كلهم قساة!
سلمان بن فهد العودة
- التصنيفات: الأدب مع الآخرين -
11/2/1427 هـ - 11/03/2006م
لماذا الكثيرون ضمن مجتمعات المسلمين يقسون على الجميع ويوزعون
المسؤوليات، ويستثنون أنفسهم فهم غير مقصّرين, وما يقع منهم من تقصير
-لا قدّر الله- فهو بسبب غيرهم؟!
بل يظن الكثير من أصحاب العلم والمعرفة والفقه والثقافة، أن الاعتراف
بالأخطاء والمعالجة العلنية لها نوع من قلّة السياسة والفقه!
اقرؤوا قول الله تعالى: { عَبَسَ
وَتَوَلَّى . أَن جَاءهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ
يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى }
[عبس:1-4]، فإن في هذه الآيات نموذجاً راقياً للعلنية، وكل قصص
الأنبياء في القرآن مع ما تحويه من دلائل دعوية وفكرية مهمة؛ كإخبارها
بخصائص الأنبياء الدعوية، تجدها في الوقت ذاته تخبر عن بشريتهم {
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا
لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا
يَلْبِسُونَ } [الأنعام:9]، وهذا ما لم يستوعبه أغبياء
المشركين: { وَقَالُوا مَالِ هَذَا
الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا
أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا }
[الفرقان:7].
إن القرآن صريح في بشرية الأنبياء؛ فالهدهد يعلّم سليمان، وموسى يتعلم
على يد الخضر، ليدل كل ذلك على أن المعالجات العلنية هي أقرب لتلمس
الداء، وجزء من الدواء.
والنقد الذي تجب ممارسته لا بد أن يكون متوازناً؛ وأن نأخذ نحن نصيبنا
منه، لنكون مع هذا المجتمع شركاء المغنم والمغرم.
وبعض المثقفين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم ضحايا العنف من جهة
سياسية أو اجتماعية أو دينية؛ لا يذكرون أن الناس قد يكونون ضحايا
لعنفهم الثقافي، وصرعى حروبهم الفكرية، التي يستحضرون ذكراها من عقود
وربما قرون؛ فهم قتيل المجتمع وقاتله!
إنهم أحياناً يمارسون عدواناً لفظياً مع من يختلف معهم، وينحازون إلى
جانب القوة ضد الأبرياء، بالإرهاب الفكري في عمليات التخوين والتبديع
والتفسيق، وتفسير النوايا، وتوزيع التهم، واستخدام كل أدوات الحرب
الكلامية والإعلامية، واستعداء أطياف الناس والمجتمع والسلطة، فبؤس
العالم الثالث السياسي ومشاكله اليومية تحوّل إلى تأزم فكري وصراع
اجتماعي، وولّد مشاكل في الفهم والحوار لدى كافة الشرائح من
الإسلاميين إلى القوميين إلى الماركسيين إلى الليبراليين.
السؤال: لماذا نبدو أكثر انفعالاً وتشنجاً واندفاعاً غضبياً؟!
لماذا نسعى بكل قوتنا -إن كان ثمة قوة- لإدانة خصومنا الذين لا نتفق
معهم, ونستميت في محاولة إلصاق الدعاوى بكل من يخالفنا الرأي, أو
المشرب أو الاتجاه!
وهل فعلاً أن العاجز ضمن هذا العالم المهووس هو من لا يستبد، كما يدعي
العربي الأول: عمر بن أبي ربيعة؟!
ما سبب هذا الاحتقان, والقابلية الشديدة للتطاحن, والاشتعال من كل
الأطياف, كأنك في مطبخ بترول!
ففي السياسة: الانشقاقات والحزبيات واللغة الرديئة.
وفي العلم والمعرفة: التيارات والصراعات غير النظيفة في سباق محموم
للتسلّح اللفظي, والتراشق بالتهم والألقاب.
وفي المجتمع: ضروب الاستهزاء العصبي والقبلي.. في كل شيء.
ربما هي ثقافة عامة في العقل الباطن للناس والمجتمع، ثقافة جافت سبيل
الرحمة والسعة والسلام وغيرها من المعاني التي اشتقت من مفردات الدين
الإسلامي وأخلاقياته.
{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن
يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ
أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ
بَعْضٍ } [الأنعام:65]، وفي القرآن الكريم دعوة عالية للعودة
إلى الأمن الديني والنفسي والثقافي والاجتماعي والسياسي: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ
إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم
مُّهْتَدُونَ } [الأنعام:82].
دعوةً لتطليق أشكال الاعتداء والظلم التي تأكل أخضر المجتمعات ويابسها
من الكبار والصغار، والمثقفين والعامة إلى الجدال الثقافي والعلمي
والفقهي والتربوي بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا.