العلّامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (1307هـ/1889م - 1376هـ/1956م)

خالد سعد النجار

  • التصنيفات: تراجم العلماء -


هو الشيخ أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر السعدي، من آل سعدي من الحمران، من قبيلة النواصر إحدى قبائل تميم، ولد في بلدة عنيزة في القصيم، وذلك يوم 12محرم عام ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية الشريفة، وتوفيت أمه وله من العمر أربع سنون، وتوفي والده وهو في السابعة، فتربى يتيمًا ولكنه نشأ نشأةً حسنةً، وكان قد استرعى الأنظار منذ حداثة سنه بذكائه ورغبته الشديدة ف? التعلم، قرأ القرآن بعد وفاة والده ثم حفظه عن ظهر قلب، وأتقنه وعمره أحد عشر سنة، ثم اشتغل في التعلم على علماء بلده وعلى من قدم بلده من العلماء، فاجتهد وجد حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم، ولما بلغ من العمر ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يتعلم ويُعلِّم، ويقضي جميع أوقاته في ذلك حتى أنه في عام ألف وثلاثمائة وخمسين صار التدريس ببلده راجعًا إليه، ومعوَّل جميع الطلبة في التعلم عليه.

شيوخه:
أخذ عن الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر، وهو أول من قرأ عليه، وكان يصف شيخه بحفظه للحديث، ويتحدث عن ورعه ومحبته للفقراء مع حاجته ومواساتهم، وكثيرًا ما يأتيه الفقير في اليوم الشاتي فيخلع أحد ثوبيه ويلبسه الفقير مع حاجته إليه، وقلة ذات يده رحمه الله.
ومن مشايخه أيضًا الشيخ محمد بن عبد الكريم الشبل، قرأ عليه في الفقه وعلوم العربية وغيرهما.
والشيخ صالح بن عثمان القاضي (قاضي عنيزة) قرأ عليه في التوحيد والتفسير والفقه أصوله وفروعه وعلوم العربية، وهو أكثر من قرأ عليه ولازمه ملازمةً تامةً حتى توفي رحمه الله.
· الشيخ عبد الله بن عايض.
· الشيخ صعب القويجري.
· الشيخ على السناني.
· الشيخ على الناصر أبو وادي، قرأ عليه في الحديث، وأخذ عنه الأمهات الست وغيرها وأجازه في ذلك.
· الشيخ محمد بن الشيخ عبد العزيز المحمد المانع (مدير المعارف في المملكة العربية السعودية) في ذلك الوقت، وقد قرأ عليه في عنيزة.
· الشيخ محمد الشنقيطي (نزيل الحجاز قديما ثم الزبير)، لما قدم عنيزة وجلس فيها للتدريس قرأ عليه في التفسير والحديث وعلوم العربية، كالنحو والصرف ونحوهما.

شمائله:
كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة، متواضعًا للصغير والكبير والغني والفقير، وكان يقضي بعض وقته في الاجتماع بمن يرغب حضوره فيكون مجلسهم ناديًا علميًّا، حيث أنه يحرص أن يحتوي على البحوث العلمية والاجتماعية، ويحصل لأهل المجلس فوائد عظمى من هذه البحوث النافعة التي يشغل وقتهم فيها، فتنقلب مجالسهم العادية عبادةً ومجالس علميةً، ويتكلم مع كل فرد بما يناسبه، ويبحث معه في المواضيع النافعة له دنيا وآخرة، وكثيرًا ما يحل المشاكل بإرضاء الطرفين في الصلح العادل، وكان ذا شفقة على الفقراء والمساكين والغرباء مادًّا يد المساعدة لهم بحسب قدرته، ويستعطف لهم المحسنين ممن يعرف عنهم حب الخير في المناسبات، وكان على جانب كبير من الأدب والعفة والنزاهة والحزم في كل أعماله، وكان من أحسن الناس تعليمًا وأبلغهم تفهيمًا، مرتِّبًا لأوقات التعليم، ويعمل المناظرات بين تلاميذه المحصلين لشخذ أفكارهم، ويجعل الجعل لمن يحفظ بعض المتون.

ويتشاور مع تلاميذه في اختيار الأنفع من كتب الدراسة، ويرجح ما عليه رغبة أكثرهم، ومع التساوي يكون هو الحكم، ولا يمل التلاميذ من طول وقت الدراسة إذا طال لأنهم يتلذذون من مجالسته، ولذا حصل له من التلاميذ المحصلين عدد كثير، وكان ذا معرفة تامة في الفقه، أصوله وفروعه، وفي أول أمره كان متمسكًا بالمذهب الحنبلي تبعًا لمشايخه، وحفظ بعض المتون من ذلك، وكان له مصنف في أول أمره في الفقه، نظم رجز نحو أربعمائة بيت وشرحه شرحًا مختصرًا، ولكنه لم يرغب ظهوره لأنه على ما يعتقده أولًا، وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم، وحصل له خير كثير بسببهما في علم الأصول والتوحيد والتفسير والفقه وغيرها من العلوم النافعة، وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي، بل يرجح ما ترجح عنده بالدليل الشرعي، ولا يطعن في علماء المذاهب كبعض المتهوسين هدانا الله وإياهم للصواب والصراط المستبين.

وله اليد الطولى في التفسير، إذ قرأ عدة تفاسير وبرع فيها، وألف تفسيرًا جليلًا في عدة مجلدات، فسّره بالبديهة من غير أن يكون عنده وقتَ التصنيف كتابُ تفسير ولا غيره، ودائمًا يقرأ والتلاميذ في القرآن الكريم ويفسره ارتجالًا، ويستطرد ويبين من معاني القرآن وفوائده، ويستنبط منه الفوائد البديعة والمعاني الجليلة، حتى أن سامعه يود أن لا يسكت لفصاحته وجزالة لفظه وتوسعه في سياق الأدلة والقصص، ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث معه عرف مكانته في المعلومات، كذلك من قرأ مصنفاته وفتاويه.

الثمرات:
كان رحمه الله تعالى ذا عناية بالغة بالتأليف، فشارك في كثيرٍ من فنون العلم؛ فألّف في التوحيد، والتفسير، والفقه، والحديث، والأصول، والآداب، وغيرها، وأغلب مؤلفاته مطبوعة إلا اليسير منها.
وإليك سرد لهذه المؤلفات:

1- الأدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين.
2- الإرشاد إلى معرفة الأحكام.
3- انتصار الحق.
4- بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخيار.
5- التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد الإعراب.

6- توضيح الكافية الشافية.
7- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.
8- التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة.
9- تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله.
10- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.

11- تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن.
12- الجمع بين الإنصاف ونظم ابن عبد القوي.
13- الجهاد في سبيل الله، أو واجب المسلمين وما فرضه الله عليهم في كتابه نحو دينهم وهيئتهم الاجتماعية.
14- الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
15- حكم شرب الدخان.

16- الخطب المنبرية على المناسبات.
17- الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية.
18- الدرة المختصرة في معاني دين الإسلام.
19- الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي.
20- الدين الصحيح يحل جميع المشاكل.

21- رسالة في القواعد الفقهية.
22- رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة.
23- الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.
24- سؤال وجواب في أهم المهمات.
25- طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.

26- الفتاوى السعدية.
27- فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد.
28- فوائد مستنبطة من قصة يوسف.
29- الفواكه الشهية في الخطب المنبرية.
30- القواعد الحسان لتفسير القرآن.

31- القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.
32- القول السديد في مقاصد التوحيد.
33- مجموع الخطب في المواضيع النافعة.
34- مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.
35- المختارات الجلية من المسائل الفقهية.

36- المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
37- منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين.
38- المناظرات الفقهية.
39- منظومة في أحكام الفقه.
40- منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة.

وكان غاية قصده من التصنيف هو نشر العلم والدعوة إلى الحق، ولهذا يؤلف ويكتب ويطبع ما يقدر عليه من مؤلفاته، لا ينال منها عرضًا زائلًا أو يستفيد منها عرض الدنيا، بل يوزعها مجانًا ليعم النفع بها، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا، ووفقنا الله إلى ما فيه رضاه.

اختيارات العلامة عبدالرحمن السعدي [1]:
ص 29: الفعل الذي تجرد من الأمر يدل على الاستحباب.
ص15: الصحيح أن الماء قسمان: طهورٌ ونجس.
ص 16: الصحيح أن الماء الذي خلت به المرأة كغيره من الماء.
ص17: الصحيح أن الانسان إذا غمس يده في الإناء أن الماء طهور.
ص 19: الصحيح أنه إذا زال تغير الماء النجس بنزح أو إضافة فانه يطهر.
ص 19: الصحيح في اشتباه الثياب النجسة بالطاهرة أنه يتحرى ويصلي في ثوب واحد صلاة واحدة.
ص 21: الصحيح أنه لا يستحب المسح ولا النتر عند الاستنجاء.

ص21: الصحيح أنه لا يكره استقبال النيرين.
ص 23: الصحيح أن الختان لا يجب على الأنثى.
ص24: الصحيح أنه لا يستحب مجاوزة محل الفرض في الوضوء.
ص 25: الصحيح أنه لا يستحب أخذ ماء جديد للأذنين.
ص 25: الصحيح أن كل خف يمسح عليه سواء كان مخرقاً أو مفتقاً سواء أمكن المشي أم لا.
ص 27: الصحي? أن طهارة الماسح لا تبطل بخلع الخف الممسوح.
ص 28: الصحيح أن مسح الجبيرة لا يشترط له تقدم الطهارة.
ص 28: الصحيح أن تمام المدة في المسح على الخفين لا تنقض الوضوء.
ص 28: الصحيح أن الدم والقيء ونحوهما لا ينقض الوضوء قليله وكثيره.
ص 29: الصحيح أن جميع أجزاء الإبل ناقضة للوضوء.
ص30: الصحيح أن التثليث لا يشرع في الغسل إلا في غسل الرأس.
ص 33: الصحيح أن لا يجب التيمم ولا يشرع من نجاسة البدن.
ص 34: الصحيح في غسل النجاسات كلها غير الكلب أن يكفي فيها غسلة واحدة، فإذا لم تذهب فإنه يزيد حتى تذهب النجاسة.

ص35: الصحيح أن النجاسة إذا زالت بأي شيء يكون بماء أو غيره فإنها تطهر.
ص36:الصحيح أن البغل والحمار طاهران في الحياة فريقهما وعرقهما طاهر.
ص 41: الصحيح أنه يجوز وطء المستحاضة.
ص 43: الصحيح وجوب الأذان حتى على المسافرين للعمومات.
ص 44: الصحيح أن المؤذن والمقيم لا يجيبان أنفسهما.
ص 44: الصحيح أن الصلاة لا تدرك إلا بركعة.
ص 45: يسقط الترتيب في قضاء الفوائت بالنسيان.
ص 45: الصحيح أن ستر المنكبين أو أحدهما في الصلاة للرجل من باب تكميلها وتمامها، وأنه ليس بشرط، ولأن المنكب ليس بعورة فستره في الصلاة من باب تكميلها وهو قول الجمهور.

ص 46: الصحيح أنه لو صلى في ثوب نجس ناسيًاً فصلاته صحيحة.
ص46: الصحيح أن ستر المنكبين ليس بواجب.
ص 48: الأصل أن الصلاة جائزة في جميع بقاع الأرض.
ص 49: الصحيح أن المتنفل على راحلته لا يلزمه الاستقبال في الركوع أو السجود أو الإحرام.
ص 50: الصحيح أن المصلي إذا عرض له في صلاته ما أوجب قلبها نفلًا أو انتقالًا من انفراد إلى إتمام وبالعكس ومن إمامةٍ إلى ائتمام أن ذلك كله جائز.
ص 51: إذا خرج الإمام من صلاته لحدث فإن له أن يستخلف وإن صلوها فرادى جاز ذلك.

ص 52: الصواب أن الكلام سهوًا لا يُبطل الصلاة.
ص 55: الصواب أنه لا تشهُّد عقب سجود السهو.
ص56: الصحيح أن سجدة (ص) لا تبطل الصلاة، وإذا سجد بها القارئ لأن سببها القراءة المتعلقة بالصلاة.
ص68: الصواب أن الوقوف على يمين الإمام سنة مؤكدة، فتصح الصلاة على يساره.
ص70: لم يثبت في صلاة المريض إلا حديث (يصلي المريض قائمًا فإن لم يستطع فقاعدًا)، وأما صلاته بطرفه وقلبه فلم تثبت.

ص 73: الصحيح أنه لا يشترط نية الجمع ولا نية القصر.
ص 74: الصحيح جواز الجمع إذا وُجد العذر، ولا يشترط الموالاة ولا النية.
ص 76: الصواب أنه إذا صلى في الصف وحده لعُذرٍ جاز ذلك.
ص 76: اشتراط أن يكون في الخطبة: الحمد لله والصلاة وعلى رسول الله، ثم قراءة آية (ليس على ذلك دليل).
ص 78: الصواب أن صلاة العيد فرض عين.

ص 78: الصواب استحباب استفتاح جميع الخط? بالحمد لله، لأنه لم يثبت غيره.
ص 79: الصحيح في صلاة الكسوف حديث عائشة في (الصحيحين) أنه صلاةٌ في كل ركعة بركوعين وسجودين، وأما ما سواها من الصفات أنه وهمًا من الرواة كما قال ذلك أحمد والبخاري.
ص80: الصواب جواز الصلاة على القبر ولو بعد شهر لأنه لم يرد فيه منع.
ص 85: الصواب أن الإنسان إذا دفع الزكاة للوكيل، ودفع الوكيل الزكاة للمعطي أن ذلك يجزئ ولو لم ينو الوكيل بذلك.

ص 85: الصواب جواز نقل الزكاة إلى بلد آخر لحاجة.
ص 86: الصواب أنه إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان فيها غيمٌ أو قترٌ أنه لا يجب صيام ذلك اليوم بل ولا يستحب.
ص 86: الصواب أن المَطلع إذا اختلفت فلكل قوم رؤيتهم.
ص 87: إذا علم الناس برؤية هلال رمضان نهارًاً لزمهم الإمساك قولًا واحدًاً، واختاره شيخ الإسلام عدم قضاء ذلك اليوم وهو قوي.
ص 92: الصحيح عدم استحباب نية الاعتكاف لكل من دخل المسجد لعدم وروده.
ص 100: الصواب أنه لا يحكم بإسلام أولاد أهل الذمة إذا مات أبويهم في دارنا.

تلاميذه:
وقد أخذ عنه العلم خلق كثير يصعب حصرهم، منهم:
1- الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، خلف شيخه في إمامة الجامع بعنيزة، وفي التدريس والوعظ والخطابة.
2- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، عضو هيئة التمييز بالمنطقة الغربية.
3- الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان.
4- الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل.
5- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعدي، ابن الشيخ وكان ذا عناية بطبع مؤلفات والده.

من روائع خطبه:
الحمد لله الرب الغفور، العفو الرؤوف الشكور، الذي وَفق مَن شاء مِن عباده لتحصيل المكاسب والأجور، وجعل شغلهم بتحقيق الإيمان والعمل الصالح، يرجون تجارةً لن تبور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي بيده تصاريف الأمور، وأشهد أن محمدًاً عبده ورسوله، أفضل آمر وأَجَلُّ مأمور.

اللهم صَلِّ وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور .
أما بعد : أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وذلك بالقيام بحقوق الإيمان والأعمال الصالحة، فرضها ونفلها؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، فوعد مَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالأجر العظيم والثواب الجزيل في دار القرار.

أما الإيمان فهو الإقرار والاعتراف بأصوله المبني على العلم واليقين والإذعان المقتضي للعمل الصالح.
وهو القيام بحقوق الله، أو حقوق الوالدين والأقارب، والأصحاب وذوي الحقوق والجيران.
فكل واجب أو مستحب فهو داخل في العمل الصالح، ويدخل في ذلك ترك الفسوق وجميع القبائح، فمن قام بذلك فليُبشَّر بالحياة الطيبة، فهو المفلح الناجح.

لا تحسبن الحياة الطيبة مجرد التمتع بالشهوات، ولا الإكثار من عرض الدنيا وتشييد المنازل المزخرفات، إنما الحياة الطيبة راحة القلوب وطمأنينتها، والقناعة التامة برزق الله، وسرورها بذكر الله وبهجتها، وانصباغها بمكارم الأخلاق، وانشراح الصدور وسعتها.

لا حياة طيبة لغير الطائعين، ولا لذة حقيقة لغير الذاكرين، ولا راحة ولا طمأنينة قلب لغير المكتفين برزق الله القانعين، ولا نعيمًا صحيحًا لغير أهل الخلق الجميل والمحسنين.
لقد قال أمثال هؤلاء الأخيار: لو عَلِمَ الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الأُنْسِ بالله لجالدونا بالسيوف عليه، ولو ذاق أرباب الدنيا ما ذقناه من حلاوة الطاعة لغبطونا وزاحمونا عليه.
ما ظنك بمن يُمسي ويُصبح ليس له هَمٌّ سِوى طاعة مولاه، ولا يخشى ولا يرجو ولا يتعلق بأحد سواه؛
إنْ أُعْطِيَ شكر، وإن مُنِعَ صَبَر، وإذا أَذْنَبَ استغفر وتاب مِمَّا جَنَاه.

هذا والله النعيم الذي من فاته فهو المغبون، وهذه الحياة الطيبة التي لمثلها يعمل العاملون.
أيُّ نعيم لمن قلبه يغلي بالخطايا والشهوات، وأيُّ سُرور لمن يتلهب فؤاده بحب الدنيا وهو ملآن من الحسرات.
وأي راحة لمن فاته عيش القانعين، وأي حياة لمن تعلق قلبه بالمخلوقين.
وأي عاقبة وفلاح لمن انقطع عن رب العالمين، ومع ذلك لا يرجو العقبى، وثواب العاملين بالله.
لقد فاز الموفقون بِعِزِّ الدنيا والآخرة، ورجع أهل الدناءة بالصفقة الخاسرة [2].

الدعوة قدوة: لماذا نستعيد الشيخ عبد الرحمن السعدي؟! [3].
نقل (الشيخ محمد أبو زهرة) في كتابه عن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله قول بعض العلماء: "لو قال رجلٌ: إن أحمد بن حنبل من أهل الجنة ما عُنِّف في ذلك، ذلك أنه لو قصد خراسان ونواحيها لقالوا: إن ابن حنبل رجلٌ صالح، وكذلك لو قصد العراق ونواحيها لقالوا: ابن حنبل رجل صالح، وكذلك لو قصد الشام ونواحيها لقالوا: إن ابن حنبل رجل صالح، فهذا إجماع، وهو قول فقيه مُحَدِّث معاصر لأحمد يرى إجماع الأقطار الإسلامية المتنائية على أن الإمام رجل صالح، وبه تقوم الحجة على صلاح هذا الرجل..."!

روى ذلك الدكتور محمد رجب البيُّومي لتبقى ألسنة الخلق أعلامَ الحق، وبمثل هذا تتجدد صورةٌ أخرى لإمام لم يَعِشْ مُجايِلُونا زمنه، لكنهم عايشوا سيرتَه، ووعوا مسيرته، ورأوا كيف يسمق فكرُه ويتجددُ ذكرُهُ!

قبل أكثر من ستين عامًا (1360هـ) تسامعَ الناسُ في (عنيزة) عن عمليات غزو الفضاء، ومحاولات الهبوط على سطح القمر قبل أن يتم ذلك فعليًّا بحوالي ثلاثين عامًاً، فلجئوا مستفهمين وربما مستنكرين إلى الشيخ عبد الرحمن السعدي (1307 - 1376هـ)، وأجابهم الشيخ من فوره أن ذلك ممكن بواسطة آلة ترفعُهُم إلى القمر أو أي سلطان أخر!

روى ذلك ابنُه الشيخ ((محمد العبد الرحمن السعدي)، وأشار إلى أن الشيخ عبد العزيز التويجري قد استعاد الحكاية عام (1418هـ) في فندق (بريزدنت) بسويسرا بحضور أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي الذي عجب من شيخ نجديٍّ اقتنع قبل الحدث بما لم يقتنع به بعض الأمريكيين بعده!

اتَّسع أفق الشيخ عبد الرحمن غفر الله له لتصوُّر هذه النقلة العلمية الهائلة في وسط شبه أمِّي يعيشُ دون وسائط اتصال، بل لم يكن في (عنيزة) كلها وقت هذه الحادثة التي تتزامن مع الحرب العالمية الثانية سوى جهاز (راديو) -لعله الوحيدُ حينها- لدى (الوجيه عبد الرحمن المقبل الذكير)؛ إذْ يجتمع الناس في مجلسه وعند بابه لمتابعة أخبار الحرب، وكان شيخُنا أبو عبد الله -كما يرى ابنُه- يتوقف بعد صلاة العشاء أمام باب (الذكير) لمتابعة آخر الأخبار.

حكايةٌ ضمن حكاياتٍ أوردها ابن الشيخ في مسودة سمَّاها (مواقف من حياة الشيخ الوالد عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي) لا تزال في تجربتها الأولى، ويُنتظر اكتمالُها لاحقًا بعد إضافةِ مواقف أخرى لم ترْوِها الكتب وإن ذاع بعضُها لدى الناس.

وإذا وعَيْنا ظروف المكان والزمان التي جعلت هذا العلامة الإمام يتجاوزُهما؛ فإننا سنزدادُ إيمانًا بقيمته العلمية والفكرية والاجتماعية، وخاصةً إذا تذكرنا أن آخرين إلى وقت قريب يُنكرون مسألة النزول على القمر، وقد روى الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه (الثقافة التلفزيونية) نقلًا عن مقالة للأستاذ منصور النقيدان نُشرت في صحيفة الوطن في أواخر عام (2001م) حكاية الشيخ عبد الكريم الذي قال: إن الأمريكيين وقعوا ضحية لخدعة ماكرة من إبليس؛ حيث انتفخ في الفضاء فبدا مثل كوكب سابح يشبه القمر، وقد تربص لرواد الفضاء لكي يخدعهم، فهبطت المركبة على ظهره وصدق الأمريكيون هذا الوهم (ص29-31)!

بمثل هذا الوعي الذي يمتد ليشمل رؤيته لنقل الأعضاء، والتبرع بالدم، وإدخال التقنيات الحديثة كالبرقية في وقته وسواها عاد الشيخ الإمام عبد الرحمن السعدي إلى الواجهة رمزًا نادرًا جَمَع العُمق الشرعي والانفتاح الثقافي والسلوك المثالي، فعاش معنا اليوم وكأنه لم يرحل عنا منذ قرابةِ نصف قرن.

اشترى الشيخ حمولةَ حطب جاء بها صاحب الجمل إلى البيت، وعند خروجه -بعد إنزال الحمولة- وجد الشيخ (علبة دخان) في الأرض فنادى (الجمَّال) وقال: "أهذه لك؟ قال: نعم، قال الشيخ: خذها؟ فرد الجمَّال: أوَتعرف ما فيها يا شيخ؟ قال: نعم دخان، قال: وتعطيني إياها؟ قال: نعم؛ لأنك إذا لم تجدْها فسوف تشتري بقيمة الحطب بديلًا لها، وستكون على حساب قوت أولادك، والهادي هو الله سبحانه، فقال الجمَّال: بسم الله، ونثر ما في العلبة من (التبغ) و(الورق) وأعلن أمام الشيخ تركه التدخين!".

هل تحتاج الحكايةُ إلى تعليق؟ ليتنا نقارن فقط بين ما كان عليه الشيخ أمس وما نحن عليه اليوم لندرك أننا نسيرُ إلى الخلف، وأكثر من هذا فقد كان يعرف أن في أصدقاء ابنه محمد مَنْ يدخِّن، ويتحاشى ابنه إحضارَهم تحرُّجًا واحترامًا، والشيخ يدرك ذلك فيلزمُه بدعوتهم، بل إنه رحمه الله اشترى -وهو محدود الإمكانات- منزلًا صغيرًا بجوار بيتهم، وفرشه وفتح عليه بابًاً، ووضع فيه أدوات القهوة والشاي، وقال لابنه: "مالك عذر فادعُ جميع أصحابك"!

قصص الشيخ خيالية بمعيار وقتنا، فلم يضق ممن سمعهُ يغنِّي، بل إنه مرَّ على مجموعة من (البنائين) وهم يغنون، فلما رأوه سكتوا بإشارة من أحدهم، فسلَّم عليهم الشيخ ودعا لهم بالقوة والعافية، وقال: "لم لا تغنون؟ ولماذا سكتُّم؟ ترى الغناء ينشطكم ويختصر عليكم الوقت؟".

وهكذا فعل مع أحد شباب عنيزة حين دخل على مجلس فيه الشيخ دون أن يدري عن وجوده، وكان يغني بصوت عالٍ بإحدى الأغنيات المنتشرة حينها، فقال الشيخ ضاحكًا: "أثْرك هواوي" [4]، ولم ينكر عليه أو يقُمْ بلومه!
وكان الشيخ حين يسافر يضع (العقال) فوق شماغه دون تحرُّج، وهو ما لا يزال بعض الناس يستغربون ارتداءه من علماء الدين، وبحث عن ابنه محمد كي يجعله يرى البنت التي خطبها له، ويتابع علم الجغرافيا الذي تحفظ بعض العلماء عنه؛ لأنه يدرس كروية الأرض، وحين سافر إلى دمشق من لبنان لمدة يوم واحد زار قبر شيخ الإسلام ابن تيمية ودعا له، وتم تصويره فوتوغرافيًّا وسينمائيًّا، وأُعجب بعالم النفس الأمريكي (ديل كارنيجي)، وأفاد من كتابه (دع القلق وابدأ الحياة) في تأليف كتابه المميَّز (الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة)، وأهدى نسخة من كتاب كارنيجي لصديق يشكو من مرض نفسي، ووضع نسخةً أخرى في مكتبة عنيزة العامة!

الحكايات التي ضمَّتها مسودة المواقف للشيخ محمد العبد الرحمن السعدي كثيرة، فلعلَّها تصدر بعد إضافة حكايات أخرى في كتاب يقرؤه الجميع، ليتوجه صاحبكم بالشكر للشيخ محمد وابن أخته الأخ مساعد العبد الله السعدي الذي قام بكتابة الحكايات ومراجعتها، ووضع في مقدمتها عبارة سبق أن كتبها صاحبكم (الجزيرة 15-11- 1424هـ)، وقال فيها: "لو اختصرت سيرة الشيخ لقيل عنه: علم وعمل، فأنارت سيرته ورويت مسيرته، ينقلها الأجداد للأحفاد وتسعد بها البلاد والعباد".

وفيها كتب: "تعامل مع الواقع، وتفهم النوازع والدوافع، فاتصل به المحسن والمسيء، لم يخشه مُقصّر، ولم يظهر من تلاميذه مكفِّر أو مفجِّر".

لم ينفصل الشيخ عن هموم الأمة، وكانت له مواقفه وخطبه، وعند (العدوان الثلاثي) لم يحبط معنويات المقاومة وهي تواجه القوة والتفوق والسيطرة، فلم يقارن الأعداد والعدد، ولم يُثبِّطْ عن (جهاد الدفع) منتظرًا النصر عبر (أُعطية) أو (أغنية)!

لن يقدَّر لنا في مقال مثل هذا أن نستفيض في الحديث عن هذا العلامة الإمام الذي ألَّف أكثر من خمسة وستين كتابًا وُزّعت في كل أنحاء العالم، وتُرجمت إلى عدد من اللغات، وجُمعت في أسطوانات حاسوبية مدمجة، فالأهم هو أن نتأمل في حياته وعطائه؛ فقد ظل رمزًاً وافق فعلُه قولَه، وصدَّق سلوكُه دعوتَه، فلعلنا نستفيد..
يروى عن الشاعر الهندي طاغور (1890 - 1941م) هذه الأبيات:

 

 


 

 

 


لماذا انطفأ المصباح؟ لقد أحطْتُهُ بردائي لأجعله في مأمن من الريح
لماذا ذبلت الوردة؟ لقد ضمَمْتُها إلى صدري في لهفة وقلق
لماذا جفَّ النهر؟ لقد أقمْتُ دونه سدًّا ليخدمني وحدي
لماذا انكسر وتر العود؟ لأني أردْتُ إجباره على عزف نغمة عاليةٍ!

 

 

 


هكذا يصنعُ الحبُّ بنا، فلا أحد يكره الوردة والنور والنهر والجمال؛ ولكن: كم من موقفٍ تراجعيٍّ عكسيٍّ ينطلق به صاحبه من اجتهاد وغيرة وحرص يُعيدنا إلى العتمة، ويئدُ فينا التطلع... فمِنَ الحب ما قتل!

الشيخ عبد الرحمن السعدي، ومحنة فلسطين [5]:
فإن العالم الرباني الفقيه، المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله- قد عاش نحو ثلاثة أرباع القرن الرابع عشر الهجري (1307 هـ -1376)، وعاصر مساعي اليهود للعودة من الشتات إلى أرض فلسطين، وإقامة مملكة لليهود:

- فحين انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في (بال) في سويسرا سنة (1897م) كان ابن عشر سنين.
- وحين صدر (وعد بلفور) بمنح اليهود وطنًا قوميًّا في فلسطين سنة (1917م) كان ابن ثلاثين سنة.
- وحين صدر قرار الأمم المتحدة بتدويل القدس، وتقسيم فلسطين سنة (1947م)، كان قد بلغ ستين سنة.
وخلال هذه المحطات التاريخية شهد تدفق اليهود من أصقاع الأرض تحت حماية النصارى، وخاصة أمريكا وبريطانيا، وتشريد المسلمين وإخراجهم من ديارهم، ثم تُوِّج ذلك بإعلان قيام دولة إسرائيل سنة (1368هـ/1948م) قبل وفاة الشيخ بثمان سنين.

وقد صنف الشيخ رسالة تتعلق بفتنة المسيح الدجال قبل وفاته بست سنين، وخطها بيمينه صغيرة الحجم، عظيمة النفع لاسيما في هذا الوقت الذي ازداد فيه أذى اليهود للمسلمين في فلسطين، وأعملوا فيهم القتل والتشريد، وهدم البيوت، وساموهم سوء العذاب، حتى تسلل اليأس والقنوط إلى بعض النفوس الضعيفة، ففيها برد اليقين، وبشارة المؤمنين بنصر الله وقريب روحه وفرجه.

لقد كانت هذه النازلة ولا تزال فتنة عظيمة، وداهية جسيمة، لتكون بدورها توطئة للفتنة الكبرى المنتظرة، التي يتزعمها المسيح الأعور الدجال، ويكون اليهود لحمة سداها، وعامة أتباعها، حتى يكشفها الله بنزول المسيح الصادق عيسى ابن مريم، فيهتك ستره، ويبين عواره ودجله، ويقتله.

وقد أبصر الشيخ رحمه الله المشهد الدولي بنور العقيدة، وربط بين زوال دولة إسرائيل وظهور المسيح الدجال الذي يقضي عليه المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام والمؤمنون، واعتبر الأمم الداعمة لإسرائيل جزءًا من فتنة الدجال.

وسنورد أدناه قراءةً واعية لمحنة فلسطين، سطرها الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله قبل ستين سنة؛ فقال: "الأمم الذين وراء فارس والروم من الأمم الفرنجية وتوابعهم، وكونهم السبب الوحيد الذي مهد لليهود ملك فلسطين، وساعدوهم بالقوة المادية والسياسية، كما هو معروفٌ لا يخفى على أحد.

ولولا ذلك لم يطمع اليهود بتملك شبرٍ من بلاد العرب، تصديقاً لقوله تعالى: {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:112]، فهؤلاء الناس هم الذين مهدوا لهم الملك، وتداعوا من كل قطرٍ إلى بلاد العرب من فلسطين كما في الحديث الصحيح: «أن الدجال يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفًا» [6].

وهذا معناه أنهم يستدعون إلى فلسطين من أقطار الأرض بسبب دعوة الدجال لهم.
ومن عرف كيف عملت اليهود مع الإنكليز وتأكد بينهم الوعد المسمى بوعد بلفور، وكيف حاولوا المحاولات العظيمة، وسخَّروا الأمم القوية لتمهيد مصالحهم؛ لم يستبعد أن هذه فتنة الدجال الخاصة، التي هي أكبر فتن الأرض، كما ورد في الحديث: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال» [7].

وهل أعظم من فتنة جرف تيارها جمهور الناشئة الحديثة بإلحاده، وصيَّر من يُرجى منهم نصرة الإسلام بالقول والفعل من أكبر الأعوان على هدمه وزواله وهم يسعون استجابةً لفتنة الدجال على القضاء عليه؟

ونرجوا الله أن يلطف، ويدفع عن المؤمنين بحوله وقوته ورحمته؛ فإنهم لا سبب لهم ماديّ، ولا قوة حسية تدافع بها القوات المحتشدة المصممة على القضاء عليه، ولكن سيأتي من لطف الله ما لا يخطر بالبال.

وهل أعظم من فتنة اجتمع العرب وحكوماتهم على مقاومتها، ومدافعتها عن بلادهم، فقاومتهم السياسات، ولعبت بهم الفتن، حتى فرقتهم وشتتهم، ومكنت عدوهم من جوف بلادهم، وذهب أهلها مشردين في كل قطرٍ منهم طائفة، وهي في سعيها وجدها الآن لا تزداد إلا قوة، ولا يزداد العرب إلا وهنًا وضعفًا م?ديًّا ومعنويًّا، دينيًّا ودنيويًّا؟ ولا بد أن تتوسع سيطرة اليهود، ولا بد لهم من التضييق على جيرانهم من الحكومات العربية، ولابد أن يتبين من الشخص منهم الذي هو المسيح الدجال المعيَّن بذاته، وتجري بقية ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم على يده، حتى ينزل عيسى ابن مريم، ويعين الله المسلمين، فيقاتلونهم فيقتلون اليهود، ويقتل عيسى صلى الله عليه وسلم مسيحهم الدجال..

والواقع الآن يشهد بما ذكرنا، وهذه الفتنة الصهيونية، لها توابع كثيرة إلى الآن لم تتم، وهم يسعون فيها.
فمن قارن بين هذه الفتنة العظيمة وتوسعها وضررها، وبين غيرها من الفتن التي جرت على المسلمين، علم أنها أكبر قارعة حلّت، وأعظم مصيبة أصابتهم، وأن فتنتها السابقة واللاحقة أعظم الفتن، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ منه إلا إليه..
وسنرجئ بقية الكلام إلى أن يتبين لنا ولغيرنا في المستقبل من هذه الفتنة بقية ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه أمرٌ واقع، ما له من دافع، وأصوله ومقدماته قد وضحت وبانت لكل أحد له بصيرة. (7 شعبان 1370هـ).

الرحيل:
وبعد عمر مبارك دام قرابة 69 عامًا في خدمة العلم، أصيب بمرض شديد مفاجئ أنذر بدنو منيته، حيث وافاه الأجل في ليلة الخميس الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة (1376هـ) بمدينة عنيزة، وقد ترك أثرًا وحزنًا عميقًا في نفس كل من عرفه أو سمع عنه أو قرأ له رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا بعلمه ومؤلفاته... آمين.

من مصادر الترجمة:
- روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوداث السنين للشيخ محمد بن عثمان القاضي (219/1).
- علماء نجد خلال ثمان قرون للشيخ عبد الله البسام (3/218).
- مشاهير علماء نجد وغيرهم للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص 256).
- مقدمة كتاب الرياض الناضرة لابن سعدي بقلم أحد تلاميذ الشيخ.
- الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة، رسالة ماجستير إعداد د/عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد (من ص13 - 61).


[1] من كتاب: المختارات الجلية نقل الشيخ سلطان العمري.
[2] الخطبة رقم (80)، من كتاب الفواكه الشهية في الخطب المنبرية، تأليف العلامة الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه.
[3] إبراهيم بن عبد الرحمن التركي.
[4] أي صاحب طرب وهوى.
[5] د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي.
[6] رواه مسلم وأحمد.
[7] رواه مسلم وأحمد.