طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
إن أساس إحياء هذه الأمة وإيجادها وإحياء هذه الأمة الحياة الحقيقية من حيث الكيفية ومن حيث الكمية إن الطريق إلى ذلك إنما هو بتعلم الكتاب، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم...
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71-72].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الأخوة المسلمون، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال:20].
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:21].
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: من الآية 23].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبه وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون} [الأنفال:24].
ففي هذه الآيات وما أشبهها يأمر الله عباده المؤمنين بطاعة رسوله، وذلك لأن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة لله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} [النساء:80].
ثم طاعته عليه السلام هي النور وهي الهدى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} [البقرة:257]، ولو قالوا: إنها النور.
في طبيعة الإنسان دائماً عندما يعجز عن مقاومة الحق وعندما يظهر الحق بنوره يكابر ويجادل فيسمي الحلو مُرّا، ويسمي الحق باطلاً.
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ}: بتعليم الرسول، وهدايته، وتوجيهه وسنته، وبكتاب الله من الظلمات: ظلمات القلب وظلمات الجهل وظلمات النفس إلى نور الإيمان والعمل الصالح، نور الكتاب والسنة؛ ولأن في طاعة الرسول هداية: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}، ولأن في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان {نَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور:62].
هؤلاء هم المؤمنون الذين يستأذنون الرسول في كل قضية يجعلون الرسول قائدهم في كل شيء، في العقيدة على الحق، قائدهم في إخلاص التوحيد لله، قائدهم في الولاء والبراء، قائدهم في التربية قائدهم في العلم والتعليم، لا يجعلون قائدهم فيلسوفاً ولا مفكراً، ولا عاقلاً كبيراً، ولا مصلحاً، ولا زعيماً يجعلونه في مقام الرسول كلا بل إن المصلحين، إن الفلاسفة، إن المفكرين، إن العقلاء، والله ما استفادوا شيئاً من الذكاء والعقل ولا من الفكر إلا بما جاءوا من باطل فإنما هو الباطل المزخرف {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ?ُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112].
ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه كان يقول في كل خطبة الجمعة: «إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرُّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، وقال الله في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: من الآية 1]، راقبوه في هذه المسألة خافوه، لا تقدموا بين يدي الرسول رأياً ولا ذكاء ولا عقلاً ولا كشفاً ولا ذوقاً ولا قال الشيخ الفلاني، والسيد فلان ولا رأيت في النوم ولا. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا عاداتكم وتقاليدكم على هدي النبي، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} كيف إذا قدمنا عادات وآراء اليهود والنصارى، فالأمر أخطر لا تقدموا عاداتكم ولا أرآءكم أيها المؤمنون مع أن المؤمنين ينظرون بنور الله وفيهم المحدث وفيهم العلماء، كما شرح الله صدورهم بالإيمان ونور العلم، ومع هذا أمروا ألا يقدموا آراءهم على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: من الآية 2].
هؤلاء هم المؤمنون، فما بالك بغير المؤمنين الأمر أخطر الأمر أعظم إذاً التمسُّك بطاعة الله ورسوله فيها سر النجاة والفوز في الدنيا والآخرة قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آلِ عمران:32]، فالتولي عن طاعة الرسول كفر، ولكن بحسبه قد يكون كفراً مخرجاً من الدين، إذا كان التولي كاملاً كتولي العلمانيين عن الكتاب والسنة، وقال بعضهم أو قال مرشدهم أو قال بعض الموجهين ببساطة أنا أرفض الدولة الدينية، لأن معنى الدولة الدينية أنها تطبق الشريعة الإسلامية، هكذا يفهمون سِرّ العقيدة الإسلامية وسر الدولة الدينية، لا بد أن تطبق شريعة الله، وهذه الدول القائمة ليست دولاً دينية، إنما دول علمانية، تدعو إلى الإخاء الإنساني لا تدعوا إل? الولاء والبراء.
فإذاً قد يكون التولي كفراً مخرجاً من الدين، وقد يكون كبيرة، وقد يكون فسقاً وقد يكون إثماً وقد يكون باجتهاد متأولاً، لكن نفهم أمراً كلياً أن التولي عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كفر بنص القرآن يا مسلمون: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}، كيف بمن يجعل نظريته هي الأساس؟ فما وافق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الكتاب والسنة يدل على نظريته، كيف بمن يأتي بالاشتراكية؟ ويستدل ببعض الآيات المتشابهات: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آلِ عمران: من الآية 7].
كيف بمن يأتي بالديمقراطية؟ ويستدل ببعض الأحكام الشرعية والدينية.
وكيف بمن يأتي على عبادة القبور والذبح لها والنذر لها والإستغاثه بها، ويستدل ببعض الآيات التي لا تدل على ذلك وهو يردد؟! {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62].
كيف بمن يأتي على الإباحية ويستدل على ذلك ببعض الآيات والأحاديث التي لا تدل على ما يريد، هذا كله من مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم.
أيها الأخوة المسلمون:
ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضاً فكان منها نقية، قبلت الماء وانبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً» (رواه البخاري).
أيها المسلمون:
نقول لكم إن أساس إحياء هذه الأمة وإيجادها وإحياء هذه الأمة الحياة الحقيقية من حيث الكيفية ومن حيث الكمية إن الطريق إلى ذلك إنما هو بتعلم الكتاب، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا ترون إلى هذا الحديث: «مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير»، إذا نريد علماً كثيراً نريد دعاة كثيرين، نريد مصلحين كثيرين في كل مسجد، في كل بقعة، في كل جبل، في كل واد، فإن مثلهم كمثل الغيث الكثير ليس مثل العلم اليوم، وإن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل، ويكثر الزنا وشرب الخمر، قل العلم الشرعي ليس هناك عواطف يتحدثون مع الناس بالأماني، والأحلام ليس هناك علم شرعي، فإذاً كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير إذا المطلوب كلأ، والعشب الكثير يصعب على أعداء الإسلام أن يستأصلوا هذا الكلأ الكثير،.
وهذا العشب الكثير، فهو كثير من حيث كميته، وهو قوي وعظيم من حيث نوعه فلا يستأصل، ولا يقدر عليه، فأصاب أرضاً فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، ولو ورد العالم كله عليهم لكفوا وهذا يدلك على غزارة العلم وقوة العلم عند هؤلاء الذين شبهوا بالأرض التي أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فلم ينتفع الناس إلا بالعلم النافع فينبت الكلأ والعشب الكثير، ويشرب هذا، وهذا ويسقي ويتوزع، وتخضر الأرض بعد يبسها، وتحيى الأرض بعد موتها، لقد ماتت الأرض لقد مات الناس، لقد ماتت القلوب، لقد تحجرت العقول، لقد ماتت النفوس بالأهواء والبدع، والخرافات، والجهل، والأطروحات الأجنبية، والتغرير، والخداع، والغش، والغزو الفكري الذي غزا هذه الأمة وماتت القلوب، أو مرضت أو كادت أن تموت فلا بد من إحياء هذه بعد موتها، كيف تحيا بعد موتها؟
لن تحيا إلا بالعلم، لن تحيا إلا بالعقيدة الصحيحة، لن تحيا إلا بالعمل الصالح، لن تحيا إلا بالاعتزاز، لن تحيا إلا بطاعة الرسول، لن تحيا إلا باتباع الكتاب والسنة، لا يجوز للداعية ولا للعالم ولا الجماعات الإسلامية أن يوفقوا بين هدي الرسول وهدي الغرب، وهدي اليهود والنصارى، إنها الهزيمة إنه النفاق إلا من رحم الله.
يقول الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60].
والإيمان ثلاثة أشياء:
1 - اعتقاد بالقلب.
2 - قول باللسان.
3 - عمل بالجوارح والأركان.
والكفر بالطاغوت ثلاثة أشياء:
الرفض والكراهة بالقلب، وأن لا تنطق بالكفر ولا تمرره على لسانك ولا تعمل به بيدك، أما أن يأتي شخص ويقول: أنا أكفر بالطاغوت ويمارسه بيده أو بعمله فهذا لم يحقق الكفر بالطاغوت، {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء: من الآية 60].
إنه خطوة بعد خطوة كل يوم ونحن نسرح وكل يوم نبتعد: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} [النساء: من الآية 61]، وهذه إشارة واضحة على أنه إذا انحرف الشخص إلى طاغوت أو إلى فكر منحرف، فإن الطريق معه أن ترده إلى الكتاب والسنة، أن تدعوه إلى الكتاب والسنة أن تنصحه أن يرجع إلى الكتاب والسنة {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء:61]، {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء: 62]، والله ما أردنا إلا نصرة الإسلام، والله ما أردنا إلا هزيمة المنافقين والمرتدين، ما أردنا إلا هكذا وهكذا، لكن كم من مريد للخير لم يصل إليه.
إن الذي يريد الخير يجب عليه أن يسلك طريق الرسول صلى الله عليه وسلم لنشر الخير وإزالة الباطل، فلن تكون أعقل من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لن تكون أعقل من أبي بكر، قال رضي الله عنه في شأن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان يمكنه أن يتأول عندما طلبت ميراثها مما كان تحت النبي صلى الله عليه وسلم من أموال في خيبر، فقال لها رضي الله عنه: "إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنِّا معاشر الأنبياء لا نورث"، فغضبت عليه وهجرته ولكنه قال: "إني أخشى إن تركتُ أمر رسول الله أن أزيغ"، هكذا يعلمون أن مخالفة أمر الله، وأمر رسوله مباشرة طريق إلى الزيغ والضلال، وأن التمسك بالكتاب والسنة وأن تلتزم بطاعة الرسول هي النجاة، قال عليه الصلاة والسلام: «أنا النذير العريان» (رواه الترمذي)، وهي عادة من عادات العرب إذا كانوا في خطر داهم عظيم، فالمبعوث أو الجاسوس أو العين الذي يبعثونه للنظر وترقب الأخبار إذا رأى خطراً يحل ثيابه ويمشي عرياناً يلوح بثوبه أنا النذير العريان، يحذر أمته عليه الصلاة والسلام، وهذا دليل واضح على أن من خالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان عقله قدر الدنيا، لو كان عقله قدر السماوات والأرض، أنه مخطئ وأنه لم يعرف قدره.
فلا يتجاوز الكتاب والسنة، فالكتاب والسنة قد سحق الفلاسفة، وسحق المفكرين، وسحق أولئك الذين أرادوا أن يعارضوا بعقولهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله علي? وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فجعل الفراش والدواب يقعن فيها، وهو يذبهن عن النار، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها» (متفق عليه).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يصدنا عن النار، أن نقع في حفرة النار، خاصة الأهواء والبدع فقد قال صلى الله عليه وسلم لحذيفة: وقد سأله هل بعد ذلك الخير من شر: قال: «نعم دعاة على أبواب جهنم فمن أجابهم قذفوه فيها»، وأولئك يدعون إلى النار والرسول صلى الله عليه وسلم يمسك بحجزهم عن النار، «تمسكوا بالكتاب والسنة، إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنيتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ» (رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح)، قال: «فأنا أخذ بحجزكم» (رواه البخاري ومسلم)، فهم كما سمعتم في الحديث بمنزلة الفَراش والله لن يعدوه قدره، وأنه بمنزلة الفَراش، كل من خالف الكتاب والسنة فهو بمنزلة الفَراش خفيف العقل، سخيف يقع في النار، نعم إن من يخالف الكتاب والسنة فهو سخيف في ميزان الله، وميزان رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن كان فيلسوفاً عند البشر وإن كان مفكراً وعبقرياً بكل ما تحمله هذه الكلمة من فخفخة، فإنه فراش إن خالف الكتاب والسنة، وقال جابر رضي الله عنه: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا: «اضربوا له مثلاً فقال بعضهم: إنه نائم، وقال البعض الآخر: إن العين نائمة والقلب يقظان، اضربوا مثلاً هو يفهم ويسمع، وإن كانت عينه نائمة فقلبه يقظان، قالوا مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث منادياً للناس هلموا إلى المأدبة، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، قالوا فسروها له: قال الدار الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم» (رواه البخاري)، احذر أن تنشد الجنة من طريق شخص آخر، فإنه يذهب بك إلى مكان آخر حفرة من حفر النار.
يقول صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» (رواه البخاري)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم: في حديث الثلاثة الرهط الذين أراد بعضهم أن يصلي الليل أبداً، والآخر يصوم النهار ولا يفطر والآخر ألا يتزوج النساء قال صلى الله عليه وسلم: «من رغب عن سُنَّتي فليس مني» (رواه مسلم)، وأنت ما هدفك إلا أن تكون من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة؟ ما هدفك إلا أن تكون تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هدفك إلا أن يراك رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة وأنت من أحيا سنته، واهتدى بهديه، وجادل من أجل دينه، وجاهد من أجل سنته بذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس من أجل إعلاء كلمته وإحياء سنته، فيحييك ويرحب بك، ولا تريد أن تكون من الذين يؤتى بهم إلى الحوض فيعدل بهم ذات الشمال، فيقول: «أمتي أمتي»، فيقولون له: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (رواه البخاري).
فلهذا علينا بالتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يقتدون بأمره، ويأخذون بسنته، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»، فأمر بمجاهدة هؤلاء الذين يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، سواء كانوا علماء أو حكاماً، أو أياً كانوا يجب مجاهدتهم باللسان وبإظهار الحق، وبإظهار الكتاب والسنة، حتى ينكشف الباطل وحتى يظهر الحق ويعرفوه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لإتباع الكتاب والسنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إليكم أيضا نصيحة من أخ لكم وإن كان قد تقدم به الزمان، لكنه يعيش معنا بكلامه وتوجيهاته ونصائحه، وقد عاشر البدع والخرافات، ومحدثات وفلسفة اليونان وفلسفة عصره، وقبل عصره، وعرف ما عندهم، وخاض في تلكم الطريق، وفهمها على حقيقتها، ولكنه عرف مؤخراً أن الحق في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن النجاح في الدنيا والآخرة باتباع الكتاب والسنة هذه النصيحة لأخيكم في الله وشيخكم ابن قيم الجوزية، ذلكم العالم الرباني، وهذه القصيدة ساقها في نظم وفي شعر رائق في كتابه القيم [النونية]، وإن كان بعض المخرفين من حملة العمائم، ومن حملة الوظائف المشهورة في ذلك العصر قد رد عليه وسمى كتابه [السيف الثقيل في الرد على ابن زفيل] إنها معارك في ?ذا العصر، وفي كل وقت بين الدعاة إلى الكتاب والسنة، وبين المعارضين للكتاب والسنة، وبين فلان وفلان، وبين المناهج المستوردة، وبين الفيلسوف الفلاني وقال فلان، وقال فلان، فاستمعوا لها، وهي نصائح من مجرب وسيقول لكم أنه جرب:
كُن في أمُورِكَ كُلِّها مُتمسِّكا*** بالوحيِ لا بزخارِفِ الهذَيَانِ
واثبُت بِصَبرِكَ تَحتَ ألوِيةِ الهُدَى *** فَإذَا أصِبتَ فَفِي رِضَا الرَّحمنِ
وَاصدَع بِمَا قَالَ الرَّسُولُ ولا تَخَف *** مِن قِلَّةِ الأنصَارِ والأعوَانِ
وَتَعَرَّ مِن ثوبَينِ مَن يَلبَسهما *** يَلقَ الرَّدَى بِمَذَمَّةٍ وَهَوانِ
ثوبٌ مِنَ الجَهلِ المُرَكَّبِ فَوقَهُ *** ثَوبُ التّعَصُّبِ بِئسَتِ الثَّوبَانِ
وتَحلَّ بالإنصَافِ أفخَرَ حُلَّةٍ *** زِينَت بهَا الأعطافُ والكَتِفَانِ
واجعَل شِعَارَك خَشيَةَ الرّحمَنِ مَع *** نُصح الرّسُولِ فَحَبَّذَا الأمرانِ
واجعَل لقلبِكَ هِجرتَينِ وَلاَ تَنَم *** فهُمَا عَلَى كُلِّ امرِىءِ فَرضَانِ
فالهِجرةُ الأولَى إِلى الرَّحَمنِ بال *** إخلاصِ في سِّرٍ وفي إعلانِ
فالقصدُ وَجهُ الله بالأقوَالِ وال *** أعمالِ والطَّاعَاتِ والشُّكرَانِ
فَبِذَاكَ يَنجُو العبدُ مِن إشراكِهِ *** وَيَصِيرُ حَقًّا عَابِدَ الرَّحمنِ
وَالهِجرةُ الأخرَى إلى المبعوثِ بال *** حَقِّ المُبِين وَوَاضِحِ البرهَانِ
فَيَدُورُ مَع قَولِ الرّسُول وَفِعلِهِ *** نَفياً وإثبَاتاً بِلاَ رَوَغانِ
وُيحكِّمُ الوَحيَ المُبينَ عَلى الذِي *** قَالَ الشُّيوخُ فَعِندَهُ حَكَمَان
وَهُما كتابُ اللهِ أعدَلَ حاكِمٍ *** فِيه الشِّفا وهِدايةُ الحيرانِ
والحَاكِمُ الثَّاني كَلامُ رَسُولِهِ *** مَا ثَمَّ غيرُهُمَا لِذِي إيمانِ
فَإذَا دَعوكَ لغَيرِ حُكمِهمَا فَلا *** سَمعاً لِدَاعِي الكُفرِ والعِصيانِ
قُل لاَ كَرَامةَ لاَ ولاَ نُعمَا وَلا *** طَوعاً لِمَن يَدعُو إلى طُغيَانِ
وإذا دُعِيتَ إلى الرَّسُولِ فقل لَهُم *** سَمعاً وَطَوعاً لستُ ذَا عِصيانِ
وإذا تَكاثَرَتِ الخصُومُ وَصيَّحُوا *** فَأثبُت فَصَيحَتُهُم كَمِثلِ دُخَانِ
يَرقَى إلى الأوجِ الرَّفِيعِ وَبَعدَه *** يَهوِي إلى قَعرِ الحَضِيضِ الدَّاني
لا تَخشَ كثرتَهُم فَهُم هَمَجُ الوَرَى *** وَذُبَابُهُ أتَخَافُ مِن ذِبَّانِ
وَاسمع نصيحَةَ من لهُ خُبرٌ بمَا *** عندَ الوَرَى مِن كَثرةِ الجَولاَنِ
مَا عِندَهُم وَاللهِ خَيرٌ غَيرَما *** أخذُوهُ عَمَّن جَاءَ بالقرآنِ
عبد المجيد بن محمود الريمي