الأطماع الاستعمارية في الشمال الإفريقي

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى أعدَّت بريطانيا قوة عسكرية، وهاجمت العراق في 6 من فبراير 1914م، وتمكنت بريطانيا من السيطرة على المثلث الواقع بين البصرة والعمارة والناصرية، وأقامت حاكماً سياسيّاً في البصرة في 25 من يوليو 1915م...

  • التصنيفات: اليهودية والنصرانية -


الصحوة المصرية:

بحلول عام 1875م كانت أهم دولتيْن أوروبيتين مسيطرتين على الوضع في شمال قارة إفريقيا هما: فرنسا التي كانت تسيطر على الجزائر، إضافةً إلى سيطرة بريطانيا الاقتصادية على مصر؛ ففي عام 1879م كانت مصر خاضعة بشكل كامل للنفوذ البريطاني، وضعفت قبضة الخديوي إسماعيل وتراخت أمام السيطرة البريطانية، ولم يشعر الخديوي بخطورة هذه السيطرة إلاَّ بعد فوات الأوان.

وفي محاولة يائسة للخروج من المصيدة البريطانية اتجه الخديوي إسماعيل إلى الشعب المصري ليتقوَّى به أمام النفوذ البريطاني، فشرع في إصلاحات حقيقية، وقَبِل لائحة وطنية رفعها له نُخبة من وجهاء المصريين، وتضمَّنت هذه اللائحة منح مجلس شورى النوَّاب الحرية التامة، والصلاحيات؛ لمتابعة كافة الأمور الداخلية، وخاصةً الأمور المالية كما هو معمول به في النظم الأوروبية، كما أسقط الخديوي الوزارة الأوروبية التي فُرِضت عليه من قِبَل الإنجليز، وكلَّف بها أحد الزعماء الوطنيين، وقد قدَّمت هذه الوزارة لمجلس شورى النوَّاب في يوم 17 من مايو 1979م أوَّلَ مشروعٍ لدستور نيابي برلماني كامل.

لم تقف بريطانيا موقف المتفرِّج أمام هذه الصحوة المصرية، فقد كانت تعلم مدى خطورة هذه الإجراءات الإصلاحية على المصالح الإنجليزية، وتحركت بريطانيا على الفور، ومارست ضغوطها على الخليفة العثماني حتى أصدر قراراً بعزل الخديوي إسماعيل وتولية ابنه توفيق.

ووَعَى الخديوي الجديد الدرس جيداً، وقرر الإذعان للوصاية الأجنبية، فرفض الموافقة على مشروع الدستور، وألَّف وزارة رياض باشا التي جعلت الأولوية في مهامِّها لتصفية النُّخبة الوطنية التي كانت قائمة على المشروع الوطني الحالم.


الأطماع الاستعمارية في الشمال الإفريقي:

لم يمنع الاهتمام البريطاني بمتابعة خطة السيطرة على مصر من ملاحظة الأطماع الاستعمارية الفرنسية التي ظهرت في هذه الفترة حيال دولة عربية مسلمة أخرى وهي تونس، ومن المثير أنَّ بريطانيا أعربت عن عدم معارضتها لاحتلال فرنسا لتونس، بل وصرَّحت بريطانيا بأن تونس تعتبر امتداداً طبيعيّاً لممتلكات فرنسا في شمال إفريقيا، وبالطبع لم تُقدِم بريطانيا الاستعمارية على هذا الاعتراف بصورة مجَّانية؛ فقد تركت بريطانيا هذا الجزء من الكعكة نظير عدم معارضة فرنسا لاستيلاء بريطانيا على جزيرة قبرص التي تقع في شرق البحر المتوسط، وكانت الخلافة العثمانية قد استسلمت للضغوط البريطانية، وتنازلت عنها لبريطانيا، وسرعان ما شرعت فرنسا في وضع يدها على تونس حيث عرضت على والي تونس محمد الصادق في عام 1879م مشروعاً لاتفاقية بفرض الحماية على تونس، ولكنَّه رفض بشدة، كما رفض أيضاً عرضاً بالتحالف مع فرنسا في عام 1880م، ولم تجد فرنسا أمامها إلاَّ أن تُسفِر عن وجهها القبيح، وتجهِّز للعمل العسكري.

انتهزت فرنسا فرصة اجتياز عدد من قبائل الكرميين الجزائرية - التي هاجرت إلى تونس بعد احتلال الجزائر - للحدود الجزائرية، واتهمت فرنسا والي تونس بعجزه عن السيطرة على القبائل، ثم قامت في 24 من أبريل 1881م بالهجوم العسكري على تونس، وفي 11 مايو كانت القوات الفرنسية تحاصر قصر الوالي التونسي، وبالفعل تم إجباره على توقيع معاهدة بوضع تونس تحت الحماية الفرنسية في 12 من مايو 1881م [د. عبد العظيم رمضان: الغزوة الاستعمارية للعالم العربي وحركات المقاومة، دار المعارف، ص146].


أمَّا في مصر فقد بدأ التذمر من الحكومة الموالية لبريطانيا، وقامت مظاهرة عابدين الشهيرة في 9 من سبتمبر 1881م التي قام بها الجيش بقيادة الزعيم المصري أحمد عرابي، وتم إسقاط وزارة رياض باشا، كما أسقطت نظام الحكم المطلق [المصدر السابق ص76-86]، وأسفرت بريطانيا عن وجهها القبيح، وقامت في صبيحة يوم الثلاثاء 11 من يوليو 1882م بالهجوم العسكري على مصر، وقصف الأسطول الإنجليزي مدينة الإسكندرية، وبالطبع لم تكن مصر مؤهلة عسكريّاً لصدِّ مثل هذه الهجمة؛ حيث كانت أسلحة الجيش المصري قديمة ومتهالكة، ورغم ذلك فقد لاقى الإنجليز مقاومة شرسة من المصريين سواء من الجيش، أو من الأهالي، ولكن في النهاية انتصر الجيش البريطاني، ونجح في احتلال مصر بعد هزيمته للجيش المصري في معركة التل الكبير التي وقعت في 13 من سبتمبر 1882م [لورد كرومر: الثورة العرابية، ترجمة عبد العزيز عرابي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997م، ص225].

ثم قامت بريطانيا باحتلال السودان كامتداد طبيعي لمصر في عام 1899م، وأيضاً لتحقيق أحلامها الاستعمارية التي كانت تطمح في إنشاء خط سكة حديد بطول القارة السمراء يصل من كيب تاون بجنوب إفريقيا - التي كانت خاضعة للسيطرة البريطانية - إلى القاهرة المصرية، وبالطبع يهدف هذا الطموح الاستعماري إلى نقل الثروة الإفريقية من المواد الخام عبر المنفذ المصري على البحر المتوسط إلى بريطانيا للانتفاع بهذه الثروة في نهضتها الصناعية.


على الرغم من هذا الاهتمام بإفريقيا لم تنسَ بريطانيا توطيد مراكزها بالخليج العربي، وتوسيع نفوذها، فنجدها في عام 1899م نفس عام احتلال السودان قامت بريطانيا بعقد اتفاق مع شيخ الكويت تعهد فيه بالامتناع عن قبول أي تمثيل أجنبي دون تصريح من الحكومة البريطانية، كما تعهدت بريطانيا بالحماية الخارجية الأبديَّة للكويت [د. عبد العظيم رمضان: الغزوة الاستعمارية للعالم العربي وحركات المقاومة، دار المعارف، ص27-28]، وحتى يكتمل احتلال دول الشمال الإفريقي المسلم، والذي لم يبق منه إلاَّ ليبيا؛ قامت إيطاليا بتوجيه أسطولها البحري صوب ميناءي: طرابلس وبرقة الليبيين في 4 من أكتوبر 1911م، وكالعادة لم يلاقِ الهجوم الإيطالي مقاومة تُذكر من الجيش التابع للخلافة العثمانية، ولم ينتهِ شهر أكتوبر إلاَّ وقد تمكَّن الجيش الإيطالي من احتلال المدن الساحلية الليبية الكبرى [ن . إ . بروشين: تاريخ ليبيا من نهاية القرن التاسع عشر، ترجمة د.عماد حاتم، مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، سلسلة الدراسات المترجمة رقم 11، ص103].


وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى أعدَّت بريطانيا قوة عسكرية، وهاجمت العراق في 6 من فبراير 1914م، وتمكنت بريطانيا من السيطرة على المثلث الواقع بين البصرة والعمارة والناصرية، وأقامت حاكماً سياسيّاً في البصرة في 25 من يوليو 1915م، ثم وجّهت حملة عسكرية للاستيلاء على بغداد ولكنها لم تستطع ذلك إلاَّ بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، فتقدمت بعد انسحاب القوات العثمانية، وقد استغرق غزو العراق أربع سنوات كاملة [د. عبد العظيم رمضان: الغزوة الاستعمارية للعالم العربي وحركات المقاومة ص272]، ثم منحت بريطانيا للحركة الصهيونية وعداً بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين وذلك بمقتضى اتفاقية لندن في عام 1917م [ أ. د حسن حمدان العلكيم: قضايا إسلامية معاصرة، مركز الدراسات الآسيوية، جامعة القاهرة، الطبعة الثانية 1997م، ص29].

أمَّا المملكة العربية السعودية فلم تدخل تحت الحماية البريطانية إلاَّ في عام 1915م حين عقدت بريطانيا معاهدة مع الملك عبد العزيز آل سعود تلتزم بموجبها بمساعدة المملكة ضدَّ أي دولة أجنبية، وكانت هذه المعاهدة بعد بداية الحرب العالمية الأولى، وظلَّت هذه المعاهدة سارية المفعول حتى عام 1927م عندما استبدلت بمعاهدة جُدَّة [د. عبد العظيم رمضان: الغزوة الاستعمارية للعالم العربي وحركات المقاومة ص30]. (أفريقيا).