ملحمة الشام

سفر بن عبد الرحمن الحوالي

يا شام هل يحجز الأشواق قضبان؟ *** أم يحجب الطيف أسوار وجدران
قد استوينا فكل رهن محبسه *** للظلم من حوله سوط وسجان

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


 

يا شام هل يحجز الأشواق قضبان؟ *** أم يحجب الطيف أسوار وجدران
قد استوينا فكل رهن محبسه *** للظلم من حوله سوط وسجان
لنا إذا هبت الأنسام لاعجة *** من حرقة الوجد فالأكباد نيران
يغشى الأسى ناظرينا كلما ومضت *** في الأفق بارقة تخبو وتزدان

إذا تألق في عليائها أملٌ *** هوى إليه هوىً وانساب ألحان
لا عتب أن فرقتنا للنوى سبل *** فالدهر ذو دولة والوصل ميان
وهكذا تنضب الأرواح نازفة *** بكل جرح مرارات وأشطان
لم يبق إلا صبابات نجاذبها *** لا ترتوي فالجوى باليأس حران

نباكر الغَمَّ في الإصباح متقداً *** وفي العشية آهات وأشجان
تطير أرواحنا شوقاً ولو قدرت *** طارت إليكم مع الأرواح أبدان
أنتم ندامى الهوى ما للهوى بدل *** منكم إذا سامر المشتاق ندمان
لسنا من الحب في شيء لو انصرفت *** عنكم صبابتنا أو ضل وجدان

نسلو الحياة ولا نسلو تذكركم *** وهل تداوى بغير الذكر ولهان
وحسبكم أنكم في القلب مسكنكم *** حيث الأسى راتع واليأس حيران
عسى تراسلُ أشواقٍ يعللنا *** وربما خفتت بالشوق أحزان

أواصر الحب كلُّ الحب تجمعنا *** رغم القيود أما قد قال حسان:
إما سألت فإنا معشر نجب *** الأزد نسبتنا والماء غسان
وكل ناعورة بالشام نادبة *** عهد الوصال فهل للهيض جبران
الله أكبر! هذا الظلم فرقنا *** وللمقادير إيلاف وإظعان

كأنه لم يكن بالمرج مرتعنا *** ولم يكن في ربى جيرون جيران
ولم يكن في الثغور الغر مرصدنا *** وفي المضائق حراس وسكان
وفي السواحل نيران وأربطة *** وفي الجزيرة أحباب وإخوان
وفي المدائن أنساب مؤلفة *** وفي العشائر أصهار وأختان

وأعذب الحب ما كانت موارده *** بالقدس، أواه هل للقدس نسيان
يا شام يا معقل الإسلام ما ركضت *** بلق الخيول ومد الظل أفنان
إذا تضاءل هذا الحب عن بلد *** ففي مرابعكم فيء وأكنان
تالله ما الغوطة الغناء منيتنا *** وفي مسارحها للحسن غزلان
ولا رسوم لأجداد بساحتكم *** إذ كان يملكها أزد وزهران
ولا صبا بردى يسبي مشاعرنا *** لكنما حبكم دين وإيمان

من البراق أصول الحبّ قد بزغت *** وقد أضاءت لها بصرى وحوران
إذا سرى الطيف منكم وانثنى سحراً *** يهيج بالقلب للإسراء عنوان
لله حبٌ، رسول الله أسسه *** وهل لنا غيره أس وأركان
وقام من بعده الصديق يورده *** والشرق والغرب نيران وصلبان
بعزمةٍ عقد الرايات مرتقباً *** بشرى الرسول وأمضى وهو عجلان

وقال: إن لم نبادرهم بمعمعة *** تنسي الحلومَ فلا كنا ولا كانوا
والدهر ما عزم الصديق مرتجف *** والأرض مائدة والبحر طوفان
إذا تحنن فالإعصار مرحمة *** وإن توعد فالأنسام حسبان
يعطي وليس لمخلوق عليه يد *** إنفاقه حسبة، والعتق إحسان

دع ليلة الغار فالقرآن خلدها *** تقاصرت همم عنها وأزمان
والروم قد أثخنت في الفرس عن حنق *** فالشام قلب وباقي الملك جثمان
حلاوة النصر لا زالت تداعبها *** ونشوة النصر في الطغيان طغيان
لكن قلب هرقل َ واهن وجل *** تصارعت فيه أنوار وأوثان
لديه من سابق الأخبار عن سلفٍ *** من النبوات آيات وبرهان
شمس الرسالة هذا حين مطلعها *** فلتبتهج بسنا الرحمن أكوان

"ساعير" و"الطور" للإسلام تقدمةٌ *** والنور تعلنه في الأرض "فاران"
والله يختار مما شاء مرسله *** والخلق ليس لهم رأي ولا شان
والملك في فرع إسماعيل منتقل *** حتماً ولو كرهت روم ويونان
ملك الختان بدا في الأفق شاهده *** فبان أن الملوك القلف قد بانوا

وأخمدت نار كسرى حين مشرقه *** واهتز بالشرفات الشم إيوان
تلا كتاب رسول الله في أدب *** وقال للروم والأرصاد حيطان:
هذا الرسول الذي كنا نؤمله *** فالعين نائمة والقلب يقظان
وهذه الشام للمبعوث عاصمة *** للسيف ظل وللزيتون أغصان

إن اتبعناه فالدنيا لنا تبع *** وسائر الناس خدام وولدان
وإن أبينا فأمر الله غالبنا *** وملكنا ضائع والسعي خسران
نعمْ! "هرقل ُ" لقد أسمعتَ ذا صمم *** لو كان للقوم آذان وإذعان
أبت بطارقة الرومان موعظة *** وغلّ أحلامهم كبر وبهتان

والكبر ما كان في طياته حسد *** فشر وادٍ تردى فيه إنسان
إلا "ضغاطر" إن الله أكرمه *** وقال: يا قوم إن الحق فرقان
محمد نحن في الأسفار نعرفه *** فكيف يوبقنا في الكفر نكران
تواترت عندنا أنباء بعثته *** فالخلق ينتظرون الإنس والجان
لولاه ما هاجر الأحبار واصطبروا *** على لظى يثرب والشام أجنان

وللنبوة أعلام إذا نشرت *** أصغى وأبصرها بكم وعميان
وحي يصدق بعضاً بعضه أبداً *** توراة موسى وإنجيل وقرآن
والحق أوله مهد لآخره *** جبريل ناموسه والرُّسْل إخوان
تقدس الله أن يدعى له ولد *** أو أن يكون له ندٌ وأعوان
وكلكم عارف ما قلت فاتبعوا *** حكيمة النمل إذ وافى سليمان

فأشعياء حكى أوصاف طلعته *** كما حكى صورة بالرسم فنان
ودانيال فقد جاءت نبوته نصاً *** كما يبصر الإنسانَ إنسان
وفي المزامير يأتي أحمد فإذا *** كل الجزائر والأنهار خضعان
وسوف تُخدِمه أقيالَها سبأ *** وسوف تتحفه بالورد لبنان
ويهرع الناس نحو البيت عارية *** أطرافهم ولهم عج وألحان
تهدى إليه قرابين مقلدة *** تسوقها حسبة مصر ومديان

وفي شكيم له جيش ذوو غرر *** يقتص مما أراقت قبل رومان
وأرض بابل يعنو سحرها هلعاً *** إذا ترنم بالتهليل عربان
هم أمة الحمد والتكبير ديدنهم *** إذا علوا شرفاً أو لاح علوان
وفي النهار ليوث لا يساورها غمر *** وهم في ظلام الليل رهبان
هذا هو الملكوت الحق قد بزغت *** أنواره فالدجى المبهور وسنان
كأنني أبصر الأملاك تحمله *** وهم صفوف لمبداه وفرقان

وذا المبارك باسم الرب مقدمه *** بنوره محفل الأملاك زهوان
تمت على الحجر المرفوض نعمته *** فصار تاج الذرى والدين بنيان
أيخفض الله بنياناً ونرفعه؟ *** ويصطفي الله مختاراً ونختان
ويبتلي الله تقوانا فيلبسها *** من التعصب إغماط وشنآن
فمزقوه وقد كان الإمام لهم *** لكن تملكهم بغي وأضغان

كانت دمشق ترى هذا وتسمعه *** كذاك أصغت لقول الحبر جولان
وكل مؤتمر في أي محتضر *** غير السقيفة أسمارٌ وبطلان
بكى هرقل ولكن كان ذا جلد *** وقال قولة نصح وهو لهفان
يا أيها الروم إن لم تسلموا فلنا *** في الصلح خير وبعض المر حلوان

وملك أحمد حد الشمس مبلغه *** والترك من جنده والصين أقنان
وسوف تسجد روما وهي صاغرة *** مهما تقادم أجيال وأزمان
قالوا: أندفع للأعراب جزيتنا *** أبناء هاجر هم للروم عبدان
فقال: يا ليتني عبدٌ لأعسفهم مُلكاً *** ولا ملك لي فيكم ولا شان
وكنت ألثم من خير الورى قدماً *** يحيى بقبلتها روح ووجدان

وقد تمنى مسيح الله خدمته *** وحمل نعليه والإنجيل برهان
ثم انثنى من وراء الدرب مكتئباً *** إذ أقبلت لجنود الله فرسان
وكان ما كان مما الدهر سجله *** وشاهدت آيه حمص وبيسان
ملاحم الحق واليرموك رايتها *** فاضت بها من روابي الشام شطآن

وكلما أوقد الرومان ملحمة *** هوى لنا شهب وانقض عقبان
جئنا صقوراً على شقر مضمرة *** وهم على الدهم يوم الروع غربان
قد انتضينا سيوف الحق ليس لها *** في النقع إلا جسوم الروم أجفان
وللبطولات أصداء مزلزلة *** سارت بها في فجاج الأرض ركبان

فما تظن بجيش في ذؤابته *** أصحاب بدر وسيف الله أركان
ملائك الله بالإرعاب تنصرهم *** لهم من الذكر أحراز وأحصان
تمضي القرون ونون الدهر عاجزة *** عن كتب أمجادهم والسطر عيان
ودِّعْ -هرقل ُ- وداعاً لا لقاء له *** ضاع الهوى فقد الأحلام هيمان
ودِّعْ على حسرة ما كنت تعشقه *** مراتع العز حيث الملك جذلان
غال الحقيقة قوم أُترعوا بطراً *** كما قد اغتالها في الدير رهبان
فاقنع بمشطور ملك الروم ما بقيت *** من البطاقة أطلال وعنوان

ومن يعظم رسول الله يجز به *** دنيا إذا فاته دين ورضوان
والحمد لله صان الله ملتنا *** من مثل ماعاث "قسطنطين" أو جان
وأورث الله أرض الأنبياء لنا *** والسيف للسيف أكفاء وأقران
والروم ما شئت من رأي ومن عدد *** لكنما الأمر توفيق وخذلان

وإنما خذل الرحمن مجمعهم *** كيلا يمن على الإسلام منان
وكي يظلوا عدواً دائماً أبداً *** لا يستكين لهم حقدٌ وأضغان
والشام بالشوق قد أخفت شماتتها *** والحب يوقده للصب كتمان
يا شام قد لاحت البشرى على ظمأ *** واستشرف الفجر أكمام وسيقان

حان اللقاء فتيهي وارقصي جذلاً *** فموكب الشوق للأعراس بستان
أبو عبيدة والتقوى تجلله *** هشت لملقاه آكام ووديان
وعانقته دمشق وهي غارقة *** في سكرة الحب والمشتاق نشوان
قالت: ألا أرتوي من مبسم سقطت *** منه فدى لرسول الله أسنان

هذا العفاف وهذا الزهد أذكرني *** يحيى الرسول فقل لي كيف أزدان
ياحبذا النور نور الله يغمرني *** وحبذا الجند جند الله من كانوا
هذا الحواري لا ما كنت أحسبه *** إذ للنواقيس في الأرجاء إعلان
هذا الأمين كنوز الأرض تطلبه *** وكم سباها من الأحبار خوان
والزهد في الفاتحين الغر منقبة *** ما نالها قط عربيد ودنان

سل الفتوح التي كانت شريعتها *** ما سار "اسكندرٌ" أو سن "ساسان"
يا من وسادته ترس ومسكنه *** خص ومزوده ملح وأشنان
ما الشام قبلك إلا مقبر خربٌ *** تناثرت فيه أشلاء وأكفان
نور من الرحمة المهداة مقتبس *** أضاء والشام أدغال وغيران

إذا تزينت الدنيا بكى فرقاً *** متاعها عنده زور وبهتان
رديفه سيد الفتيان قاطبة *** من حشو بردته علم وإيمان
أغر أبيض يحكي البرق مبسمه *** وكل منطقه در وعقيان
الذاكر الله إن قاموا وإن هجعوا *** الذكر روح له والصوم ريحان

قل يا معاذ فأبنائي تلامذة *** إذا نطقت وزهر الربع آذان
وهامت الشام شوقاً أن ترى عمر *** هو الزعيم وهذا الصحب أعوان
يا شام قد أقبل الفاروق فابتهجي *** فالجو من عبق الفاروق ريان
والأرض تهتز رعباً من جلالته *** ومن مهابته في السحب رعدان
سكينة الحق تعلو وجهه أبداً *** فلا يواجهه في الدرب شيطان

وأينما سار في مغناك موكبه *** طابت بممشاه أعطاف وأردان
محدَّث ملهمٌ جمٌّ مناقبه *** العبقرية من سيماه تزدان
أستغفر الله هل شعري يحيط به *** وصفاً ولو أن هذا البحر ديوان
وهو الذي طالما جادت فراسته *** رأياً فوافقه بالوحي قرآن

يا حظ "جابية" بالركب قد شرفت *** وسائر الشام إصغاء وإذعان
هنالك ارتجل الفاروق رائعةً *** فيها من الحق دستور وتبيان
جلَّى من الخطة البيضاء منهجها *** هو اجتماع وإخلاص وإيقان
وفجأة ضج هذا العرس وانقلبت *** أفراحه مأتماً تغشاه أحزان

نادى بلال فأبكى الشام قاطبة *** الصوت مختنق والحلق غصان
أثار ذكرى رسول الله فانتحبت *** وهل لذكرى رسول الله سلوان
لم يستطع لاسمه لفظاً وحق له *** إذ لوعة الحزن في الأحشاء نيران
فتلك أصداؤه في الشام ما سكنت *** السهل مستعبر والسفح حنان

من كان في الملأ الأعلى أحبته *** فلا يعلله في الأرض خلان
رمضاء مكة تتلو بعده "أَحَدٌ" *** و"الله أكبر" في الآفاق رنان
وصخرة القدس تدري أن فارسها *** نظير يوشع لا روم وكلدان
لما تسلمها الفاروق طهرها *** كما على الطهر أبقاها سليمان

يا فاتح القدس إن القدس قد سلبت *** وغالها بعدكم "ليفي" و"دايان"
وباعها الزمرة المستسلمون كما *** باع الحطيم بزق الخمر "غبشان"
الله والناس والتاريخ يلعنهم *** فهم على الذل أعيار وأنتان
لا دينَ لا غيرةً لا عقلَ لا رشداً *** العار مكسبهم والدرب غيان

على اليهود هم الأغمار خانعة *** لكن على قومهم عبس وذبيان
الخزي والخسر والشحناء ديدنهم *** لا يستقيم لهم أمر ولا شان
محض العداوة للإسلام يجمعهم *** وهم من الكفر أصناف وألوان
ولا تراهم على خير قد اتفقوا *** وهم على الشر أنصار وأعوان
مما أراقوا ومما أهدروا وطغوا *** ضجت إلى الله أفواه وأوطان

كل القداسات داسوها بأرجلهم *** باسم السلام وكم ذلوا وكم هانوا
حادوا عن الرشد قصداً واستبد بهم *** في لجة التيه إيغال وإمعان
أعفّ عن ذكرهم إذ نحن في سمر *** عن الأُلى ذكرهم روح وريحان
صحابة المصطفى خير الورى أثراً *** ما رام منزلهم إنس ولا جان
لهم أحاديث في الإخلاص لو قرئت *** على الجلاميد أمست وهي كثبان

لولا الرسول لما كانوا أساتذة *** والناس من حولهم للمجد صبيان
هم زينة الدهر والتاريخ يلبسهم *** تاجاً يرصعه در ومرجان
لولا الرسول لما كانوا عباقرة *** فالوحي للفطرة الصماء بركان
هم الهداة الأُلى من نور حكمتهم *** عم الحضارة إنصاف وعرفان
إن الحضارة روح ليس ما نحتت *** من التماثيل يونان ورومان

أين التسامح أين العدل إن صدقوا *** أين المواثيق هل للكفر ميزان
تلك الشعارات زيف يخدعون به *** وهم على الظلم والعدوان أخدان
أين المآذن في أرجاء أندلس *** إذ ظل بالشام أديار وصلبان
إنا على العهد لا نختان ذمتنا *** ولا نجور وإن جاروا وإن خانوا
منّا تعلَّمتِ الدنيا كرامتها *** إذ الفرنجة قطعان وغيلان

متى رعوا حرمة أو راقبوا ذمماً *** روس وصرب وإيطال وإسبان؟!!
العدل في القول والأحكام شرعتنا *** إن الهوى للضمير الحي فتان
هم أمنع الناس من ظلم الملوك لهم *** إلا علينا فإن الظلم إحسان
وإن تر الروم فيما بينهم عدلوا *** فهم على غيرهم بغي وعدوان
فانظر لأذنابهم في الشرق إن حكموا *** روم ولكنهم سمر وسودان

وإنما اقتبسوا من ضوء سيرتنا *** ما أيقنوا أنه للملك أركان
لولا المساواة والشورى لما غلبوا *** ولا استقر لهم في الأرض عمران
ونحن لما انحرفنا صار حاضرنا *** في الجاهلية حالاً كالذي كانوا
نقدس "الفرد" أياً كان منهجه *** "الفرد" نصب وكل الناس سُدّان
فدينهم دينه والشرع شرعته *** ولغوه سنّةٌ والأمر قرآن

يا شام معذرة زاغ الحديث بنا *** والهم في النفس أشتات وأشجان
أكْرِمْ بقوم شروا لله أنفسهم *** فالملك عارية والروح قربان
نالوا الشهادة إذ قامت وسائلها *** بكل جنب فطاعون وطعان
في المرج رهط وفي عَمْواس طائفة *** حُمَّ القضاء وما للقوم أكفان

ما مات قوم أبو الدرداء خَالِفُهم *** أنسى بحكمته ما قال لقمان
سل قلعة النصر والإصرار هل بقيت *** من آل حاميم أصداء وبنيان
إذ جاء من طيبة الغراء مصحفها *** لما اعتنى بكتاب الله عثمان
الله يجزيه خيراً ما سمى أحد *** وما تألق بالترتيل نعمان
لولاه كنا كأهل الدير إن قرأوا *** "متى" يكذبه "يوحنا" و"سمعان"

هذا الحكيم أبو الدرداء يقرؤه *** والناس للمشرع المورود زلفان
معلم الخير بالإحسان يذكره *** في البر نمل وفي اللجات حيتان
بكت دمشق زماناً من مواعظه *** وفي القلوب ينابيع وصلدان
وإن ألمت به في الرأي معضلة *** يمده خابر الأديان "سلمان"

القول إن قال أمثال مصرفة *** والفعل للمقتدي هدي وإحسان
يجلو قلوبا يغشِّى الران رونقها *** ويرتقي بالتي في نورها غان
والتابعون من الآفاق قد وفدوا *** أزد وقيس وأنمار وخولان
فللجوامع أحبار محلقة *** وللرباط صناديد وفرسان

حياك يا أمة التوحيد ما طربت *** ورق وما ثملت بالشدو أفنان
ولى هرقل وولاها معاوية *** فعلَّم الروم أن اليأس سلوان
الحلم شيمته والغزو همته *** أرسى السفين كأن البحر قيعان
ما بين شاتية تغدو وصائفة *** ما فل عزم ولا وافاه خذلان
والصافنات أبو أيوب يزجرها *** وللمنايا أخاديدٌ وخلجان

يا أشرف الصحب داراً طاب مضطجعٌ *** بساحة الروم نائي الدار ضحيان
جعلته معلماً يذكي عزائمنا *** إذا تخبطها دنيا وشيطان
ثم انبرى الخثعمي الشهم يوردها *** أصفى الموارد عزاً وهو نهلان
لله هذا الفتى ما كان أعظمه *** لانت صخور الرواسي وهو صوان
ستون عاماً قضاها في مرابطه *** لم توقد النار إلا وهو يقظان
وفي جنادة للأعداء مأسدة *** والغامدي الأبي القرم سفيان
وهل رأيت حبيباً حبه لهب *** إذا أديرت رحاها فهو طحان

يا شام ساء صباح الروم قد نزلت *** بساحة الروم أهوال وشجعان
ما أصبحت بالكماة الشم مترعة *** وعسها الليل إلا وهي جبان
وظل ديدننا هذا وديدنهم *** حتى اعترانا البلى والسعد ظعان
هنا استبدت بنور الحق غاشية *** وسنة الله أن الزيغ غشيان

ومن يزيد إلى الحجاج ما فتئت *** تشكو من الظلم أنحاء وأعيان
والظلم شؤم وشر الظلم ما ولغت *** فيه الملوك وأثرى منه سلطان
والناس إن بايعوا والسيف يخفقهم *** فلفظهم مادح والقلب لعان
والناس تخدع من بالزيف يخدعها *** تطيعه صورة والسر عصيان
والكسروية في الإسلام محدثة *** أكلما مات حرب قام مروان

وفي أمية للإسلام مأثرة *** كما لهم ثلمة والله ديان
إن كفَّر الله عنهم بعض ماعقدوا *** واستأثروا فبما أمضى سليمان
لكن للعدل كَرَّاتٌ وإن ندرت تذكر *** الناس بالشورى متى بانوا
وكان أول وعد صادق عمر *** تبارك الله عين العدل إنسان
الراشد الماجد الميمون طائره *** عليه من سمة الفاروق تيجان
فاعجب له عمراً يقفو خطا عمر *** كما همى صيِّبٌ يتلوه هتان
يا واعظاً وعظ الدنيا بسيرته *** روح من الرشد لاحيف وإدهان

والظالمون لهم يوم سيفجؤهم *** إذا تسربلهم نار وقطران
تاريخنا هكذا حيناً عمالقة *** غر وحيناً طواغيت وأوثان
هذا يبيت ثقيلاً من مظالمها *** وذاك للرد والإنصاف سهران
وكم توثب فينا ثعلب خَتِلٌ *** ودبر الملك قينات وخصيان
وكم تحكم باسم الدين طاغية *** وكم تحكم باسم العلم كَهّان
وكم رأيت دعاة الحق يقذفهم *** بلعام ُ واستخدم الأشرافَ دهقانُ

إذا تأله فرعونٌ على ملأ *** فهل يلام على الإفساد هامان؟
وأغفلُ الناس من تغلي رعيته *** غيظاً ويحسب أن الصمت إذعان
والناس ينسون إلا من يجرعهم *** مرارة الظلم ما للظلم نسيان
يدسه الجد للأحفاد مستعراً *** والأم ترضعه والثدي لقان
إذا الفراعين سنوا الظلم فلسفة *** تلطخت فيه أقلام وأذقان

باسم السياسة حل الظلم بل نسخت *** من الشريعة أعلام وأمتان
الرعب يستلب الأحلام يقظتها *** وبهرج الزيف للأنظار دخان
ومرَّ دهر ودنيا الشام خاملة *** منذ استبدت برأس الأمر بغدان
حتى اقتضت سنة الرحمن أن طرقت *** أبوابها من جيوش الكفر صلبان
وما الفرنجة إلا معشر همج *** أخنى عليه دهور وهو وسنان
والدين للناس مفتاح يحركه *** باسم التعصب صديق وشيطان
وربما اعتذر الشيطان -سيدهم- *** مما افترى "بطرس " وافتات "أُربان"

والترك لما تخلى العرب قد ورثوا *** عبء الجهاد فما هانوا ولا لانوا
شجاعة الترك بالإسلام قد زكيت *** ليست كما ربها خان وخاقان
هم المغاوير لا ريث ولا وجل *** هم العماليق خيال وسفان
لا ترتوي من دماء الروم أنفسهم *** بل نابهم لهث عنها وإدمان
فإن شككت فسل عنهم عطارفة *** لما تعاورها روس وشيشان
هم وحدهم قد أذاقوا الروس ملحمة *** والروس للغرب كل الغرب أقران

والشام أبطالها من حاط ساحتها *** ولا تبالي متى جاءوا ومن كانوا
وهكذا جاء نور الدين فابتهجت *** في السهل عرس وفي الأبراج أحضان
أتى إلى حلب الشهباء ينقذها *** إذ كان لطخها بالرفض رضوان
وجاء بالسنة الغراء يبعثها *** هداً لكفر العبيديين إذ خانوا
خمسون حصناً بحد السيف حررها *** وكلها بالعلوج الشقر ملآن

قد عاهد الله أيماناً مغلظة *** وهو الصدوق وإن لم تعط أيمان
ألا يُرى ساعة في الدهر مبتسماً *** ولا يقر له حال ولا شان
مادام في حوزة الكفار مسلمة *** يسومها الفحش دعار ومجان
ولا يظلله سقف ولا كنف *** ما قام للسيف إعمال وإثخان
ما نال من بيت مال المسلمين يداً *** وإنما رزقه بالوقف دكان
وزوجه تنسج الأستار صائمةً *** نهارَها وهي للإفطار أثمان
دار الحديث بناها فهي سامقة *** والعلم أس وباقي الأمر بنيان

ألغى المكوس وأقصى من تأولها *** والسحت مهما طغى غبن وخسران
والعدل والنصر مصفودان في قرن ***ومنتهى الظلم إدبار وخذلان
شر الملوك الذي يختان أمته *** في رزقها فهو مكاس ومنان
قل للمرائي بلا جهد ولا نصب *** أقصر لُعنت فخير منك قزمان
وحسب محمود الأواب مفخرة *** أن الرسول أتاه وهو نعسان
وقال: شأنك والعلجين إنهما *** راما أذاي كما يندس ثعبان

فجاء طيبة يحدو العيس جاهدة *** وأحبط المكر فوراً وهو غيران
وحاط أطهر رمسٍ من قواعده *** فالردم من آنك والقطر أركان
تباً لروما فقد شابت ذرى أحدٍ *** لمكرها واقشعرت منه لبنان
واعجب وإن شئت قل لي كله عجب *** لمنبر صاغه تقوى وإيمان
عشرون عاماً ونور الدين يحمله *** وللمهندس تجديد وإتقان
من العراق إلى الأعماق يصحبه *** وما رقاه -على الإطلاق- سحبان
والجيش يسأل هذا ما يراد به؟ *** إذ جاز في الشرع للإحسان إعلان
وإنما كان نذراً لا يبوح به *** للقدس، أواه هل للقدس جيران

قد رام أمراً فكان الموت سابقه *** ونية الخير بالإنجاز صنوان
وهذه الأمة العصماء ما شهدت *** إلا بحق وفي الأخبار تبيان
باسم الشهيد لنور الدين قد لهجت *** وللكرامات في الأرواح وجدان
ومن أتى الله بالإخلاص أورثه *** لسان صدق وعقبى الذكر رضوان

مرحى فهذا صلاح الدين ينجزه *** نعم الخليفة للإسلام معوان
أقام حطين في التاريخ ملحمة *** يشدو بها في فضاء الدهر أكوان
يا فارس القدس أرض الفتح تُقْطِعُها *** وما لنفسك مثل الجند بستان؟
كم مات من هو أدنى منك مملكة *** وكنزه العين أحمال وأطنان
وأنت ترحل لا كنز ولا نشب *** ولا عقار ولا قصر ولا خان

المال كالعمر في درب الجهاد مضى *** فيء ووقف وأنفال وسلبان
نفسي فداء يمين منك قد فلقت *** بالسيف "أرناط" والمنذور عطشان
لو افتدى بكنوز الأرض ما قُبلت *** إن نال عرض رسول الله فتان
أسرت أقيال أوروبا وتعتقهم *** فشأنك الدهر غلاب ومنان

أخلاقكم هزمتهم قبل رايتكم *** فهل تزكى بريطان و ألمان
لا يُبعد الله عكا إنها شهدت *** أن الوفاء مع الأنذال خسران؟
إذا قدرنا فإن الصفح شيمتنا *** وهم إذا قدروا غدر وختلان
وحيثما لاح في أرجائها ذهب *** أو أبصروا النفط فالقديس قرصان
"غورو" و"ريموند" و"اللنبي" وصاحبه *** كلٌّ على الغي سفاح وخوان

قوم تراهم وحوش الحرب ما غلبوا *** وهم إذا عجزوا للسلم حملان
ألا تراهم وقد قامت قيامتهم *** لما تطلع للإسلام بلقان
خاطوا الأحابيل باسم السلم واجتمعت *** رغم العداوات أحلاف وأديان
لا دين للغرب إلا حرب ملتنا *** وما عدا ذاك لا تسأل بما دانوا
يأبى السلاح ويعطي القوت تعمية *** فالقوم صنفان جزار وتبان

وهيئة الأمم النكراء مسرحهم *** ومن وراء خيال الظل أرسان
ونحن نشكو إلى الجزار خادمه *** كيلا يقال " أصوليون" "أفغان"!!
الشام أكثر أرض الله معرفة *** بغدرهم إذ غزاها منه غزوان
ومثلهم ما تغشى الشام من محن *** لما تجبر هولاكو وقازان
وأقبل الجحفل الجرار من تتر *** كأنما أُشعلت في الأرض نيران

ولم تر الشام من يحمي محارمها *** بل فر بالخزي نواب وسلطان
فقام بالأمر حبر الدهر أجمعه *** دمشق مَدْرَجُهُ والأم حرَّان
قام ابن تيمية في نصر ملتنا *** كصاحب الغار والردات ألوان
ما شاءت الشام من سيف ومن قلم *** ما يشتهي المجد مغوار وميزان

الجهبذ البارع الماضي مهنده *** لمنهج الوحي حفاظ وصوان
الفلسفات تهاوت عند صولته *** كما تهاوى أمام الضيغم الضان
وحطم المنطق المفتون ناظره *** وكل ما أسست للشرك يونان
وللنصارى صراخ عند جولته *** وللروافض نوَّاح وأنَّان
وللتصوف أرصاد مسننة مثل *** الشهاب إذا ما ند شيطان
إذا تأنق في المنقول مجتهد *** وإن تعمق في المعقول ربان

كم جاء من بعده في العلم من علم *** فلم يقاربه فيما رام إنسان
والكل من بحره الزخار مغترف *** تفيض منه الروايا وهو ملآن
"درء التعارض" و"المنهاج" شاهدة *** وفي "الجواب" أعاجيب وبرهان
وفي الفتاوى كنوز طاب معدنها *** وفي "البيان" على التعطيل بركان
وفهمه في كتاب الله معجزة *** تحيّر العقل تأويل وتبيان
والفقه بالحجة البيضاء حرره *** فقوله الفصل والمعيار قبّان
ماذا تُعدِّد من جُلَّى مناقبه *** وهل يقوم لموج البحر حسبان

وهكذا الشام ما شاخت ولا عقمت *** إذا تدفق بالإسلام شريان
عهدي بها وعرى التوحيد تجمعها *** وشأنها اليوم أحزاب وأديان
فللنصارى حكومات وألوية *** وللقرامطة الأنتان سلطان
وللدروز بروز في محافلها *** وللروافض نواب وأعيان
أما اليهود فقل عنهم ولا حرج *** الدهر يعجب والتاريخ سكران

لولا حجارة أرض الطهر ما عرفوا *** طعم العقاب ولا أصغوا ولا هانوا
ثارت تزمجر والتكبير يرفعها *** وهز نخوتها قهر وعدوان
هَبْ الحكومات بالإرهاب تخنقها *** أليس في صمتنا للرفض عنوان
ربائب الروم بالقومية استتروا *** خانوا الشعوب وهم لله خوان
يشكون بالذل مما سامهم "نتن" *** وهم من الأصل أعيار وأنتان

كم أضجر الناس عهد الشجب كم لعنوا *** أبواق من نددوا باللفظ أو دانوا
وللبيانات أسجاع مكررة *** يقيء منها على الإعلام أذهان
ثم انتكسنا فلا شجب ولا أمل *** في الشجب فالأمر تهويد وإذعان
أستغفر الله بل شجب وولولة *** إذا تخبط "رابين" و"كاهان"
وأصبح الهيكل الموهوم كعبتهم *** وشيكل النحس للبترول أثمان
والبعث لا بعث بل خسف ومهلكة *** بئس الشعارات إلحاد وكفران

الكفر محكمة التفتيش تحرسه *** والناس صنفان ثوار وثيران
قامت على نحلة التثليث دعوتهم *** فللأقانيم أشكال وألوان
سودٌ خيانتهم حمرٌ جنايتهم *** وحسبهم أن إحداها "حزيران"
فروا وهم في ذرى الجولان -يا عجباً- *** من اليهود وهم في السهل ما بانوا
وأعلنوا أنها في يومها سقطت *** والساقطون هم الحكام إذ خانوا
لم يسكتوا وضباب الرعب يغمرهم *** عند النزال ولاهم للحمى صانوا

وللعمائم تطبيل وبهرجة *** يغار إبليس منها وهو فتان
وربما أخَّر الدجال مخرجه *** إذ لا مكان له والقوم جيران
أهذه الشام أم عيناك زائغة *** وربما زاغ طرف وهو يقظان
وشْيٌ بديع كسوناه حضارتنا *** كيف انطوى فهو أطمار وخلقان
فانفض يديك من الدنيا وزينتها *** فإنما هي أطياف وأطيان
واتل الرثاء على الأطلال مفتتحاً *** لكل شيء إذا ما تم نقصان
مهما غلا الدمع فالمأساة ترخصه *** أو لم تجد فاستدن فالصب يدّان

أهل الصبابة دعواهم مُزَوَّقة *** لولا المدامع ما بروا ولا مانوا
واعجب لنا كيف صار الضيم يجمعنا *** فنحن في القيد أقران وإخوان
وانظر إلى موطن الأبدال مرتهناً *** يلهو بمغناه دجال وزفان
يقول يارب هذا الليل أثقلني *** فهل له آخر بالفجر مزدان
وهل إلى رمق بالبشر معتنق *** يزفه مورد بالعز ريان
أو تنقضي هذه الأحشاء ذاوية *** وتنضب الروح والمشتاق ولهان

لا، ليس لليأس درب في مشاعرنا *** مهما تناوب للأرزاء حدثان
بقية السيف بالأبطال ممرعة *** والثأر جرح فإعصار فطوفان
وللبطولة عشق لا يبدده *** وصل ولا يعتريه الدهر سلوان
وللعقيدة آساد مشمرة *** لكن تكنفها قهر وطغيان
هم الأحبة إن زاروا وإن هجروا *** هم الأخلاء إن حلوا وإن بانوا

أرض البطولات يا أسمى معاقلنا *** إذا ألمَّ بدين الله عدوان
ذات القرون إذا حانت ملاحمها *** ففي رحابك فسطاط وميدان
نجوز تيه الفيافي كي ننازلها *** ونمتطي البحر نصواً وهو هيجان
ونركب الخيل عريا وهي حانقة *** وللمنايا كلاليب وأشطان
نقارع الموت والأهوال محدقة *** ونعتلي الريح والأجواء نيران

أتعجبين لأن الكفر أوثقنا *** حيناً وقد شهدت بالنصر أحيان
أم تجزعين لأن الظلم فرقنا *** أللمشاعر حراس وخزان؟!
هذي الحدود رماح في محاجرنا *** فليزعموا أن هذا القلب أوطان
من وقعوا "سايكس بيكو" وإخوتها *** متى اعترفنا بهم؟! هل نحن قطعان

الحمد لله حبل الله يجمعنا *** فلا تفرقنا قيس وقحطان
أم تعتبين فبعض الصفح موجدة *** للمستهام وبعض العتب غفران
والله لا نستقيل الحب ما برحت *** منا على البعد أكباد وأجفان
فليكتب الأرز ولتملل ضمائرنا *** ما شئت من موثق وليشهد البان