الذوبان التدريجي للتيارات الإسلامية

قيادات التيار الإسلامي بفصائله لم تجتمع على مواقف متقاربة وموحدة منذ سنوات عديدة مثلما يحدث الآن على الساحة السياسية في مصر، بل على العكس فقد خاضت هذه الفصائل سنوات عديدة من التراشق والاتهامات المتبادلة لطرف بالتشدد الديني وقلة الخبرة السياسية والإدارية بسبب انشغاله عن الدنيا بالتبحر في الجانب العلمي، ولطرف آخر بضعف الجانب العلمي الديني بسبب الانشغال بالجانب الحركي، بينما يُتَهَم طرف ثالث بتبنيه العنف منهجا في التغيير وما زالت لعنات السب تلاحقه رغم أنه تراجع عن ماضيه وتبرأ منه.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -

إ

ن الصراع الذي يقوده تحالف فصائل التيار العلماني الليبرالي بالتعاون مع قوى خارجية وداخلية لشن حملات عدائية مكثفة على التيار الإسلامي قد أدى إلى خلق روح الود والوئام، الذي فقدناه لسنوات بين أبناء فصائل التيار الإسلامي باتجاهاته وفصائله المختلفة.

 

فقيادات التيار الإسلامي بفصائله لم تجتمع على مواقف متقاربة وموحدة منذ سنوات عديدة مثلما يحدث الآن على الساحة السياسية في مصر، بل على العكس فقد خاضت هذه الفصائل سنوات عديدة من التراشق والاتهامات المتبادلة لطرف بالتشدد الديني وقلة الخبرة السياسية والإدارية بسبب انشغاله عن الدنيا بالتبحر في الجانب العلمي، ولطرف آخر بضعف الجانب العلمي الديني بسبب الانشغال بالجانب الحركي، بينما يُتَهَم طرف ثالث بتبنيه العنف منهجا في التغيير وما زالت لعنات السب تلاحقه رغم أنه تراجع عن ماضيه وتبرأ منه.
 

صاحب هذا الشقاق ضعف الأزهر الشريف وتبعيته للنظام السابق، وتغييبه عن دوره الإصلاحي الريادي، مما زاد سخط الجميع على قياداته فلم يسلم هو الآخر من النقد، لذلك فإن تفعيل دور الأزهر واستقلاليته وتصحيح مساره مرة أخرى قد يكون طوق النجاة لنجاح فكرة ذوبان التيارات الإسلامية ووحدتها تحت مظلة علمية عتيقة لها تاريخ يعتز به العالم بأسره، ويعظمه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها مما سيكون له أثر عظيم في انتشار فكرة ذوبان التيارات الإسلامية، ليس في مصر فقط بل في العالم بأسره، ونلاحظ أنه مع ازدياد شراسة وعدوانية الهجمة من قبل تحالف التيار العلماني الليبرالي على أحد فصائل التيار الإسلامي نجد أنه يقابلها انخفاض حدة التراشق والاتهامات بين فصائل التيار الإسلامي، بل وتتحول إلى إشفاق وتأييد لتخفيف شدة الهجوم على هذا الفصيل، وهذا مؤشر جيد وله عظيم الأثر في تخفيف التوترات العصبية والنفسية المتراكمة عبر عقود خلت.
 

وهذا نستطيع الجزم بأن الشعور بالأخوة بين التيارات الإسلامية يزداد وقت النكبات والهموم ويقل وقت انفراجها، ولهذا فإن هذا التقارب والذي أعتقد أنه سيكون مؤقتا نظراً للظروف الحالية التي يمر بها المشروع الإسلامي من اضطهاد وَجَبَ استثماره وتنميته بشكل صحيح، وقد عَلَت الكثير من الصيحات المطالبة بوجوب توحيد الصف الإسلامي تحت مظلة حزب واحد وهذا ما أراه مستحيلاً ليس بسبب اختلافات عقدية جذرية ولكن السبب هو اختلافات منهجية تحتاج إلى عقود لتذويبها تدريجياً، لذا فسيناريو التقارب ووثيقة شرف لتخفيف حدة الاحتقان هو الأقرب للواقع.

 

وكذلك تكوين مجلس حكماء مشترك يتم تشكيله من علماء الصحوة الإسلامية وعلماء الأزهر والعقلاء من المعروفين بعدم تعصبهم، وبعدالتهم للفض بين التيارات الإسلامية في نزاعاتهم وسرعة احتواء الخلافات عند نشأتها، والعمل الدائم على التقريب بين الأطراف من خلال مشاريع دعوية واجتماعية مشتركة، وعقد مؤتمرات قد تسهم في نقل الخبرات وذوبان الأفكار وتقارب الأطراف نحو أفضل النقاط في المناهج المختلفة نتيجة الاحتكاك المستمر مع الطرف الآخر، والذي سيكون له نتيجة عملية للإثراء الفكري.

 

ومما يخشى منه من أسباب فشل مثل هذه الفكرة النبيلة هو التعصب للجماعة ومنهجها وعدم تقبل الرأي الآخر، كيف يحدث التقارب وهناك فصيل يرى الآخر يتهاون في السُنن ويمارس تمييع الدين والأخذ برخص وزلات العلماء، ويغض الطرف عن مخلفات وبدع كثيرة من أجل احتواء أكبر عدد من المؤيدين؟ بينما يرى الفصيل الثاني أن الفصيل الأول يعتبر عائقاً كبيراً في سبيل وصوله لهدفه بسبب خطابه الديني المتشدد وقلة خبرته في المجالات التنظيمية والسياسية والعملية مما يجعله يرى نفسه الأقدر لإدارة المرحلة.

 

إن حساسية الشعور بالاتهام في الديانة من جهة أو تقزيم الآخر من جهة أخرى يجب أن يتلاشى من خلال خطوات عملية وسريعة، إن هذا الشعور يحتاج لعملية جراحية طارئة كفرصة أخيرة لإنقاذ العلاقة بين فصائل التيار الإسلامي، إن العمل الدؤوب على إزالة كل أسباب فشل هذا التطور نحو الذوبان التدريجي للتيارات الإسلامية هو واجب المرحلة وينبغي ألا نتعجل النتائج، بل يكفينا أن نسعى للعمل نحو الهدف، ثم نسلم ملف القضية للأجيال القادمة؛ لتستمر تنمية الفكرة إلى أن يأذن الله عز وجل لها أن تصل إلى المأمول منها من انصهار وذوبان تدريجي لجميع التيارات الإسلامية، التي تختلف في المناهج ربما تحت مظلة الأزهر الجديد في ثوبه الجديد المأمول.

 

وإن ما يعزز الذوبان هو خلق روح التواصل والتلاقي بين الأفراد في ميادين العمل وهذا ما يعين على خلق جيل جديد أبعد عن التعصب المنهجي الممقوت دون النظر إلى فقه الواقع ومقتضيات المرحلة ومصلحة الأمة.


ضياء حسين صالح