كما يتم حساب ضريبة بواقع 15 دولاراً عن كل طن من حديد البناء، الذي يدخل منه 300 طن يومياً، في حين تبلغ ضريبة الإسمنت 10 دولارات للطنّ، حيث يمرّ 2000 طن عبر الأنفاق يومياً. ويصل الدخل السنوي من هذه السلع وحدها إلى 188 مليون دولار.

يبدو أن حكومة هنية خلصت إلى أنه في حين لا يمكنها الإبقاء على تجارة الأنفاق، فإن بوسعها تحويل إغلاق الأنفاق لصالحها. فقد دمّر الجيش المصري نحو 120 نفقاً، أو 10 في المائة من عددها الإجمالي. وفي الوقت نفسه، اقترحت حكومة هنية إنشاء منطقة تجارة حرّة على الحدود المشتركة كبديل لتجارة الأنفاق. وهي تسعى أيضاً إلى توسيع معبر رفح للسماح بحرية حركة البضائع والأفراد وإبقائه قيد التشغيل على مدار السنة. ملخص ما سبق أن حماس تريد تهيئة الأوضاع لمساعدة مرسي على إخراجها من الحصار التي يقع على سكان القطاع منذ سنوات.

المنطقة التجارية بين غزة ومصر ستقام لذلك المصريون يقولون إن الفكرة قيد الدراسة لكنهم يريدون رأي عام محلي و خارجي يستوعب الفكرة ويقبلها، و الإخوان لا يزالوا يسعون للانتهاء من ملف الدستور التي تتخذه بعض الفصائل السياسية المعارضة فزاعة لتقويض حكم الإخوان بشكل خاص و الإسلاميين بشكل عام.

في الفترة الحالية أوقفت مصر عملية إغلاق الأنفاق و زادت من عدد الموظفين على معبر رفح كما مُدِّدَت ساعات تشغيل المعبر من 7 إلى 10 ساعات، مايسمح للمعبر الآن بالتعامل مع عدد أكبر من المسافرين. فقد ارتفع متوسط عدد الأشخاص الذين كانوا يدخلون مصر يومياً من 450 إلى 1000، في خلال العامين 2011-2012، بعد تولّي مرسي منصبه، ويتوقّع أن يصل إلى 1500 في إطار الترتيبات الجديدة. ويُفتَرَض أن يلبّي الطلب العادي على السفر إلى مصر أو عبرها.

تتمثّل نقطة الخلاف المتبقية في أن تجد مصر حلاً لوضع الأشخاص غير المرغوب فيهم البالغين حوالي 50 ألفاً من أعضاء حماس والحركات الإسلامية الأخرى في غزة. وتعكف لجنة مشتركة من مصر وحماس على مراجعة القائمة، حيث يتوقّع أن يتم رفع الحظر عن معظم الأفراد.

سيستفيد مرسي كثيرا من حركة حماس في استقرار الوضع في سيناء و السيطرة على الجماعات المسلحة هناك، لأن حركة حماس و الفصائل الفلسطينية تتعامل مع القبائل البدوية و الجماعات المسلحة من خلال الوسائط التجارية و لها دراية كبيرة بها ربما المخابرات المصرية تعجز عن السلوك في دروب سيناء الوعرة مثل حركة حماس، لأن أغلب أسلحة حماس تأتي من هذه الدروب سواء من خلال السودان أو ليبيا أو غيرها.

سمحت قضية الجندي الصهيوني جلعاد شاليط لحركة حماس أن توطد علاقتها جيدة بالمخابرات المصرية من خلال تشكيل لجنة أمنية مشتركة كان يرأس فريق حماس فيها القائد العسكري الذي اغتاله الكيان الصهيوني قبل أيام أحمد الجعبري، من خلال تلك اللجنة يجري تعاون أمني كبير بين الطرفين، فمصر الجديدة تعتبر غزة عمقا أمنيا مهما لها بعكس النظام السابق الذي كان يعتبرها ثكنة عسكرية إيرانية.

في الفترة الحالية يسعى مرسي وليس برغبة شخصية منه ولكن بإرادة الإخوان المسلمين إلى التعاطي مع حماس سياسيا بحذر وتطوير علاقتها بالنظام المصري الجديد، وذلك حتى لا يؤثر ذلك على علاقة مصر بالولايات المتحدة أو غيرها من البلدان التي تدعم الكيان الصهيوني، كما يسعى إلى تمكين حماس من الحصول على شرعية في غزة وتقديمها بشكل سياسي مقبل في الفضاء السياسي المتغير العالم العربي.

إن الديناميكيات بين جماعة الإخوان في مصر والولايات المتحدة وحلفائها تتغيّر، ويمكننا تلخيص طبيعة العلاقة بهذه الجملة "أبق أصدقاءك بالقرب منك وأبق أعداءك أقرب". حماس اكتسبت محبة الشارع المصري بكافة أطيافه وهذا ما سعت إليه جماعة الإخوان المسلمين طوال العقود الماضية لذلك سيجد مشروع مرسي تأييدا من الشارع المصري ولن يجد عقبات إلا من المعارضة الليبرالية أو الأقباط الذين يحاولون أن يكونوا دولتهم الخاصة بهم، أو المجتمع الخارجي.

ومثالا على الموقف المصري فإن رضا فهمي، وهو عضو في مجلس الشورى المصري، ومن حزب الحرية والعدالة يقول إن حماس تريد أن يُرفع الحصار عن غزة بشكل كامل. وفي الموقف الأخير من التهدئة ترى حماس أن الربيع العربي عزز من شرعيتها ومنحها قوى كبيرة لذلك هي تتحدث بنبرة قوية. هذا الأمر جعل على مرسي الآن أن يوازن بين المطالب المتناقضة للجمهور المصري المتعاطف جدا مع "حماس" والقضية الفلسطينية، وبين مناشدات الغرب بأن يساعد في التوسط للسلام وحاجة مصر لسلام إقليمي يساعدها في إنعاش اقتصادها المتدهور.

وقال فهمي في مقابلة في (مارس) إن المسؤوليات الجديدة للإخوان تتطلب الرجوع خطوة عن أبناء عمومتها الأيديولوجيين في "حماس"، وربما ممارسة ضغط جديد على حماس للاعتدال.

لكن موسى أبو مرزوق، وهو مسئول حمساوي كبير سمح له بالاستقرار في القاهرة بعد خلع حسني مبارك، تكهن بنتيجة مختلفة. ففي مقابلة أجريت في الوقت نفسه قال إنه إذا اندلع قتال جديد مع الكيان الصهيوني، فإن القادة الإسلاميين المعتدلين في أرجاء المنطقة مثل الإخوان المسلمين سيقفون إلى جانب المقاتلين في غزة. وقال أبو مرزوق: "موقف كل الإسلاميين في المنطقة سيكون موقف حماس. وليس العكس".

يحاول مرسي أن يظهر بمظهر الرجل الدبلوماسي الذي يريد أن يتقبله العالم وهو يمارس ضغوط على حماس لوقف إطلاق النار، لكن في الواقع سنجده يدعم حماس بكل قوة ويتمنى الهلاك لليهود، لأن ذلك ينطلق من أيديولوجيته وليس قواعد العمل السياسي التي يجب أن يمارسها في إطار تعامله مع الكيان الذي عقدت بلاده معه سلام برعاية دولية.

ويمكننا الإشارة للمواقف الغربية التي رفضت قيام الكيان الصهيوني بعملية برية في قطاع غزة، وتبرير تلك المواقف بأنها مبنية على مخاوف كبيرة في العالم الغربي و الولايات المتحدة التي تشهد فقدان حلفائها و أوتوقراطيين جدد خلعتهم رياح التغيير العربية عن عروشهم، ليحل مكانهم الإسلاميين الذين يريدون ريادة الأمة، واشنطن علمت جيدا أن أي عملية عسكرية سوف تزيد من حدة الربيع العربي وستفتح على الكيان الصهيوني جبهات مثل الجولان و سيناء ولربما سوف تكون ضربة قاسمة تؤثر على الربيع الاردني بشكل كبير، لذلك ضغطت باتجاه منع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو من الدخول في وحل غزة.


أ. أحمد أبو دقة -7/01/34
 

المصدر: مجلة البيان