الحصاد المر للمعارضة المصرية
الناظر إلى المشهد المصري على مدى الشهرين الماضيين يلاحظ ثمة حصاد قطفته قوى المعارضة، ولكنه أشبه بالحصاد المر إن لم يكن كذلك، إذ أن قوى المعارضة التي شكلت ما يسمى بجبهة الإنقاذ كشفت عن نواياها الحقيقية ..
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
الناظر إلى المشهد المصري على مدى الشهرين الماضيين يلاحظ ثمة حصاد قطفته قوى المعارضة، ولكنه أشبه بالحصاد المر إن لم يكن كذلك، إذ أن قوى المعارضة التي شكلت ما يسمى بجبهة الإنقاذ كشفت عن نواياها الحقيقية تجاه أول ممارسة أفرزت رئيسا منتخبا بإرادة شعبية.
هذه النوايا ظهرت بوضوح عندما طالبت هذه القوى بإسقاط الرئيس الدكتور محمد مرسي، على الرغم من أنه لم يكد يمر على انتخابه أكثر من ستة أشهر، الأمر الذي كادت ترتكب فيه هذه القوى خطًأ فادحًا في حق الشعب المصري، إذ أنه حال سقوط النظام المنتخب -لا قدر الله- فإن هذا كان سيدفع الباب لاحقا للمطالبة بإسقاط أي نظام منتخب قبل أن يستكمل مدته الانتخابية، حال رغبة قوى معارضة له تدعو لإزاحته.
هذا السيناريو، وعلى الرغم من عدم حدوثه بفضل الله، إلا أنه كشف عن نوايا هذه الجبهة والقوى المشكلة لها، ليس فقط ضد المتحالفين مع الرئيس مرسي، ولكن ضد مصر ذاتها، الدولة والمؤسسات والشعب، أي المجتمع المصري بكل مكوناته، ما يعكس حجم المؤامرة التي كانت تديرها ولا تزال قوى المعارضة المشكلة لما يسمى بجبهة الإنقاذ.
وربما في هذا السياق، يتم التوقف عند مصطلح المؤامرة، فهو ليس من نافلة القول، أو مدفوعا بالنظرية المنسوبة إليها، بل هو قول من واقع بلاغات مقدمة بالفعل إلى النائب العام المستشار طلعت إبراهيم عبد الله، يتهم فيها أصحابها بتلقي تمويل خارجي والتخابر مع جهات خارجية لقلب نظام الحكم القائم.
علاوة على ما سبق فمن الحصاد المر الذي جنته مثل هذه النوعية من المعارضة أن أضاعت فرصة ذهبية كان بمقدورها أن تحققها، وهى التواصل مع أوساط الرأي العام المصري، لتكون معارضة حقيقية تعمل على إعلاء مصلحة الوطن، ورفعة شعبها، فلم تسعى هذه القوى إلى التواصل مع الشارع المصري لعرض مطالبه على النظام القائم، بل عملت على تهييج الشارع، وتعلية سقف مطالبها للدرجة التي طالبت معها بإسقاط النظام، وكأنه استحضار للشعار الشهير خلال ثورة 25 يناير، وهو ما حشدت له من إضرابات واعتصامات، لا تزال تتواصل إلى يومنا ترقبا للذكرى الثانية لثورة 25 يناير لتحقيق نفس الهدف الذي سعت إليه خلال الفترة الأخيرة.
غير أن اللافت أن هذا الهدف وإن ظهر بوضوح خلال الشهرين الماضيين، إلا أنه ومنذ الأسبوع الأول لانتخاب الدكتور مرسي وهناك حالات تشوية بالرئيس وكل من انتخبه، مستخدمين في ذلك العديد من حملات التشهير التي تفتقر إلى جميع الوسائل الدبلوماسية، وطرق المعارضة الأخلاقية، لتكون معارضة فاعلة تقدم مشاريعها لتقدم وطنها، في الوقت الذي لم يكن يمر فيه أكثر من أيام قليلة على الاستحقاق الرئاسي.
واستخدمت المعارضة في ذلك العديد من المصطلحات لتشوية مرسي والإسلاميين، مثل الحديث عن الدولة المدنية والأخرى الدينية، وعندما وجدت هذه المعارضة أن مرسي لم يعمل على إقامة الأخيرة، فقد تراجعت ذات المعارضة عن هذا المصطلح لتدخل في آخر، وهو: (أخونة الدولة)، وعندما تم الرد عمليا على هذا التشوية بعدم صحته، راحت هذه المعارضة تشغل المصريين بالحديث عن عدم التوافق بين قواها السياسية على مشروع الدستور، إلى أن كان الإعلان الدستوري المثير للجدل، حتى عملت المعارضة في سبيل إسقاطه على تهييج الشارع، وأعطت غطاء واضحا لممارسة العنف، ما كان نتيجته حرق مقار لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي الحرية والعدالة، فضلا عن إزهاق أرواح قرابة 12 نحسبهم من الشهداء إن شاء الله، ولا نزكيهم على الله تعالى.
لذلك كان هذا الحشد الجماهيري غطاء سياسي لممارسة البلطجة والعنف على نطاق واسع، للدرجة التي كان مخططا لها اختطاف الرئيس واقتحام القصر الرئاسي، وهو ما أدركه الإسلاميون، عندما أرسلوا رسائل عدة للمعارضة بأن مقدرتهم على الحشد أكثر، أن مؤامرتهم قد انكشفت، إلى أن تم احتوائها بفضل الله.
الحصار المر الذي جنته جبهة الإنقاذ ذاتها، ما كشفته عن وجهها الحقيقي في أنها ترفض الدولة المدنية، المضاد الأخرى العسكرية، عندما دعت إلى استحضار القوات المسلحة، وإعادتها إلى المشهد السياسي والانقلاب على الرئيس المنتخب، وهو ما كان للجيش فيه كلمته بالانصياع لإرادة الشعب، في تحكيم للعقل وانحيازا واضح للشرعية الحقيقية من جانب المؤسسة العسكرية، وهى في نسختها الشبابية، بعدما أطاح مرسي بسابقتها والتي ساهم مجلسها الأعلى بأخطاء عدة في إدارته للمرحلة الانتقالية من تنحي المخلوع حسني مبارك.
تهييج الشارع المصري كشف أيضا عن سعي المعارضة لتدويل الأزمة السياسية خارجيا، عندما دعت قواها إلى أهمية التدخل الأجنبي لعدم تمرير مشروع الدستور، وهو ما ترجمته قوى المعارضة بالحوار الدائم مع السفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون، في اجتماعات معلنة، بل إن منهم من صرح بوضوح أنها طلبت زيادة حشد المعارضة في الشارع، فضلا عن تحركات ذات القوى دوليا بالاتحاد الأوروبي للحيلولة دون تقديمه لحزمة من المساعدات لمصر تصل قيمتها إلى 5 مليار دولار، كان الاتحاد قد وعد بها مرسي فور انتخابه، علاوة على تحركات أخرى مماثلة، كان هدفها استحضار التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي لوطنهم، ما يدحض ما يقال عنهم بالغربة في استقلالية القرار الوطني.
وخلاف ما سبق، فإن المعارضة قطفت ثمارا مرة كشفت عن وجهها باستمرار رفض الإرادة الشعبية، فلم تكتف بعدم الاعتراف بشرعية الرئيس مرسي، بل ادعت تزوير الاستفتاء على مشروع الدستور، وأنه صدر عما أسمته من أقلية فرضت رأيها على الأغلبية، وهو المصطلح الذي يمكن فهمه في سياق المراوغة، إذ أن هذه الأقلية حسب تعبيرها هى صاحبة الإرادة الشعبية، ولو كانت كذلك ما كان إقرارها لمشروع الدستور بنسبة تزيد عن 63%، وسط حالة من التضليل والتزييف بشأن الدستور، للدرجة التي كان يتم معها الترويج لنسخ مزيفة من المشروع، بغية التضليل والتزييف.
وفي سياق الحصاد المر الذي جنته ذات المعارضة ما باحت به من ممارسة للإقصاء والانفراد بالرأي، عندما أعلنت رفضها الدائم للحوار مع النظام القائم، أو حتى الجلوس على مائدته مع المناوئين لهم، إذ لم تعرف القوى المعارضة سوى تشوية الطرف الآخر، رافضة الحوار معه، كونها لا تعترف بهم، في صورة إقصائية واضحة.
وكان من نتيجة ما سبق أن قوى المعارضة في سبيلها إلى التفكك، جراء بحثها عن مكاسبها، بعد التهافت من أحزابها المشكلة لها على مقاعد البرلمان المرتقب، فضلا عن التباينات فيما بينها، فهي خليط من دعاة القوميين والليبراليين واليسار والعلمانيين وغيرهم، فإن كل ذلك أكد بما لا يدع مجالا للشك أنها جبهة متعددة الأفكار، تجمعت وتوحدت فقط لمعارضة النظام الإسلامي، تمهيدا لإسقاطه، ثم البحث عن مكاسب آنية، ما جعلها في كفة، والشعب المصري الذي يتوق إلى الحكم الإسلامي في كفة أخرى.
علا محمود سامي
23/2/1434هـ