أراكان.. جرحٌ جديد وتخاذلٌ مستمر

أكبر سبب لهذه المحنة هو نحن؛ بتخاذلنا وصمتنا وذلِّنا، قرون عدة وكل الديار الإسلامية تنادي: أيا مسلمون، أين أنتم؟ ولا مجيب! ونحن في تخاذل مستمر، بتخاذلنا ضيَّعنا الأندلس، وأهدَيْنا فلسطين وبغداد وسوريا، وهذه أراكان أندلسٌ جديدة نسلِّمها لعدونا بمباركتنا.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

 

نحنُ قومٌ أعزنا اللهُ بالإسلامِ؛ فمهما ابتغينا العزةَ بغيرهِ، أذلنا الله" (عُمَر بن الخطاب).

مُنذ أنْ بدأ كثيرٌ مِن المسلمين ينخلعون شيئًا فشيئًا عن القِيَم والمبادئ الإسلامية، وباتوا أذنابًا للغرب، يَجْرُون خلفهم في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، وأصبحوا يرون أن الدينَ الإسلامي سبب تخلُّفهم ورجعيتهم بدأنا ننغمس في الذلِّ، وأصبحت الأمةُ الإسلامية جريحةً من كل جانب، ولا مجيبَ لنداءاتها، ولا مداويَ لجِراحاتها، وبات العدو يحقِّق هدفه الأكبر، وهو إبادة المسلمين ونَهْب خيراتهم. وفي ظل هذه الأحداث الدامية، والنكبات المتتالية التي تمر بها الأمة الإسلامية صرنا نصبحُ على نكبة، ونمسي على أكبر منها تُنسينا الأولى.

يجب أن نسلط الضوء على جرح إسلامي منسِيٍّ، وقضية من تلك القضايا الإسلامية، وهي قضية أراكان. أراكان التي لطالما كانت منسيةً ومغيَّبة عن أنظار العالم؛ حيث إن هذه المملكة التي تقع غربي بورما، ودخلها الإسلامُ على أيدي تجارٍ عرَبٍ في عهد هارون الرشيد، وحكَمها المسلمون لسنين طويلة عاشت فيها الدولة في أمن وأمان، حتى احتلتها بورما، أو ما تعرف الآن بميانمار، وأنزلت أقسى أنواع العذاب على المسلمين هنالك. واستمرت بورما في التنكيل بالمسلمين الروهنجيين، والذين يقطنون منطقة أراكان، وحرَمتهم من أبسط حقوقهم، وضيَّقت عليهم الخناق، وكلما سنحت لهم الفرصة نالوا من المسلمين ما شاؤوا؛ بالتعذيب تارة، والإبادة أخرى، وإجبارهم على العمل القسري ثالثة.

وفي ظل الصمت العالمي وجد البوذيون (الماغ) فرصةً لاستكمال مخططهم، وبدؤوا من جديد يشنُّون حملة من أبشع الحملات التي شهدها التاريخ؛ فمنذ ثمانية أشهر وإخواننا في أراكان حالهم أصعبُ من أن يوصف! منذ ثمانية أشهر والمسلمون يتجرَّعون مرارة العذاب في أراكان؛ قرى بأكملها أُحرقت، بيوت دمِّرت، مساجد هدِّمت، مدارس أُقفلت، آلاف من المسلمين أُبيدوا بأبشع الطُّرُق، مئات من أخواتِنا المسلمات اغتُصِبْن، تواطأت الحكومة مع طائفة (الماغ) البوذيين، وأطلقوهم دون رقيبٍ أو حسيبٍ ينهشون من جسد الإسلام كما شاؤوا، وبات المسلمون غرباءَ في مملكتهم ودولتهم يتعرَّضون لأقسى أنواع التعذيب، وأوغل البوذيون في دماء المسلمين، ونهبوا خيراتهم وثرواتهم، وجعلوهم كالدُّمى يَلْهون بهم متى ما شاؤوا؛ بالقتل والتعذيب والاغتصاب، وكأنهم ليسوا ببشر.

وكل ذلك والأمة الإسلامية لم تحرِّك ساكنًا، وهم من يتغنَّون دائمًا بالقِيَم والأخلاق والمبادئ، وكأن الذي يحصل في أراكان من نهشٍ للجسد الإسلامي لا يَعْنيهم، وحتى الإعلام حين سلط الضوءَ على أراكان سلَّطه على استحياء، وحين نعلم هذا لا يحق لنا أبدًا أن نلوم الغرب حين يغيِّبون هذه القضية عن منظماتهم التي تُعنَى بمصالحهم فقط، فلا توجد منظَّمة لحقوق الإنسان ولا لحقوق الطفل، بل كلها أقنعةٌ زائفة تخدم مصالح بلاد معينة، إن اتفقت مصالحُ تلك البلاد مع نصرة المستضعفين، هبُّوا لنصرتهم متزيِّين بأثواب المُنجِدين والمنقِذين، يمدون يد المساعدة؛ ليُطعموا بها بعضَ الأُسر، وينهبوا من خلفهم كل الثروات.

هكذا عرفنا الغرب، ولكن مهما تعددت أقنعتهم إلا أن الرائحة لا تُكتم: {..وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ..} [محمد: 30]، ولكن المصيبة الكبرى والطامة العظمى أننا نرى الأمة الإسلامية وهي تشاهد أمةً بأكملها تبادُ، وتشاهد البوذيين لم يفرِّقوا بين طفل وشيخ وامرأة في إنزال أبشعِ أنواع المذابح التي شهدها البشرُ-لم تحرِّكْ ساكنًا- ولم تتمثَّلْ بتلك القِيَم والأخلاق التي تدفعهم للتمسُّكِ بإخوانهم في الأزمات، وأن الأمة الإسلامية يجب أن تكونَ كالجسد الواحد لا تسمحُ لأحدٍ أن ينهشَ من جسمها.

ونحن وإن رأينا مواقفنا الضعيفة أمام مجازر بغداد وفلسطين والصومال وأفغانستان وغيرها من الدول الإسلامية، إلا أن ما يحصل اليوم في أراكان لا يحتمل السكوت، حينما نرى أمةً كاملة تتواطأ معها حكومةٌ لتُبيدَ شعبًا أعزلَ لا يملِك حتى ما يقيم به صُلْبه، فضلاً عن أن يجدَ ما يدافع به عن حياتِه وعِرْضه، ونسمع ونرى تلك المَشاهدَ التي تقطِّعُ الأفئدة، وبتحريض من الرهبان ومباركة من الحكومة، وحينما نقف على إحراق قرى بأكملها بما فيها من نساء وأطفال وشيوخ، يجب أن تكون للأمة الإسلامية وقفةٌ صارمة، تستعيد بها حقَّها المسلوب، وترجع كرامتَها المهدرة، من غير المعقول أننا نقف أمام هؤلاء المساكين الذين لا يملكون شيئًا، ولا ناصر لهم بعد الله إلا نحن، نقف أمامهم وقفة المُشاهِد كمن يتابع فيلمًا على شاشة سينمائية.

يجب أن نعلمَ أن قرونًا كثيرة قد مضت، ونحن الأمة الإسلامية لا زلنا في سباتنا؛ نسلِّم للعدو دُوَلَنا، ونهديه ثرواتنا، ونجري خلفهم منخدعين بشعارات الحقوق المزيفة التي يرفعونها، وأين الحقوق وهذه أمة تباد؟ أين الحقوق وهذا الغرب يدعم الظالم بكل ما يملِك؟ أين الحقوق في فلسطين وبغداد وسوريا وأراكان؟ وهل يحق لنا أن نلوم الغرب ونحن نعلم أن ملةَ الكفر واحدة؟ هل يحق لنا أن نلومَ الغرب ونحن نعلَم أنهم لن يضيعوا فرصة للقضاء على الإسلام؟ هل لنا أن نلوم الغرب والأمة الإسلامية أمة المليار والنصف صامتة ذليلة مستسلمة؟ أمة المليار والنصف لا يستجيب أحدٌ منها لتلك الصرخات، ويمسح تلك الدمعات، لا معتصم فينا يجيِّش جيشًا لأجل امرأة مسلمة!

أكبر سبب لهذه الحملة هو نحن؛ بتخاذلنا وصمتنا وذلِّنا، قرون عدة وكل الديار الإسلامية تنادي: أيا مسلمون، أين أنتم؟ ولا مجيب! ونحن في تخاذل مستمر، بتخاذلنا ضيَّعنا الأندلس، وأهدَيْنا فلسطين وبغداد وسوريا، وهذه أراكان أندلسٌ جديدة نسلِّمها لعدونا بمباركتنا.

الأمة الإسلامية تلك الأمة التي عاشت في أمجادٍ وعزٍ، تعجزُ اليومَ عَن استرجاعِ أدنى حُقوقِها، وما ذاك إلا لأننا ابتعدنا عن الدين الإسلامي؛ لأننا تنحَّيْنا عن هذا المَعِين الصافي، وصرنا نبحث عن العزة بين قذارات الغرب. كنا نرفل في ثوبِ المجدِ حتى عشقنا الغرب وتتبعناه، حينها سلَّط اللهُ علينا هذا الذلَّ. ولن نرجع لأمجادنا وماضينا إلا برجوعِنا إلى ما كنا عليه، وترْكِ الغرب، واعتزازِنا بهذا الدِّين.

وأخيرًا هذه نداءاتٌ وصرخات، علها تصل إلى مسامع مسلمٍ يهبُّ غيرةً وحُرقةً على حال أمته؛ ليغير التاريخ ويعيد الإسلام إلى مجده من جديد، ما أحوجنا إلى أن نبذلَ كلَّ ما نستطيع لإنقاذ إخواننا في كل مكان! أسأل اللهَ أن يرفع الظلمَ والطغيان والكبت والفقر عن كل بلاد المسلمين، وأن يمتِّعَنا بعودة الإسلام إلى مجده وعزه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
 

 

إبراهيم محمد صديق
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام