فتياتنا وجاهلية العصر
أبو الهيثم محمد درويش
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
بسم الله نبدأ، وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير, وعلى الدرب
نحمل الراية.
أحبتي في الله.. أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
كم هي شديدة تلك التحديات التي تقابل فتاة الإسلام المعاصرة, تكاد
تخطفها من خدرها لتقدمها لقمة سائغة بين أنياب العلمانية لتنهشها
الذئاب، وقربانا دسماً لأصنام الجاهلية الحديثة!
ومع دخول سدنة الوثن الجاهلي العلماني في كل بيت من بيوت المسلمين,
يدعون الناس للدخول في دينهم أفواجاً. وقد لبّى الكثير دعوتهم مقدمين
مُهَجَهُم قرباناً لعقائد فاسدة, وباذلين أعراضهم في سبيل وثن العصر,
مربّين أبنائهم في أحضان فضائيات فاسدة مريبة, وتقنيات تبث السم في
الدسم, إلا ما رحم ربي.. وهم قليل.
فإلى كل صاحب رعية سيلقى الله بين عشية وضحاها وفي رقبته من استرعاه
إياهم, نذكّر وننذر بأن الخطر جاثم, والنجاة في الرجوع إلى الله
وسفينة النجاة لم تفت بعد.. فالبدار البدار قبل فوات الأوان؛ فكم من
أسرة هدمت بسبب فتاة انساقت وراء دعاة التحرير وسدنة التعهير, وكم من
رب أسرة أسلم بُنيّاته بيده إلى رهابنة العلمانية بدعوى التحضّر! فلا
تحضرَ نال ولا على شرف حافظ, وإنما والله هي دعوات ورائها شهوات
مستعرة, لكلاب جائعة يتمنون لو ولغوا في كل إناء, ولكن هيهات هيهات أن
يطهره بعد ذلك التراب.
أفيقي أخية قبل أن تندمي.. قبل أن تنظري حولك فلا تجدي إلا أفكاراً
منحلّة, وعقائد فاسدة, ثم إذا بالعمر قد فات, وبقي أنين الذكريات,
وتتمنين العود ولكن هيهات هيهات..
تنبهر الفتاة بصويحبات يوسف في الجامعة أو المدرسة أو حتى زميلات
العمل, وتنساق وراء مظهر خداع, لا يحمل مهما طال تجمله إلا نفساً
مريضة والله لو اقتربت منها لعضتك..
إنها أخيتي أنفس بعيدة عن ذكر الله, تعيش الضنك, ولا تعرف غيره, ألم
تسمعي قول ربك { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن
ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه:124]..
هذه الفتاة الحديثة الجذابة صاحبة الرائحة العطرة التي تجذب كل من
يشمها.. صاحبة الأزياء الحديثة التي لا تهتم بأمر ربها, ولا تأبه
بعصيان خالقها, رافعة رأسها فوق أوامر شرعها, واطئة بقدمها
حياءها..
هذه والله يا أخية اختبار لك من الله, هذه طريق شر مفتوح أتتبعيه أم
تتبعي طريق الهدى, { إِنَّا هَدَيْنَاهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }
[الإنسان:3]..
أترتدين ثياب الذل وتتطيبين برائحة العفة الضائعة, أم تنتظرين طيب
الجنة وحرير الجنة وأنت سيدة الحور, مزينة لكِ القصور؟!
أتستعجلين الطيب والزينة، فتتحدّين بهما ربك، وقد أمهلك وأمهلك.. أم
تتمهلي حتى يأتيك فتاك الفارس, صاحب لواء الشرع الطاهر, ليضمكِ بين
حناياه, ويحملكِ في أجفانه.. يخاف عليكِ النسيم العليل, ويحنو عليكِ
عند مصابكِ, وتترسين به إذا ما نابك شيء من الدهر؟
ثم أيُّ أمٍ أنتِ -بعد ذلك- لأيّ أبناء؟؟؟ والله لن يقبل ببنت
العلمانية إلا من هو مثلها؛ فأي حياة ترتضين وأي أبناء قد يخرجوا من
مثل هذا البيت؟ ووالله ثم والله لا تلومي إلا نفسك إذا ما فوجئت بزوج
ديوث لا يغار عليكِ, بل يقدّمكِ لأصحابه صديقة لطيفة, وخليلة
أليفة..
يقول أحد الدعاة المعروفين في مذكراته عن حاله قبل توبته: "وكنت في
إحدى خلايا أو شعب الشيوعية, في بلدي, وقد حدثنا كبير هذه الخلية بأن
الشاعر الفلاني بإحدى الدول العربية أعظم من يطبق الشيوعية, فعندما
زرته ببلده نمت في فراشه معه وبيننا زوجته تطبيقاً للشيوعية!!!
أخيتي.. بالله عليك انظري تحت قدمكِ، واعلمي أين أنت ذاهبة..
قد يوسوس لك الشيطان بأن الشيوعية قد ذهبت، أما نحن الآن فمع عقائد
علمانية أكثر تحرراً وانفتاحاً، ومع تطبيقات ديموقراطية تتيح لنا حرية
الرأي والتصرف!
ولأسدَّ عليك هذا الباب، أسرد لكِ عقيدة الغرب، وعلى رأسه أمريكا, وهي
عقيدة فلسفية تندرج تحتها كل بناتها من عقائد القوم، سواء علمانية أو
شيوعية أو إلحادية أو غيرها.
القوم، أخيّتي، يدينون بعقيدة البراجماتية، أم الدواهي، وهي عقيدة
مفادها باختصار: إهمال الأسس والمقدمات والمبادئ والاهتمام بالثمرات
والنتائج.. وأهم الأسس والمبادئ المهملة: مشكلات الميتا فيزيقا
القديمة، والتي أولها مشكلة وجود الإله؛ فالنظرية تضع كل هذه المشكلات
في سلة مهملاتها لتهتم فقط بما ترى من نتائج وثمرات..
يعني، أخيتي، القوم لا يؤمنون إلا بما هو محسوس تراه أعينهم, وما هذه
والله من وثنية الأقدمين ببعيد, فأبو جهل وضع صنماً وعكف عليه, أما
هؤلاء فوضعوا الشهوات والماديات وعكفوا يعبدونها!!
وراجعي كتابات أذنابهم من كتاب وشعراء الشرق في تقديسهم للجنس
والمادة، ووالله ما ديموقراطيتهم إلا بما يتيح مصالحهم؛ وإلا فأين هي
ذي ديمقراطية القوم مع فتاة العراق بأبي غريب أو شباب المسلمين
بجوانتناموا أو أخواتكِ الأسيرات بالأقصى السليب؟! أين هي من فتاة
أفعانستان وقد قُتِل زوجها، ولملمت بقايا أطفالها بيديها
لتدفنهم؟؟
والله لقد كفل الإسلام مبدأ الشورى وحرية الرأي، وهي الأصل الأصيل..
أما ما يدّعونه من حرية فلا نجدها إلا حرية للعهر والكفر، أما الطهر
والنقاء فهيهات هيهات القوم عنها في ثبات.
أما حرية التعرّي والخلوة بمواقع الشات وعرض الأجساد والعلاقات
المحرمة، فهي ديمقراطية إبليس، تريد منكِ شرفكِ وعفّتكِ.. ثم تلفظكِ
لا تأبه بكِ من تكونين..
أخيتي.. كم والله هي فرحة كل مؤمن ذو لبٍّ وعقل ببنت الإسلام، وقد
خرجت لجامعتها شامخة بحجابها ثابتة بخطواتها الجادة, متحدية سدنة
الجهل والتعهير, تقدم للدنيا نموذج المرأة المسلمة المجتهدة العالمة
المتعلمة, المربية القديرة, والمثقفة الجليلة, التي لم تتزلزل أمام
تيارات التعهير, ولم تثنها نظريات التجهيل, تفوقت في دينها
ودنياها.
والله يا أختاه هذا هو التحدي بعينه, تفوّقي في دينك دنياك, كوني
العالمة والأستاذة الجامعية والطبيبة الماهرة والمثقفة الواعية, وكوني
الأم العطوف والزوجة الحانية, والمربية القديرة.
والله ما نجحت من اهتمت بدنياها على حساب دينها, فخرجت برونقها تتحدى
ربها، وادّعت أنها من المتحضّرات..
ولكن، والله المتحضرة هي من فازت بدينها ودنياها معاً.. من تفوقت في
دنياها وأرضت خالقها, وتحدّت أوثان العصر..
فهلاّ كنتِ تلك الفتاة؟
والله آمل ذلك, ويعلم الله كم أكنّ لكِ من حبٍ وتقديرٍ وخوفٍ من أن
تتخطفكِ الكلاليب..
أريدكِ أنتِ من تخطفي أبصار العالم بعلمكِ وعملكِ..
وفقكِ الله وزادكِ حرصاً على دينكِ ودنياكِ..