لبنان..نجاة الأسد أم مقبرته؟
المشكلة الحقيقية في لبنان أن الأطراف الموالية للأسد تريد إشعال الوضع لأقصى درجة وتستفز الأطراف الأخرى بالأفعال والتصرفات وتصر على الذهاب لأبعد مدى في الدفاع عن نظام متهاوي حتى ولو وصل الأمر لتفجير حرب في الشمال مع السنة وفي الجنوب مع "إسرائيل" ..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الانفجار الذي هز منطقة الأشرفية في العاصمة اللبنانية بيروت وأسفر عن مقتل العميد السني وسام الحسن المسؤول عن فرع المعلومات في قيادة الأمن الداخلي، والذي اكتشف واحدة من أكبر القضايا في تاريخ البلاد وهي قضية الوزير السابق ميشال سماحة الموالي لسوريا والذي ضبطته الاجهزة الامنية بالصوت والصورة، وهو يخطط لتفجير كمية كبيرة من المتفجرات في مناطق "المسيحية" لإشعال حرب طائفية في البلاد لكي يصرف الانتباه الاقليمي والدولي عن نظام الأسد المتشبث بالسلطة لآخر نفس رغم الاحتجاجات الضخمة التي يواجهها منذ أكثر من عام ونصف، أثار العديد من التساؤلات..
والمعلومات المتاحة عن وسام الحسن تشير إلى أنه كان ضابطا ً ملحقا ً برئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري و مكلفا بمهمة البروتوكول وعُين في العام 2006 رئيسا ً لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وعمل على تطوير الشعبة التي كشفت بعض الجرائم من بينها توقيف عدد ٍ كبيرمن شبكات التجسس كما كان له الدور الأكبر في عملية توقيف الوزير السابق ميشال سماحة وضبط عملية نقل المتفجرات من سوريا لتفجيرها في لبنان.
لقد حذرنا في وقت سابق من مخطط الأسد في لبنان حيث أن الأسد ومن ورائه طهران يعتبران لبنان ملعباً خلفياً للمناورة مع دول الجوار من جهة ومع الدول الغربية من جهة أخرى..الأسد في لبنان له أيادي داخل الجيش والمخابرات، والأجهزة الأمنية رغم خروج قواته رسمياً من لبنان بعد جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والذي ينافح حزب الله والأسد عن قاتليه حتى اللحظة رافضين تسليمهم للقضاء بحجة أنهم فروا إلى الخارج..
وميشال سماحة يرتبط مباشرة باللواء علي مملوك مدير مكتب الأمن الوطني السوري والذي أصبح لاحقاً رئيساً لمكتب الأمن الوطني وبرتبة وزير ويشرف على الأجهزة الأمنية ويرتبط ببشار الاسد، كما يعرف عنه ارتباطه أيضاً بمسؤول سوري بارز هو آصف شوكت الذي قتل في تفجيرات الأمن القومي السوري منتصف 2012...
أسلوب الاغتيالات الذي ورثه بشار الاسد من أبيه حافظ لإرهاب معارضيه لم يعد يؤتي ثماره بعد الربيع العربي الذي أزاح الخوف من الطغاة والدليل أن اغتيال الحريري أرغم الأسد على الخروج بجيشه من لبنان بعد احتلال دام سنوات طويلة، كما أن اغتيال وسام الحسن فجر عواصف الغضب في نفوس اللبنانيين ليس على الأسد وحده، ولكن على حزب الله وسلاحه الذي أصبح يمثل خطراً كبيراً على استقرار البلاد ذات البعد الطائفي، والتي خرجت من حرب أهلية ضروس بعد عناء شديد ولا زالت ذكرياتها الأليمة وتداعياتها المؤسفة ماثلة في أذهان أجيال من الشعب اللبناني..
الأسد وأولياؤه في لبنان يعرفون أن انهيار النظام السوري مسألة وقت مادامت الأوضاع في المنطقة تسير بشكل طبيعي لذا قرروا التضحية بلبنان من أجل الإبقاء على "رمز الصمود والتصدي" كما يزعمون وليس أخطر من الورقة التي تؤرق اللبنانيين ونقطة الضعف التي تعصف ببلادهم لاستغلالها فقرروا أن يقتلوا مسؤولاً سنيًا بارزاً للمرة الثانية؛ الأمر الذي أدى لاندلاع معارك في شمال البلاد بين السنة المناوئين للأسد وحزب الله والعلويين الموالين لهما وهو قتال أصبح يتكرر كثيراً منذ بداية الثورة السورية، ويحصد العديد من القتلى والجرحى، كما اشتعلت بيروت بقتال شوارع لأول مرة منذ سنوات عديدة ماجعل الجيش يصدر بياناً يحذر فيه من خطورة الأوضاع واستعداده للتدخل الحاسم دون تراخي...
المعارضة حملت الحكومة الموالية لحزب الله مسؤولية تدهور الاوضاع وطالبتها بالاستقالة فوراً وحاصرت مقر الحكومة وحاولت اقتحام القصر الجمهوري واشتبكت مع حراسته...
المطالب واضحة تماماً ويأتي على رأسها نزع سلاح حزب الله وتغيير الحكومة الحالية وإجراء تحقيق محايد في جريمة اغتيال الحسن واتخاذ مواقف رادعة ضد التدخل السوري والإيراني في شؤون البلاد، وهي مطالب ترفضها القوى الموالية لسوريا وتستغل في ذلك سيطرتها على الحكومة والسلاح الذي تملكه...
المشكلة الحقيقية في لبنان أن الأطراف الموالية للأسد تريد إشعال الوضع لأقصى درجة وتستفز الأطراف الأخرى بالأفعال والتصرفات وتصر على الذهاب لأبعد مدى في الدفاع عن نظام متهاوي حتى ولو وصل الأمر لتفجير حرب في الشمال مع السنة وفي الجنوب مع "إسرائيل" وهي سياسة استُخدمت دومًا لتخفيف الضغط على دمشق وطهران مقابل الدعم الذي يقدمونه لحزب الله والتيار الوطني الحر الموالي لهم، ولكن الشعب اللبناني سئم أن يكون تابعاً لغيره وأن يدفع فاتورة طعام لم يأكله، وقد يكون انفجار الاشرفية البادرة لاستقلال القرار اللبناني ووضع الموالين للخارج في حجمهم الطبيعي، ولا مفر من ربيع لبناني ضد الاختراق الأمني والسياسي والتلاعب في مصير أبنائه لخدمة أنظمة استبدادية لا مستقبل لها مع سطوع شمس الحرية على المنطقة.
خالد مصطفى