عصابة القناع الأسود.. الكل يتحمل الخطأ

الثائر على الظلم لا يخشى أحدًا ليخفى منه وجهه، والشعب الذى ثار فى (الخامس والعشرين من يناير) ما كان بحاجة لارتداء أقنعة تحجب هويات أفراده، ولا إلى سلاحٍ ينازل به عدوه، بل ولا حتى إلى درع يتمترس خلفه، فثورته كانت عفوية ارتجالية؛ تكونت جذوتها فى النفوس من غضبٍ وفقدان ِأملٍ وجرأةٍ على التغيير أمام نظام سرق وقتل وخان وسحق واستكبر على مدار ثلاثة عقودٍ كاملة.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -


من حق من شاء أن ينزل إلى الشارع فى ذكرى اندلاع شرارة الثورة ليعبر عن رفضه لسياسات الحكومة الفاشلة وعن ضيقه ذرعًا ببطء المؤسسة الرئاسية، ومن حقي وحق الملايين غيري أن نطالبه بأن لا يقع في نفس الخطأ الذى يثور بسببه، من حقنا أن نقول له لا تستبد بالأمر وتحاول فرض وجهة نظرك على شعبٍ بأسره، فلن يكون الحل أبدًا بنسف أركان الدولة من قواعدها.


ومخطئ من يأخذ من مذهب (كونداليزا رايس) أن الفوضى يمكن أن تكون خلاقة أو أن تبنى نظامًا جديدًا قادرًا على تحقيق آمال الجماهير بضغطة زر.

الثائر على الظلم لا يخشى أحدًا ليخفى منه وجهه، والشعب الذى ثار فى (الخامس والعشرين من يناير) ما كان بحاجة لارتداء أقنعة تحجب هويات أفراده، ولا إلى سلاحٍ ينازل به عدوه، بل ولا حتى إلى درع يتمترس خلفه، فثورته كانت عفوية ارتجالية؛ تكونت جذوتها فى النفوس من غضبٍ وفقدان ِأملٍ وجرأةٍ على التغيير أمام نظام سرق وقتل وخان وسحق واستكبر على مدار ثلاثة عقودٍ كاملة.


(ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة) مثال عبقرى تفتقت عنه أذهان العرب قديمًا يقارنون به بين الحقيقى والمصطنع، بين المشاعر التلقائية وتلك المفتعلة، وهو نفس المثال الذى جنح إليه تفكيرى مع أخبار إيقاف المترو واحتلال محطاته والهجوم على المجالس المحلية والمصالح الحكومية وقطع الطرق والكبارى ثم أطلاق النار والمولوتوف وسائر صور نشر الفوضى وبث الرعب فى قلوب الآمنين.. هيهات أن تكون فوضى الأناركيين ثورة شعب!


عامدًا أن أسميها (عصابات القناع الأسود) بدلا من اسمها المستورد (بلاك بلوك) لأستدعي من ذاكرة الجميع مشهد عصابات القناع الأسود الهزلية أبطال قصص الأطفال المصورة، في نفس الوقت الذى تضفى فيه كلمة (عصابة) الوصف الإجرامي اللائق بها ليمتزج الهزلي بالإجرامي في صبغة ٍواحدة.


والأكثر إثارة للاشمئزاز من حالة العنف الممنهج الذي يمارسه فوضويو (عصابة القناع الأسود) هو حالة اللهاث وراء تبرير ذلك العنف بأنه رد فعل طبيعى على فشل سياسي أو إداري ومن ثم توجيه الرأي العام نحو التعاطف مع هذه الشرذمة وتهيئته للتعود على رؤية هذا المشهد المنفر.


لماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها دون ترددٍ أو خوف؟
يا سادة الإرهاب هو الإرهاب أيا كانت الجهة التي خرج منها أو المنهج الذى يتحيز له، لابد من إعلاء قيم دولة القانون لأن دولة الميليشيات خيار كارثي سيمزق فيه الوطن كل ممزق بين عصابات ليبرالية وإسلامية وأناركية.


كيف يتناول الإعلام ظاهرة ترويع الآمنين بهذا القدر من (التلميع)؟
كيف يستضيف أفرادًا ملثمين من (عصابة القناع الأسود) غرَّتهم حالة اختلال توازن الدولة وشجعتهم الإدارة السيئة للبلاد على استعراض العضلات وشهر الأسلحة وتوزيع البيانات الإرهابية؟
أتذكر نفس الوصلة الإعلامية غير الشريفة التي صاحبت إلقاء القبض على (نخنوخ) المتهم بالقتل وتجارة المخدرات وإدارة العصابات.


وحقيقة يتحمل الرئيس جزءًا كبيرًا من المسئولية فقد كان بإمكانه التعامل بحسمٍ من أول يومٍ خرج فيه الجميع عن السياق، انتقدته وقتها يوم أن تكلم في إثر أحداث الاتحادية لأنى توقعت منه أن يعلن بوضوح رفضه للعنف من أي جانب وحزمه مع المخالفين أيا كانت انتماؤهم، لكنه للأسف لم يفعل!


وتتحمل المعارضة بدورها نصيبًا وافرًا من اللوم بسكوتها أو تباطُئها أمام هذه الظاهرة المخيفة، بل إعطاؤها قدرًا من الدعم المعنوي إمَّا ضمنيًا أو تصريحًا، ثم تخطئ بعد ذلك أعظم الخطأ لو ظنت أن بإمكانها إيقاف عجلة العنف.

انتقدت مرارًا وتكرارًا حصار قصر الاتحادية، والمحكمة الدستورية، ومدينة الانتاج الإعلامي، لأني كنت أعلم وقتها -كذلك المؤسسة التي أنتسب إليها- أن دائرة العنف ستتسع وستأخذ طابع الفعل ورد الفعل، ولن يتمكن أحد من إيقافها.


إدارة البلاد فى هذا التوقيت الحرج تحتاج قادة رابطي الجأش، واسعي الأفق، قادرين على الاحتواء، غير مرتعشي اليد ولا بطيئى الفهم، وتحتاج معارضة راشدة تقدم حلولًا واقعية وبرامج بديلة وتستشعر حجم مسئوليتها تجاه وطنٍ يحترق.


نادر بكار

 

المصدر: جريدة الشروق