وَرْدَةً كَالدِّهَانِ

خالد سعد النجار

يقول الدكتور زغلول النجار -وهو أستاذ علوم الأرض- في تفسير هذه الآية: هذا موقف من مواقف الآخرة وهول من أهوالها تنشق فيه السماء وتتصدع فتتحول إلى ما يشبه الورد الأحمر أو الأديم الأحمر من شدة الحرارة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، أو تنصهر كالدردى أي ما يركد في أسفل كل مائع كالشراب والأدهان فتكون كالمهل أو كالدهان الذائب الأحمر اللون في صفاء الدهن.

  • التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير -


وقفات قرآنية
وَرْدَةً كَالدِّهَانِ
قال تعالى: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37]

أما تشقق السماء يوم القيامة فقد بينه جل وعلا في آيات كثيرة من كتابه كقوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37]، وقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ . وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة:15-16]، وقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} الآية [الإنشقاق:1]، وقوله تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ . وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} [المرسلات:8-9]، فقوله: {فُرِجَتْ}: أي: شقت، فكان فيها فروج أي: شقوق كقوله، {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1]، وقوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} [النبأ:19] (1).

قال مجاهد والضحاك، وغيرهما: "الدهان: الدهن، والمعنى: صارت في صفاء الدّهن، والدهان على هذا جمع دهن".
وقال سعيد بن جبير وقتادة: "المعنى تصير في حُمْرة الورد، وجريان الدهن، أي: تذوب مع جريان الدهن حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم، وتصير مثل الدهن لرقّتها وذوبانها".
وقيل: "الدهان: الجلد الأحمر الصرف". ذكره أبو عبيدة والفراء. أي: تصير السماء كالأديم لشدّة حر نار جهنم.
وعن ابن عباس: المعنى: "فكانت كالفرس الورد في الربيع كميت أصفر، وفي الشتاء كميت أحمر، فإذا اشتد الشتاء كان كميتاً أغْبر".
وقال الفراء: "أراد الفرس الوردة، تكون في الربيع وردة إلى الصُّفرة، فإذا اشتد البرد كانت وردة؛ فإذا كان بعد ذلك كانت وردةً إلى الغبرة، فشبه تلوّن السماء بتلوّن الورد من الخيل".
وقال الحسن: "كالدِّهان أي: كصبّ الدهن، فإنك إذا صببته ترى فيه ألواناً".
وقال زيد بن أسلم: "المعنى: أنها تصير كعكر الزيت".
وقيل: "المعنى أنها تمر وتجيء".
قال الزجاج: "أصل الواو والراء والدال للمجيء والإتيان" (2).

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن السماء ستنشق يوم القيامة، وأنها إذا انشقت صارت وردة كالدهان، وقوله: {وَرْدَةً}، أي حمراء كلون الورد، وقوله: {كَالدِّهَانِ} فيه قولان معروفان للعلماء:
الأول منهما: أن الدهان هو الجلد الأحمر، وعليه فالمعنى أنها تصير وردة متصفة بلون الورد مشابهة للجلد الأحمر في لونه.
والثاني: أن الدهان هو ما يدهن به، وعليه، فالدهان، قيل: هو جمع دهن، وقيل: هو مفرد، لأن العرب تسمى ما يدهن به دهانا، وهو مفرد، ومنه قول امرىء القيس:
 

كأنهما مزادتا متعجل *** فريان لما تدهني بدهان



وحقيقة الفرق بين القولين أنه على القول بأن الدهان هو الجلد الأحمر، يكون الله وصف السماء عند انشقاقها يوم القيامة بوصف واحد وهو الحمرة فشبهها بحمرة الورد وحمرة الأديم الأحمر.
قال بعض أهل العلم: "إنها يصل إليها حر النار فتحمر من شدة الحرارة". وقال بعض أهل العلم: "أصل السماء حمراء إلا أنها لشدة بعدها وما دونها من الحواجز لم تصل العيون إلى إدراك لونها الأحمر على حقيقته، وأنها يوم القيامة ترى على حقيقة لونها".
وأما على القول بأن الدهان هو ما يدهن به، فإن الله وقد وصف السماء عند انشقاقها بوصفين أحدهما حمرة لونها، والثاني أنها تذوب وتصير مائعة كالدهن.
أما على القول الأول، فلم نعلم آية من كتاب الله تبين هذه الآية، بأن السماء ستحمر يوم القيامة حتى تكون كلون الجلد الأحمر.
وأما على القول الثاني الذي هو أنها تذوب وتصير مائعة، فقد أوضحه الله في غير هذا الموضع وذلك في قوله تعالى في المعارج: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً . وَنَرَاهُ قَرِيباً . يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} [المعارج:6-8]، والمهل شيء ذائب على كلا القولين سواء قلنا: إنه دِرْديّ الزيت وهو عكره، أو قلنا إنه الذائب من حديد أو نحاس أو نحوهما.

وقد أوضح تعالى في الكهف أن المهل شيء ذائب يشبه الماء شديد الحرارة، وذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29].


والقول بأن الوردة تشبيه الفرس الكميت وهو الأحمر لأن حمرته تتلون باختلاف الفصول، فتشتد حمرتها في فصل، وتميل إلى الصفرة في فصل، وإلى الغبرة في فصل. وأن المراد بالتشبيه كون السماء عند انشقاقها تتلون بألوان مختلفة واضح البعد عن ظاهر الآية، وقول من قال: إنها تذهب وتجيء معناه له شاهد في كتاب الله، وذلك في قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} [الطور:9]، ولكنه لا يخلو عندي من بعد (3).

يقول الدكتور زغلول النجار -وهو أستاذ علوم الأرض- في تفسير هذه الآية: هذا موقف من مواقف الآخرة وهول من أهوالها تنشق فيه السماء وتتصدع فتتحول إلى ما يشبه الورد الأحمر أو الأديم الأحمر من شدة الحرارة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، أو تنصهر كالدردى أي ما يركد في أسفل كل مائع كالشراب والأدهان فتكون كالمهل أو كالدهان الذائب الأحمر اللون في صفاء الدهن.


ولكن كيف يتم ذلك هو في علم الله سبحانه وتعالى لأن الآخرة لها من القوانين والسنن ما يغاير قوانين وسنن الدنيا، ولكن من رحمة الله تعالى بنا أنه أبقى لنا من الشواهد الحسية والظواهر المرئية في صفحة الكون ما يؤكد على إمكانية حدوث كل ما أخبر عنه في كتابه الخاتم عن مظاهر الآخرة، ومنها تصدع السماء وانشقاقها حتى تصير وردة كالدهان، ومن أمثلة ذلك ما أرسله إلينا تليسكوب (هابل) الفضائي من صور لعدد من النجوم عند انفجارها، ففي 31 أكتوبر سنة 1999 قامت مؤسسة الفضاء الأمريكية ناسا بنشر عدد من الصور الذي بثها هذا التليسكوب الفضائي لنجوم في مرحلة الانفجار في سديم يعرف باسم سديم (عين القط) وهذه النجوم على مسافة منا تقدر بحوالي ثلاثة آلاف من السنين الضوئية وكل نجم من تلك النجوم المنفجرة يبدو في الصورة على هيئة وردة حمراء عملاقة لها من صفاء اللون ما جعل العلماء يصفونها بالتعبير الذي ترجمته وردة حمراء مدهنة وكأنة التعبير القرآني بدقته اللفظية والدلالية.

الهوامش:
(1) أضواء البيان للشنقيطي: 6/44.
(2) اللباب في علوم الكتاب: 15/51.
(3) أضواء البيان للشنقيطي: 7/502-503.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام