ما أكثر العبر وأقل المعتبرين
محمد صالح المنجد
الذين يطلقون (إسكود) اليوم على الأحياء السكنية في حمص، هؤلاء المجرمين الذين يقصفون بالقنابل الفراغية والصواريخ الحرارية، والكيماوي والقصف الجوي، وهؤلاء الذين يهددون بالإبادة وأسلحة الدمار الشامل الله فوقهم، والله أقدر منهم، والله عليهم قادر، والله قوي، والله كبير، والله متعال، والله منتقم، والله عز وجل سريع الحساب.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية - خطب الجمعة -
النبذة: الذين يطلقون (إسكود) اليوم على الأحياء السكنية في حمص، هؤلاء المجرمين الذين يقصفون بالقنابل الفراغية والصواريخ الحرارية، والكيماوي والقصف الجوي، وهؤلاء الذين يهددون بالإبادة وأسلحة الدمار الشامل الله فوقهم، والله أقدر منهم، والله عليهم قادر، والله قوي، والله كبير، والله متعال، والله منتقم، والله عز وجل سريع الحساب.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الحمد لله مصرف الأقدار، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، خضعت لهيبته الأكاسرة، وكل شيء عنده بمقدار، يكور النهار على الليل، ويكور الليل على النهار، قد أرانا ما فيه تذكرة وعبرة لأولي الأبصار، وخص بالفضل أصحاب النظر والعقول، وخاطبهم فقال: {..فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2].
فضل التدبر والاعتبار:
ومن خير ما شغلت به الأفكار والأعمار -يا عباد الله- التدبر والاعتبار، فهذه الحياة ملأى بالعبر، ومن جال بفكره عرف ربه؛ فآمن به وزاد يقينه، وعظم إيمانه، ولكن ما أكثر العبر، وما أقل الاعتبار، ففي العالم حروب ومآسي، وفيما حولك مصابون وحوادث، ولكن كم مرة نعتبر إذا رأينا؟ يتقلب الدهر وللزمان فجائع، ولكن القلوب إذا قست لم تستقبل، فينبغي علينا أن نجلو صدأ القلوب بالاستغفار والعبادة للواحد القهار حتى نتمكن من الاعتبار، فالمؤمن مشغول بالعبر والتفكر، والمنافق مشغول بالحرص والأمل.
يا عباد الله: هذه المواعظ قد خلت من بين أيدينا ومن خلفنا من مسموع ومشهود.
فهذا التفكر، وهذا التأمل، وهذا الالتقاط للمشهد لحادث، أو مريض، أو مصيبة، أو نكبة تقع تجعل للمسلم إقبالاً على الله، وأعظم ذلك التفكر والاعتبار بما في آيات الكتاب العزيز الذي أنزله الله تعالى في آياته الفكر والعبر، ومن تأمل حوله رأى فيه ما يطابق الواقع.
عجبت بمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، وعجبت بمن أيقن بالنار ثم هو يضحك، وعجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، وهذه الدار تحدثك عن أهلها، كما تحدثك القبور عما في بطونها، وهذا كتاب الله يحدثك عن الآخرة وعن الجنة والنار ومن يسكنهما.
أيها المسلمون: حتى ننتفع لا بد أن نتدبر، وأن نفرغ القلب لذلك، حتى ننتفع لا بد أن نشكر الله تعالى على نعمه، وحتى نعتبر لا بد أن نتعلم سنن الله تعالى حتى يتجدد الإيمان في قلوبنا، وحتى نتواضع لربنا، وحتى تكون لنا خشية ويكون عندنا علم، العلم الشرعي بمعاني الكتاب والسنة، يعيننا على ذلك، أهل الاعتبار هم أهل الخشية لله، والعلاقة بين الاعتبار والخشية واضحة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} [النازعات: 26].
فالذي يعتبر هو الذي امتلأ قلبه من خشية ربه، وأيضاً لا يعتبر إلا أصحاب العقول، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، فهذا العقل لا بد من المحافظة عليه -يا عباد الله- حتى نستطيع الاعتبار، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]، ولا بد لنا من بصر واعٍ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [النور:44]، فكم يعتبر البصير صاحب البصيرة.
هلاك الظالمين سنة كونية:
والله عز وجل قد قص علينا في القرآن قصصاً كثيرة فيها عبر، ما قصها علينا عبثاً، أو لمجرد التسلي والتفكه، وإنما لننظر فيها ونأخذ منها ما نستفيد منه في حياتنا، قص علينا من قصص الأنبياء، وقص علينا من قصص المكذبين، وقص علينا من قصص الأمم، والأفراد، والطوائف، قص علينا قصة مريم ولقمان، وذي القرنين وقارون، وأصحاب الكهف وأصحاب الفيل، وأصحاب الجنة وصاحب الجنتين، وأصحاب الأخدود، غير قصص الأنبياء الكثيرة جداً في القرآن، وكذلك حدثنا ربنا عما حصل في الغزوات من بدر وأحد، وحنين وتبوك، وما حصل في الهجرة والإسراء، وحادثة الإفك، ونحو ذلك، لماذا؟ حتى نتفكر فيها -هذه القصص للأمم والأنبياء-. {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176].
فليس المقصود فقط من القرآن أن نحفظ وأن نجود، وإنما أن نفكر وأن نعتبر، وأن يكون لنا في التاريخ عبرة، ألا ترون الأحداث تتشابه، ألا ترون أن هؤلاء القرامطة الذين جاؤوا إلى موسم الحج في القرن الرابع الهجري وأغاروا على مكة، وقتلوا الحُجاج حول الكعبة، وجعلوا الجثث فوق الكعبة، وسال ميزاب الكعبة دماً، وقتلوا الحجاج وهم يتعلقون بأستار الكعبة، وجعلوا الجثث في بئر زمزم، وهلك من الحجاج من هلك من العطش، وكان قائدهم أبو طاهر لعنه الله يُقتل الناس بين يديه وهو يقول:
فجعل نفسه قسيماً لله، يعني كأن الله يحيي، وهو الذي يميت، فماذا يفعل الآن أحفاده في إبادة المسلمين؟! ماذا يفعلون الآن في محو الأحياء؟! ماذا يفعلون الآن في قتل الأجنة في بطون أمهاتها؟! فمن اعتبر من التاريخ، وعرف ماذا فعل الأجداد؛ لن يستغرب ماذا يفعل الأحفاد، وهي ذرية بعضها من بعض.
عباد الله: أين التفكر؟ أين الاعتبار؟ أين السير في الأرض كما أمرنا الله؟ وأين النظر في السماء؟ وأين التأمل في النعم؟ وأين..؟ وأين...؟ في مصائر الأمم الغابرة وأخبارهم، وإن ذلك -والله- يبعث على التوبة؛ لأنك إذا اعتبرت بنزول العذاب وما كان فيه: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: 84-85]، لا توجد قرية في العالم إلا سيهلكها الله قبل اليوم القيامة: {وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء: 58].
وبناء عليه -يا عباد الله- فإن ما يكون الآن في العالم عند الأمم المكذبة الخارجة عن الوحي فيه عذاب شديد سيأتيهم، فلذلك لا يغتر المغتر بما عندهم من الدنيا، ولا يقلدهم المقلدون، والله لو عرف شباب قومي ما يعذب الله به أولئك الذين خرجوا عن شرعه ما تشبهوا بهم، ولا ساروا على منوالهم، ولا أعجبوا بهم، بل إذا رأوا ما فيها من الكفر والفسوق خافوا نزول عذاب الله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} [الإسراء: 16].
وعندما نرى في المقابل في بعض بلاد المسلمين اليوم ما يحدث فيها من الجرائم فإنك تتأمل في مثل قوله تعالى: {..جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا..} [الأنعام: 123]، فهم يمكرون فيها، وعندما تتأمل ما يحدث من التدافع، سنة المدافعة بين الكفار والمسلمين، والمشركين والموحدين، وأهل السنة وأهل البدعة، عندما تتأمل يخرج معك من قوله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ..} [البقرة: 251]. {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِد..ُ} [الحـج: 40]، سيخرج معك من الفوائد ما لا يعلمه إلا الله، لما تتأمل في قوله: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} [الحـج: 41]، تعرف كيف يؤتى البلد الأمان من الله عز وجل.
عندما نتأمل في نهاية الطغاة المتجبرين كما حصل لفرعون لعنه الله: {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى. فَكَذَّبَ وَعَصَى . ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى . فَحَشَرَ فَنَادَى . فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى . فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} [النازعات: 20-26]، وهذا نهاية كل من ظلم، وتعدى وجار، ما راعى الأهل ولا الجار، فبينما هو يعقد عقد الإصرار، حل به الموت فحل من حلته الأزرار، ما صحبه سوى الكفن إلى بيت البلى والعفن، لو رأيته وقد أحلت به المحن، وشين ذلك الوجه الحسن، فلا تسأل كيف صار، سال في اللحد صديده، وبلي في القبر جديده، وهجره نسيبه ووديده، وتفرق حشمه وعبيده والأنصار.
أين مجالسه العالية؟ أين عيشته الصافية؟ أين لذاته الحالية؟ كم تسفي على قبره سافية، ذهبت العين وأخفيت الآثار، تقطعت به جميع الأسباب وهجره القرناء والأحباب، وصار فراشه الجنادل والتراب، وربما فتح له في اللحد باب النار، خلى والله بما كان صنع، واحتواه الندم وما نفع، وتمنى الخلاص وهيهات قد وقع، وخلاه الخليل المصافي وانقطع، واشتغل الأهل بما كان جمع، وتملك الضد المال والدار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
من تأمل الطغاة وما وقع لهم يسلي نفسه عن إجرام هؤلاء الحاليين بما حصل لأسلافهم الماضين.
واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم *** وأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعدما دفنوا *** أين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت محجبة *** من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم *** تلك الوجوه عليها الدود يقتل
قد طالما أكلوا فيها وما شربوا *** فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا
وطالما كنزوا الأموال وادخروا *** فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
وطالما شيدوا دوراً لتحصنهم *** ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
أضحت مساكنهم وحشاً معطلة *** وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
أين الكنوز التي كانت مفاتحها *** تنوأ بالعصبة المقوين لو حملوا
أين العبيد التي أرصدتهم عدداً *** أين الحديد وأين البيض والأسل
أين الفوارس والغلمان ما صنعوا *** أين الصوارم والخطية الذبل
هيهات ما كشفوا ضيماً ولا دفعوا *** عنك المنية إذ وافى بك الأجل
وكما أهلك الله الأولين من الطغاة سيهلك الآخرين، وسيتبع أولئك بأولئك، ثم يتبعهم لعنة ولهم سوء الدار، والمهم أن يحقق المؤمنين شروط النصر؛ لأن من العبرة العظيمة في كتاب الله: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7]، ووعد وهو لا يخلف الميعاد: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، تعلم دين الله، والعمل به، والدعوة إليه، وتحكيم الشرع في الواقع، والصبر والمصابرة، وسيأتي النصر ولا بد.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين، وأزواجه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، اللهم ارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، واجعلنا من رفقائه يا أرحم الراحمين.
إن في التاريخ لعبراً:
عباد الله: إن في التاريخ لعبراً، وإن في قصص المجرمين ممن سبق فيها -والله -مواعظ كثيرة، سواء ممن استكبر أو ممن أجرم، عن عمرو بن شيبة قال: "كنت بمكة بين الصفا والمروة فرأيت رجلاً راكباً بغلة وبين يديه غلمان يعنفون الناس، ثم بعد حين إلى بغداد فدخلتها فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حافٍ حاسر طويل الشعر، فجعلت أنظر إليه وأتأمله، فقال لي: مالك تنظر إلي؟ فقلت له: شبهتك برجل رأيته بمكة، ووصفت له صفته، فقال: أنا ذلك الرجل، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: إني ترفعت في موضع يتواضع فيه الناس؛ فوضعني الله حيث يترفع الناس".
وكم كان في التاريخ من عبر لمن خانوا الأمة، كابن العلقمي الذي تحالف مع التتر ضد المسلمين، وكاتبهم حتى دخلوا فقضوا على الخليفة ومن معه من المؤمنين، ولكن ماذا حصل له بعد ذلك؟ حصل له الإهانة والذلة والقلة على أيدي التتار الذين خدمهم ومالئهم، ووالاهم على المسلمين، وقد رأته امرأة وهو في الذل والهوان ركب برذوناً، وسائق يسوق به ويضرب فرسه، فوقفت إلى جانبه، وقالت له: "يا ابن العلقمي هكذا كان بنو العباس يعاملونك" وانقطع في داره إلى أن مات كمداً.
وكذلك فإن المجرمين الطغاة الذين يعذبون أهل الإسلام لله فيهم شأن عظيم: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء..} [عمران: 26]، فسبحانه يضع من يشاء، ويرفع من يشاء.
وقد أذل الله أقواماً من الجبابرة، أين النمرود؟ وأين فرعون؟ وأين أبو جهل؟ وأين هامان؟ وأين قارون؟ وأين أبو لهب؟ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].
الدنيا لا تدوم لأحد والله يمهل ولا يهمل، وهذه الدنيا عجيبة في تقلباتها وتغيرها على أربابها، وفي التاريخ قصص، ومن ذلك ما كان عليه بعض الناس من القوة فصاروا في ذلة، ومن الغنى فصاروا في فقر، والبطاش منهم بطش الله به.
وكان أحدهم ممن يبطش بالناس سلط الله عليه ظالماً مثله فخلعه وسمل عينيه، وأودعه داراً حتى صارت حاجته شديدة، ثم أطلقه فكان يُحبس ويطلق، ويحبس ويطلق، فوقف يوماً بجامع المنصور بين الصفوف، وقال: "تصدقوا علي فأنا من قد عرفتم".
أيها المسلمون: إن هذا الاعتبار يخفف عن المؤمن الآلام التي يجدها، وإن التأمل في عواقب المجرمين التي ذكرها الله في كتابه يخفف أيضاً.
نهاية المجرمين قريبة:
هؤلاء الذين يطلقون (إسكود) اليوم على الأحياء السكنية في حمص، هؤلاء المجرمين الذين يقصفون بالقنابل الفراغية والصواريخ الحرارية، والكيمياوي والقصف الجوي، وهؤلاء الذين يهددون بالإبادة وأسلحة الدمار الشامل الله فوقهم، والله أقدر منهم، والله عليهم قادر، والله قوي، والله كبير، والله متعال، والله منتقم، والله عز وجل سريع الحساب، {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]، إذا بطش لا يقوم لبطشته أحد: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]، وفرعون أخذه الله أخذاً وبيلاً.
عباد الله: إن لجهنم أهلاً، ومنهم المجرمون يوم يسحبون في النار على وجوههم، هؤلاء يحشرون يوم القيامة زرقاً زرق العيون، هؤلاء لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [القمر:47]، هؤلاء إذا رأوا النار: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف:53]، -فَظَنُّوا يعني: أيقنوا- خلقها الله لمثل هؤلاء، في هذه الدركة من دركات جهنم.
اللهم إنا نسألك يا أرحم الراحمين أن تنصر إخواننا المستضعفين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين بالشام وسائر الأرض يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، واجمع على الحق كلمتهم، ووحد صفهم، وقو سواعدهم، وسدد رميهم، اللهم أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف يا رب العالمين، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وإنهم عراة فاكسهم، وإنهم مشردون فآوهم، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تعجل فرجهم.
اللهم هؤلاء عبادك ومواليك، اللهم هؤلاء خلقك، وقد احتاجوا إليك فعجل فرجهم، وارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وكن معهم ولا تكن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم.
اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه يا جبار أن تنزل عذابك بالمجرمين، وأن تنتقم من القوم الظالمين، اللهم انتقم من هذه الطاغية وجنده وخذهم أخذاً أليماً، اللهم عجل أخذهم، وشتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل دائرة السوء عليهم، وائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، واجعلها عليهم ناراً ودماراً إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واقض ديوننا، وارحم مواتنا، واشف مرضانا، اللهم استر عيوبنا يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.
اغفر لنا ولوالدينا، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، أصلح نياتنا وذرياتنا يا رب العالمين، فقهنا في ديننا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا ومن أسفل منا يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.