المعارضة المصرية.. وسياسة الأرض المحروقة في ذكرى الثورة
تثبت المعارضة المصرية من وقت لآخر أنها عصية على عدم التواصل الجماهيري أو تبني قضايا المصريين، لايشغلها كثيرا سوى الصوت الزاعق، والنفخ في كير أجهزة ووسائل الإعلام ضد أول رئيس منتخب لمصر في تاريخها والمتحالفين أو الداعمين له..
- التصنيفات: مذاهب باطلة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
تثبت المعارضة المصرية من وقت لآخر أنها عصية على عدم التواصل الجماهيري أو تبني قضايا المصريين، لايشغلها كثيرا سوى الصوت الزاعق، والنفخ في كير أجهزة ووسائل الإعلام ضد أول رئيس منتخب لمصر في تاريخها والمتحالفين أو الداعمين له.
وتحشد لذلك كل ما يمكن أن يثير أو يهيج الرأي العام، للدرجة التي تبدو معها أن لها حضورا جماهيريا، وهى في الأساس تعتمد على تزييف ما يجرى انجازه على الأرض من ناحية، واستغلال تراكم الإهمال في مفاصل الدولة المصرية بمختلف مؤسساتها منذ النظام السابق من ناحية أخرى.
هذه المعارضة لاتعرف سوى كاميرات الفضائيات، والتقوقع داخل غرف مغلقة، دافئة شتاء، باردة صيفا، لم تلتحم بالجماهير أو تبحث عن مشاكلها أو تناول قضاياها، ما جعلها نخبا محنطة، لاتحمل برامج يمكن أن تنزلها للتطبيق على مؤسسات الدولة المصرية.
ومن عجب أن تذهب ذات المعارضة إلى وصف غيرها بافتقار مثل هذه البرامج، حتى وان بدا بصيص انجاز منها، فإنها تعمل بكل وسائل التحريض للإطاحة بكل ما يتم تحقيقه على أرض الواقع، لتبدو المعارضة في كل مرة مجددة لحالتها، وهى الرفض المطلق لكل ما يبدو من انجاز، الأمر الذي جعلها في خصومة ليس فيه مع نظام الحكم، ولكن مع الوطن ذاته ومع شعبها.
وباستعراض مسار تصريحات رموز المعارضة وقادتها قبيل حلول الذكرى الثانية لثورة 25 يناير يلمس مدى الرغبة الجامحة لها في تهييج وإثارة الرأي العام ضد مؤسسات الدولة، الأمر الذي غير مستفيدة من كافة حالات الحشد والإثارة والتهييج عقب الإعلان الدستور الذي أصدره الرئيس الدكتور محمد مرسي، ليستبدله بآخر بعدها بأقل من أسبوعين، ففيما فشلت هذه المعارضة في تحقيق أي انجاز لها على الأرض سواء من رفع سقف مطالبها بإسقاط الرئيس ، ومن ثم إسقاط الدستور، تعود اليوم ومصر على أعتاب الذكرى الثانية للثورة، لترفع ذات المطالب، دون أن تعي تقدير قيمة الاستفتاء الشعبي على الدستور، واحترام إرادة الشعب ، التي تسعى إلى إهدارها أيضا عبر المطالبة بإسقاط الرئيس ونظامه.
ونعني بالنظام هنا مؤسسات الدولة بكل مكوناته ومؤسساتها، ولا نعني بالمطلق جماعة أو تيار، على عكس ما تذهب هذه الجماعة، بعدما اختزلت المعارضة دوائر الحكم في بلادها في جماعة الإخوان المسلمين أو أبناء الدعوة السلفية وحركاتها وجبهاتها وتياراتها المختلفة، وجعلت من ذلك وسيلة للهجوم عليهم وعلى الرئيس المنتخب شعبيا.
هنا تأخذ الدهشة المرء في معارضة بهذه الحالة ترغب في أن تحصر نظام الحكم والمجالس المنتخبة في إطار جماعة أو تيار، دون أن تدعم إرادة الشعب وتقدر اختياره، حتى لو كان صادما مع أفكارها وتوجهاتها، ودون أن تدرك أن الثورة التي اندلعت كان من أهم أهدافها العمل على تداول السلطة، وهو ما أقره الدستور، الذي ترفضه ذات المعارضة وتنادي بإسقاطه، عبر وسائلها المختلفة.
لذلك ، فانه مع حلول الذكرى الثانية للثورة تكون المعارضة المصرية قد رسبت في ثاني اختبار لها، فبعدما رفضت إرادة شعبها فيما يتعلق باقتراعه على الدستور وتأييده له، ورفضها للرئيس المنتخب بدعاوى باطلة، لايسع المجال لاستعراض تفاصيلها، جاءت هذه المرة لتؤكد رفضها لهذه الإرادة برفع ذات الشعارات، دون أن تستحضر المعنى الحقيقي للثورة، وهو تداول السلطة، واحترام الممارسة السياسية، وقبل ذلك ومعه وبعده احترام إرادة الشعب المصري، والذي بدونه لايمكن للمعارضة أن يكون لها وجود أو كيان، حتى لو تقابلت مع زعيم الأقلية بالكونجرس الأمريكي جون ماكين ، على نحو ما جرى أخيرا، لتعزيز موقفه الرافض من تقديم معونة بلاده لمصر، أو تحقق لها ما تريد بتدويل أزماتها خارجيا مع النظام القائم، وهى كلها استدعاءات حتما ستفشل، بعدما حاولت ابتاع نفس الممارسات قبل نهاية العام المنقضي وأضافت إليه محاولات لاستدعاء الجيش للمشد السياسي، وهى كلها محاولات باءت بالفشل.
فكل هذا لايمكن لها أن يشفع حضورا جماهيريا لها، بل سيعمل على خصم رصيدها في الشارع المصري، بعدما أدرك الشعب أنها لاتقدر خياره، ولا تحترم إرادته، حتى وان بدا في قلب مشهد إثارتها الجماهيرية حضورا لبعض فعالياتها كالمظاهرات والاعتصامات، فلا يمكن للمراقب أن يغفل الدور الذي يلعبه أذناب نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى الآن في العودة إلى المشهد بصورة أو بأخرى، وإن لم يكن فتدمير أي انجاز يمكن أن يحسب للرئيس مرسي أو للإسلاميين بعد صعودهم السياسي.
وليس هذا من نافلة القول بل هو ترجمة لكل اللقاءات التي جمعت ما يسمى بجبهة الإنقاذ التي تمثل قوى المعارضة مع رموزا للنظام السابق أو بعضا من بقاياه، وهى اللقاءات التي تسعى من خلالها المعارضة وأذناب المخلوع وجماعات المصالح إلى الالتقاء معا بتوحيد أهدفهم، ليس لبناء الوطن، ولكن لإسقاط الرئيس المنتخب، أو ما أسفر عن إرادة الشعب من دستور جديد.
وفي سبيل الوصول إلى ذلك لايشغل المعارضة وحلفائها من الفلول في أن تكون غطاء سياسيا لأعمال العنف، فما وجد اعتصام أو مظاهرة أو أحداث عنف سياسي في مصر، إلا وكانت المعارضة صامتة عن إدانته، ما جعلها تشكل له غطاء سياسيان بدعاوى عدة أبرزها أحقية الإضراب والتظاهر والتعبير عن الرأي .
والمؤكد أن المعارضة- والمصريون على أبواب الذكرى الثانية للثورة- تستحضر ذات الشعار الأشهر الذي أسقط نظاما مستبدا، لتردده اليوم ضد النظام الذي اختاره الشعب، ما يجعلها ترسب مجددا في اختبار جديد لها، قد يكون الأخير في مسارها الجماهيري، إن كان ذلك قائما بالأساس، بفعل ما سبقت الإشارة إليه باستحضار نكبات المصريين عبر العقود الماضية، وتراكم أوضاعهم الاقتصادية، ما جعلها تنتهج سياسة الأرض المحروقة ليس ضد الفساد وجماعات المصالح والمستفيدين من عودة النظام المخلوع، ولكن ضد تواجدها في الشارع، بعدما اتضح موقفها من إزكاء كافة أشكال العنف السياسي بصورة أو بأخرى ضد خصومها، ما جعلها معارضة خارج الخصومة السياسية الشريفة، التي تبني ولاتهدم، تهدم وطنان ولاتعمل على بناء مؤسساته، تجهض خيار شعبها بقهر سياسي، وتخصم رصيدا من جماهيريتها كان ينتظر منها المصريون أن تكون معارضة رشيدة خلال مصر الجديدة.
علا محمود سامي - 13/3/1434 هـ