وما حادث العبّارة المصرية منا ببعيد!!
محمد حسن يوسف
- التصنيفات: الموت وما بعده -
بين الحياة والموت لحظة!!
هذا أمر نعرفه جميعا!! ولكنه تجسد بصورة واضحة للعيان من كلام جميع
الناجين من حادث عبّارة الموت، أو العبّارة التي تحمل اسم "السلام 98
" التي كانت تقل الركاب من ميناء ضبا السعودي إلى ميناء سفاجا
المصري.
هل قرأت قصص الناجين؟ هل عرفت كم ظلّوا في البحر يدافعون الموت؟
لقد تراوحت المدة التي قضوها في البحر بين خمس عشرة ساعة وثلاثين
ساعة!! تخيل!!
خمس عشرة ساعة وثلاثون ساعة يواجهون خلالها الموت في عرض البحر: بين
ظلام كثيف، وأمواج عاتية كالجبال، وأسماك متوحشة تفغر أفواهها تريد
التهامهم، ولا أحد يغيثهم، وليس معهم إلا الله!!
هل تدبرت قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي
يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي
الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا
جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ
وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ
الشَّاكِرِينَ } [يونس:22]. إن هذه الواقعة الأليمة تجسد هذه
الآية حتى كأنك تراها رأي عين!!
ماذا ننتظر الآن؟! لماذا نسوّف في التوبة؟ لقد كان من الممكن أن أكون
أنا أو أنت أحد هؤلاء الأفراد الذين نتحدث عنهم، ولكن نعمة الله
أمهلتنا!! فلماذا لا نغتنم هذه الفرصة ونعود إلى الله؟!
يقول أحد الناجين: "لقد تعلقت بلوح خشب أنا وعشرة معي. ولكن الأمواج
كانت عاتية بلغ ارتفاعها نحو خمسة وعشرين متراً"!! (تخيل... خمسة
وعشرين مترا!!) ومع كل موجة كنا نفقد واحد من هؤلاء العشرة المتشبثين
باللوح الخشبي!! أما أنا فأخذت أتذكر ما كنت أفعله مع أبي وأمي من
أعمال برّ وصلة، وتذكرت دعائهما المتكرر لي بالسلامة!
لقد أخذت من تلك المواقف وسيلة للشفاعة لي عند ربي!! وقلت: يا رب إن
كنت تقبلت مني هذه الأعمال فنجني مما أنا فيه!! فنجاني الله."!!
لقد ظل هو الوحيد الذي استطاع التشبث باللوح الخشبي الذي كان يمسك به
إلى أن تم انتشاله بواسطة فرق الإنقاذ!!
فماذا أعددنا نحن من مواقف خير لكي ندخرها لمثل تلك الظروف؟
ويقول آخر: "عندما تأكدت أن العبّارة في طريقها للغرق، اقتحمت وآخرين
الغرف التي يوجد بها سترات نجاة، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في عرض
البحر. ووجدت قارب النجاة المطاطي قريباً مني، فظللت أعوم حتى أمسكت
به بعد عناء شديد وتشبثت به. وكان الوقت تقريباً يقترب من الرابعة
فجراً"!!
هل تتخيل كم الظلمات التي ظل يعوم فيها؟ إنها ظلمة عرض البحر، وظلمة
جوف الليل!! ويستطرد فيقول أنه لم يكن بمفرده طوال كل ذلك الوقت،
وإنما كان معه ما يقرب من عشرين شخصاً آخرين!! وكانوا يتلون بعض آيات
القرآن الكريم بصوت مرتفع!! لقد ظل علي مدار عشرين ساعة قبل أن يتم
إنقاذه وآخرين، وكان طوال تلك المدة يفكر في حياته، وكيف سيقابل
الله!!! فهل أعددنا نحن لهذا الموقف حساباً؟!
ويقول آخر ممن كانوا يتشبثون بالقوارب المطاطية: إنه مات على العبّارة
خمس عشرة مرة، ومات في البحر خمس مرات على الأقل؛ من شدة ما مر به!!
قرأ الشهادة في كل مرة من تلك المرات، خاصة أنهم في كل مرة تأتي موجة
عالية يضطرون لتفريغ القارب المطاطي من المياه سواء بأيديهم أو
أحذيتهم!! وبمجرد انتهائهم كانت تأتي موجة أخرى لتعيد الكرة من جديد!!
ويقول إن بعض الذين كانوا علي قارب النجاة ماتوا خوفاً ورعباً وغرقاً،
وأن أحداً لم يكن ليلتفت لأحد!!!
ويحكي شخص آخر قصته مع النجاة، فيقول: "مهما تكلمت فلا أستطيع أن أصف
لكم الصورة الحقيقية التي عشتها... تخيلوا أنني شفت الموت مليون مرة
على مدى أربع ساعات متصلة منذ تصاعد أول خيوط الدخان... ثم إعلان
القبطان الذي بدا وكأنه لا يهتم بما نقول وكأن شيئاً لم يكن!! وأنا
أقف عاجزاً، لا أعرف ماذا أفعل!!
أصعب موقف واجهته في حياتي على الإطلاق... تخيلوا الموت يتراءى أمام
عيونكم ويقترب منكم لحظة بلحظة، وأنتم في هذا الموقف الرهيب... فماذا
أفعل؟! الحياة حلوة، والروح غالية... لكن أين المهرب من الموت؟! ففي
هذه الساعات، بل اللحظات، يهون كل متاع الدنيا وأطماعها؛ كان كل همي
لحظتها أن أنجو بنفسي وأعود إلى زوجتي وأولادي سالماً".
ولعل من أصعب المواقف التي واجهها الجميع، والتي كانت للأسف كثيرة
للغاية، هو مشاهد الأطفال الصغار وهم يصرخون في براءة وسط الظلام
وأجسادهم تتقاذفها الأمواج: "الحقونا.. الحقونا "!! وبعض الأطفال
كانوا يتساءلون في براءة، وهم بجوار أحد الناجين: "احنا حنروح فين كده
يا عمو"؟!
إننا نقول إنه لابد لنا من التمسك بتعاليم الإسلام!
لقد بُح صوتنا من المنادةا بذلك! إن الأمر ليس هذراً!!
إن في تعاليم الإسلام نجاة لنا من كل ما نواجهه!!
أرأيت موقف قبطان السفينة!! لقد أجمع الكل على أنه لم يأخذ بنصيحة
أحد، لقد ضرب بآرائهم عرض الحائط، فقد اقترحوا عليه منذ الوهلة الأولى
لنشوب الحريق أن يعود مرة أخرى إلى الميناء السعودي، ولكنه تشبث
برأيه.. ويقولون لو أنه سمع كلامنا، لكان حجم الخسارة أقل
كثيراً!!
لقد وصف القرآن جماعة المسلمين بأنهم: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }
[يونس:22]. ولكننا جعلنا من القرآن كتابا يُتلى بلا فهم لما فيه من
تعاليم وإرشادات، لو أخذنا بها لتحققت سعادتنا في الدنيا
والآخرة!!
القصص كثيرة والمآسي مريرة، وكلها تقودنا إلى نتيجة واحدة: ضرورة
الالتزام بدين الله سبحانه وتعالى، فهذا خير لنا. كذلك فلابد لنا من
العودة وبسرعة إلى الله. فإذا كان الله قد نجانا من هذه الفاجعة التي
حدثت، فما يدرينا لعلنا نفاجأ بحادثة مماثلة قريباً!! وفي هذه اللحظة،
لن نجد أمامنا سوى ما قدمنا من خير يكون شفيعنا إلى الله
تعالى!!!
12 من المحرم عام 1427 من الهجرة.