العلاقات الجديدة بين السودان ومصر
كان إهمال البعد الإفريقي في السياسة الخارجية لمصر قبل الثورة قد تسبب في تعريض البلاد لعدة أخطار أهمها مسعى إثيوبيا التي تسيطر على منابع النيل إلى بناء سدود ومشاريع أخرى من شأنها أن تقلل حصتي مصر والسودان من المياه وهو ما يهدد الأمن القومي للبلدين..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
منذ بداية العهد الجديد في مصر بتولي الرئيس محمد مرسي الرئاسة في مصر، والعلاقات المصرية الخارجية آخذة في التحسن وإعادة الصياغة والتحول من التبعية لأمريكا إلى الاستقلالية وإعلاء المصالح العليا والإستراتيجية للبلاد. وبعد أن دأبت السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك على تجاهل السودان توأمها وجارها الجنوبي وبعدها الإستراتيجي، بدأت مصر الثورة توثق علاقاتها الاقتصادية والسياسية وكذلك الأمنية مع تلك الدولة التي تمثل بوابتها نحو إفريقيا.
وتكللت هذه العلاقات اليوم بإعلان رئيس الوزراء المصري هشام قنديل أن هناك اتجاه لإنشاء وزارة الدولة لشئون السودان، وكذلك من الجانب السوداني الذي سيسعى لاستحداث منصب مماثل. قنديل أكد كذلك -فى كلمته بجلسة المباحثات الموسعة المصرية السودانية- على وجود عزيمة وإرادة سياسية من القيادات المصرية والسودانية لتحقيق طفرة كبيرة في علاقات التعاون المشترك وتحقيق نتائج ملموسة على الأرض يشعر بها شعبا البلدين. وشدد على أنه ليست هناك حدود للتعاون بين البلدين، فهما يملكان الإرادة والعزيمة والإمكانيات والطاقة البشرية بالإضافة إلى حاجتهما لهذا التعاون حتى يمكن العبور من أزماتنا المالية ونحقق التنمية والرخاء. وعلى وجه الخصوص، أشار قنديل إلى توفير البيئة الجاذبة للاستثمار في البلدين من أجل ترجمة الاتفاقات والمباحثات إلى خطوات عملية على الأرض.
ولم يخف قنديل وجود تحديات كبيرة أمام مصر على الصعيد الاقتصادي "أهمها عجز الموازنة"، في إشارة إلى أن التعاون بين البلدين من شأنه أن يعين مصر على تجاوز هذه الأزمة. وتحدث كذلك عن ضرورة تحويل العربي العربي السياسي إلى ربيع اقتصادي يربط مصر بالسودان وليبيا وتونس. ومن بين أهم المجالات التي تعمل مصر على التعاون فيها مع السودان خلال المرحلة المقبلة الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي والطرق الواصلة بين البلدين والتي تفتح آفاقاً لزيادة التبادل التجاري.
هذا الاهتمام المتبادل بين الطرفين، أعرب عنه كذلك علي عثمان طه النائب الأول للرئيس السوداني، وذلك خلال كلمته بالجلسة ذاتها. ورأى طه أن زيارة رئيس الوزراء المصري للسودان تعكس ما تشهده علاقات البلدين من تطور مهم في هذه الفترة التي أعقبت الثورة المصرية وما شهدته من تجدد الإرادة لتطوير العلاقات بما يحقق مصلحة الشعبين. وأعاد التأكيد على تمسك القيادة السياسية السودانية بترسيخ وتعزيز مجالات التبادل المشترك مع مصر وفتح أفق جديدة بين البلدين وتذليل العقبات للاستفادة من ثروات وإمكانيات البلدين.
وخص طه الإمكانات البشرية للبلدين بالحديث، قائلاً إن مصر والسودان يمتلكان موارد تتجاوز 120 مليون نسمة وتشكل قاطرة اقتصادية بمحيطها الإقليمي. وتأمل الأوساط المصرية أن تتيح تلك الزيارة الاستفادة من الإمكانات خاصة في مجال الزراعة والثروة الحيوانية وتحقيق الاكتفاء الذاتي دون الحاجة إلى لجوء أي من البلدين للخارج. كما يأمل المستثمرون المصريون في الاستفادة من الانفتاح -الذي كان شبه محرم في عهد النظام السابق- في توسيع الاستثمار في مجالات أخرى كذلك من بينها الاستثمار العقاري.
وعلى الصعيد الأمني، لا يزال السودان يعاني اضطرابات أمنية وجماعات مسلحة تشن هجمات على القوات الحكومية بتحريض من خصمتها؛ دولة جنوب السودان الناشئة. وتأمل الأوساط السودانية من أن يساعد الاستقرار الاقتصادي الناتج عن الانفتاح مع مصر على تحسين الأوضاع الأمنية في البلاد خاصة في المناطق التي يتسبب فيها الفقر والبطالة بالانقلاب على السلطات.
وكان إهمال البعد الإفريقي في السياسة الخارجية لمصر قبل الثورة قد تسبب في تعريض البلاد لعدة أخطار أهمها مسعى إثيوبيا التي تسيطر على منابع النيل إلى بناء سدود ومشاريع أخرى من شأنها أن تقلل حصتي مصر والسودان من المياه وهو ما يهدد الأمن القومي للبلدين. كما أحجمت مصر خلال عهد مبارك عن تقديم أي نوع من الدعم أو المساعدة للحكومة السودانية وهو ما تسبب في النهاية في خسارة السودان لجزء حيوي من أراضيها باستقلال جنوب السودان.
وإن تمكن السودان من تعويض خسائره الاقتصادية (الناتجة عن ضياع عوائد النفط في أعقاب الانفصال) من خلال تطوير علاقات اقتصادية جديدة مع مصر، إلا أن تعويض الجانب الأمني على وجه الخصوص سيتطلب المزيد من الجهد والموارد، كما أنه لا يتوقع أن يتحقق فيه الكثير من الإنجازات على الأقل في المستقبل القريب المنظور.
نسيبة داود - 4/11/1433 هـ