الأسير وفضل! يا أصحاب الفضل
عبد الرحمن ضاحي
فوجئنا منذ عدة أشهر بتوبة المطرب فضل شاكر المعروف بصوته الدافئ، والتزامه طريق الهدى على يد ابن بلدته -صيدا- الشيخ (أحمد الأسير) الذي يرافقه أغلب الأوقات، وقد كان اهتمام الشيخ الأسير بـ(فضل) وإنزاله منزلة تليق به محط إعجاب الكثيرين..
- التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة - قضايا إسلامية معاصرة -
كتب عبد الرحمن ضاحي :
فوجئنا منذ عدة أشهر بتوبة المطرب فضل شاكر المعروف بصوته الدافئ، والتزامه طريق الهدى على يد ابن بلدته -صيدا- الشيخ (أحمد الأسير) الذي يرافقه أغلب الأوقات، وقد كان اهتمام الشيخ الأسير بـ(فضل) وإنزاله منزلة تليق به محط إعجاب الكثيرين، فهو دائماً برفقة الشيخ في حله وترحاله، كما يقدمه الشيخ ليلقي الأناشيد بصوته العذب أمام الحشود.
تجنب الشيخ الأسير خطأ يقع فيه كثير من أبناء التيار الإسلامي اليوم ألا وهو: (القولبة) أي جعل جميع عناصر الكيان يدورون في مدار واحد، مما يؤدي لإخراج نسخ متكررة تحمل نمط معين بغض النظر عن اختلاف مهاراتها أو إمكانياتها.
فوظف الشيخ الأسير إمكانات فضل في مكانها، ووضعها في المدار الصحيح، فجعله ينشد في وسط الحشود كما كان يغني في الحفلات، حافظاً له شهرته وصيته، كما زج الشيخ الأسير بـ"فضل" في مجاله الذي يجيده وهو الإنشاد، ما صدره الشيخ في الدعوة أو التربية الفردية أو الخطابة أو في غير ما يتقنه.
تعاني بعض الكيانات داخل التيار الإسلامي من هذا المرض -القولبة- والذي يؤدي لتعطيل وخسارة الكيان الكثير من طاقات أبنائه، بإجبارهم على الدوران في مدار واحد.
فعلى سبيل المثال: حلقة في المسجد بها الشاعر والمنشد والتاجر والإعلامي والعالم والدعوي، فبعد أن يقوم المسؤول بتدريس الأرضية العلمية المشتركة لهم -وهي لا بد منها- يخصصهم كلهم في مجال الدعوة والتربية نظراً لأنه المجال الذي يحسنه، أو لنظرته بأنه يجب أن توظف الطاقات كلها في هذا الجانب.
وللقولبة خطر على الفرد وعلى الكيان، أما على الفرد: فإنها تجبره على السير في مدار محدد وعدم استغلال المدار الذي يدور فيه، كإلزام فرد يدور في مدار العمل الخيري على الدوران في مدار الخطابة وإلقاء الدروس، فإما أن يسير فيه مضطراً أو أن يترك الأمر بالكلية، وحينها تصدر الأحكام عليه بـ(الانتكاس) وما هو بمنتكس ولكنه مارس غير فنه!
أما على الكيان فهو يفتقد إلى التنوع المطلوب من طاقات داخل أي كيان، فكل كيان يحتاج إلى السياسي والأديب والدعوي والإغاثي والمنشد والعالم..، فالقولبة تمنع إصدار هذه النسخ من الصدور، ولو أصدرت تكون نتاج لاجتهاد شخصي.
لا يوجد أحد ينتمي إلى كيان يمكن أن يكون غير قادر على العطاء، بل كل شخصية تملك جوانب قوة وجوانب ضعف، على المسؤول اكتشاف هذه القدرات وتوجيهها في المكان الصحيح، فتوظيف طاقات الأفراد في المجالات التي يبدعون فيها يخرج أفضل ما لديهم لخدمة الكيان وأهدافه، لا سيما بعد ما هبت نسمات الحرية على أوطاننا، كثرت وتشعبت ميادين العمل.
عند التأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تجد تحاشيه للقولبة ظاهر في تربيته لصحابته، فقد كان صلى الله عليه وسلم خبيراً في توظيف الطاقات والتمكن من تفجير الطاقات الإبداعية والابتكارية لهم، فاستخدم بعضهم في الحروب وقيادة الجيوش، وآخرين لكتابة الوحي، واستخدم فئة ثالثة للقيادة وأمور الحكم، فهو القائل: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاح» (سنن الترمذي:3791، حسن صحيح).
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان قائداً يحسن فن التوظيف، ما كان همه قولبة من حوله، فليكن من هديه لنا نصيب، فحري بكل كيان داخل التيار الإسلامي أن يحسن استغلال إمكانات أبنائه والعمل على تنميتها، لا سيما وقد قتحت للتيار الإسلامي ميادين العمل بعد ما هبت نسمات الربيح العربي وأنعم الله علينا بالحرية.