تأسيس دولة الرهبان بوادي النطرون
كشفت أبعاد هذا المشروع الذي يقسم البلاد على أساس طائفي، وظننت أن الرسالة وصلت إلى أولي الأمر وانتهي الأمر، لكن فوجئت أن لا أحد يقرأ ولا أحد يسمع، وأن هناك جهات مشبوهة تدفع تجاه التنفيذ، بسرعة قبل أن يأتي البرلمان الجديد...
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية - النهي عن البدع والمنكرات -
كتبت منذ شهرين عن خطورة ما أعدته هيئة التخطيط العمراني، بناء على طلب جهات من داخل حكومة الدكتور هشام قنديل من تقسيم إداري جديد وإنشاء 5 محافظات جديدة، وحذرت حينها من وضع خطوط إدارية لتأسيس محافظة بدون أي مقومات ووضع حجر الأساس لدولة الرهبان في الصحراء الغربية، بوادي النطرون.
جاء في التخطيط الجديد إنشاء محافظة باسم (وادي النطرون) باقتطاع الظهير الصحراوي من محافظة البحيرة، وضم مساحات من محافظة مطروح وحتى الساحل الشمالي على البحر المتوسط.
وكشفت أبعاد هذا المشروع الذي يقسم البلاد على أساس طائفي، وظننت أن الرسالة وصلت إلى أولي الأمر وانتهي الأمر، لكن فوجئت أن لا أحد يقرأ ولا أحد يسمع، وأن هناك جهات مشبوهة تدفع تجاه التنفيذ، بسرعة قبل أن يأتي البرلمان الجديد، حيث عقدت (جمعية رجال الأعمال المصريين) بقيادة المهندس (حسين صبور) أحد أبرز رجال الأعمال من حاشية الرئيس المخلوع (حسني مبارك، وأحد كبار مساعدي نائب رئيس الوزراء الأسبق (يوسف والي)، والمشرف على مشروعات المعونة الأمريكية، اجتماعًا الأسبوع الماضي حضره (سامح الشاذلي) مساعد وزير التخطيط، ورئيس هيئة التخطيط العمراني (عاصم الجزار)، وأعلنوا فيه أن التقسيم الجديد بالمحافظات الجديدة سيتم الإعلان عنه في الشهر المقبل.
وفوجئت بأن هذا الرجل الذي استطاع تجنيد رجال الأعمال وربطهم بأمريكا من خلال المعونة الأمريكية، حسبما نشر عن هذا الاجتماع، يشارك في التخطيط لمشروعات الدولة ووضع الخطط لعام 2017 والخطط الإستراتيجية لعام 2050!! وهذا يثير الكثير من علامات الاستفهام، لكن هذا ليس هو موضوع مقالي.
الذي يهمني في هذا المقال هو ما ورد عن المحافظات الجديدة وبالذات محافظة وادي النطرون، الذي يبدو أنهم في عجلة من أمرهم، ويريدون تمرير التقسيم الجديد بسرعة وعلى عجل.
هذا التقسيم الإداري الجديد هو التنفيذ الدقيق لما خططه أصحاب التوجه الانفصالي من المسيحيين المصريين لإيجاد الرقعة الجغرافية التي ستكون بداية لتأسيس الدولة القبطية المزعومة.
من المعروف أن بعض المسيحيين المصريين يتوقون إلى إقامة دولة خاصة بهم منذ نصف قرن تقريبًا ظنًا منهم أن الفرصة مواتية لضعف المسلمين وخضوع الدولة المصرية للهيمنة الغربية الصليبية.
ولأن إقامة دولة يحتاج إلى شعب وأرض، كان المطلوب هو البحث عن المكان المناسب، فاختار أصحاب هذا التوجه الانفصالي -في البداية- محافظة أسيوط، لوجود كثافة سكانية مسيحية بها، لكن هذا الخيار فشل، لأن المسلمين يشكلون أغلبية في المحافظة، وتسبب تسرب فكرة الدولة المسيحية في رد فعل إسلامي -في السبعينيات- أفشل هذه الفكرة.
بحث أصحاب المخطط الانفصالي عن مكان بديل، فاختاروا وادي النطرون والصحراء حتى الساحل الشمالي، الذي ربما لا يوجد به العقبة التي أفشلت الحلم في أسيوط، وهي الكثافة السكانية، إذ لا يزيد سكان هذه المنطقة عن 80 ألف نسمة.
فبدأ التوسع في الأديرة بمنطقة وادي النطرون وتحويلها إلى قبلة للمسيحيين، وبدأ الرهبان يتركون حياة الزهد في الدنيا إلى التوسع والتمدد والسيطرة على آلاف الكيلو مترات في وادي النطرون.
بدأت الماكينة تعمل من خلال العلاقات الرسمية وغير الرسمية باستخدام طرق عديدة للتمهيد لهذه الدولة فتم الآتي:
أولاً: بدأ دير الأنبا مقار يتوسع للسيطرة أولًا على وادي النطرون كله وعدم الاكتفاء بالموجود، وتحقق للدير ذلك، ففي سنوات قليلة قام الدير بالآتي:
أ- وضع دير الأنبا مقار يده على 200 فدان طبقا للقانون رقم 100 لسنة 1964.
ب- سيطر الدير على 300 فدان بقرار من رئيس الوزراء رقم 16 لسنة 1977.
ت- حصل الدير على 1000 فدان منحة من السادات في 23/8/1978.
ث- سيطر الدير على 2000 فدان من قبيلة الجوابيص.
ثانيًا: وعندما سيطر الدير على الوادي المنخفض عن سطح البحر بدأ يتحرك شمالًا للسيطرة على الأراضي وحتى العلمين بالساحل الشمالي، ووضع الدير يده على آلاف الكيلو مترات بالصحراء الغربية بحجة الاستصلاح.
ونشرت الصحف في أوائل التسعينيات قيام الدير بوضع يده على 50 ألف فدان بالقرب من مدينة الحمام عند الكيلو 69 بطريق الإسكندرية مطروح، وعلى ساحل البحر المتوسط على بعد 200 كيلو من وادي النطرون.
ثالثاً: بدأ دير الأنبا مقار في التحرك شرقًاً منذ السبعينيات، للسيطرة على المساحات الواقعة بين الدير وطريق مصر الإسكندرية الصحراوي لوضع يده على الأراضي الواقعة بين الكيلو 26 حتى الكيلو 118 طريق مصر الإسكندرية الصحراوي.
رابعًا: استغلال أنصار المخطط الانفصالي أزمة السلطة قبل الثورة وبعدها وحتى الآن، في الاستيلاء على آلاف الأفدنة في الصحراء الغربية، من جنوب البلاد وحتى شمالها، وآخر هذا التمدد المسيحي على الأرض استيلاء رهبان من الإسكندرية منذ أيام على 9 آلاف فدان في وادي الريان بالفيوم وهي محمية طبيعية، مستغلين ضعف سلطة الدولة والاستقطاب السياسي الذي أوجد حالة من الفراغ.
هذا التوسع زادت وتيرته بعد الثورة، حيث يستغل الرهبان أزمة السلطة وانشغال الرأي العام بالمعارك السياسية في وضع اليد على مساحات شاسعة من الأراضي وبناء أسوار خرسانية عالية وفرض سياسة الأمر الواقع.
هذه الرغبة الجامحة في بناء ما يشبه المستوطنات على هذه المساحات الكبيرة يطرح المزيد من المخاوف ويثير الشكوك حول الأسباب التي تدفع هؤلاء الرهبان للاستيلاء على الصحراء الغربية بهذه الطريقة.
قد يكون هناك من يفكر في إقامة الدولة المزعومة في هذا الفراغ.
وقد يكون هناك من يفكر في أنه قد يأتي اليوم الذي يكونون فيه في حاجة لمبادلة هذه الأراضي مع المسلمين في الجزء الشمالي الغربي لمصر إن لم يستطيعوا السيطرة على غرب البلاد.
وجزء من هذا الجناح الانفصالي المتطرف هو الذي يقود حملة التصعيد الطائفي خلال السنوات الأخيرة وزيادة المطالب الطائفية لابتزاز الدولة وإبعاد الأنظار عن المخطط الأصلي الدائر الآن غرب البلاد.
بالتأكيد أصحاب التوجه الانفصالي قلة، ونعي أن أغلبية المسيحيين المصريين لا يفكرون في مثل هذه المغامرات الانتحارية، لكن ليس من المقبول ولا من المعقول أن تخترق هذه القلة أجهزة الدولة وتمرر طموحاتها المتوهمة والمستحيلة، بل ونرى من يمرر هذه المشروعات الخطيرة وسط حالة التخبط الجارية، ويظن أن الشعب المصري مغيب ولن يكتشف هذا التخطيط الشرير.
ما كنت أود أن أكتب في هذا الموضوع علانية، لحساسية وخطورة الموضوع، لكن يبدو أن هناك لوبي مشبوه أقوى مما كنا نتصور، يخترق الدولة ويتمادى في غيه وكأن لا ثورة قامت ولا رئيس منتخبًا يحكم، ولا حكومة من المفروض أنها محسوبة على حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين مؤتمنة على شئون البلاد.
عامر عبدالمنعم
[email protected]